إذا كانت الحكومة قد أقرت أمس، بعد مخاض وترقب، مشروع قانون الانتخاب على قاعدة النسبية و13 دائرة، وسط اعتراض وزراء «جبهة النضال الوطني» والوزير علي قانصو، فإن الامر بدا أكثر تعقيدا من ان يُصنف في خانة «الانجاز المجرد»، ذلك ان كل شيء يوحي بان المشروع سيكون عنوانا لمشكلة إضافية في البلد، وليس مدخلا للحل، والارجح ان مجلس الوزراء أراد فقط ان يزيح عن كاهله عبء وضع مشروع القانون، بمعزل عن فرصته في الحياة، على قاعدة انه قام بواجبه، وأدى قسطه للعلا.
ولئن كانت معظم قوى 8 آذار الى جانب «التيار الوطني الحر» قد وافقت على الصيغة التي اعتمدها مجلس الوزراء، إلا ان ردود الفعل الأولية على الضفة الاخرى أظهرت ان المشروع سيواجه مقاومة شرسة من الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط، اللذين سارعا الى إطلاق النار عليه، حتى قبل ان يجف الحبر الذي كُُتب به، فيما تتجه «القوات اللبنانية»، كما يبدو، نحو معارضته انسجاما مع موقف «الحليف الازرق»، في وقت يميل «حزب الكتائب» الى أخذ وقته في الدرس والتشاور مع الحلفاء، قبل اتخاذ القرار النهائي.
ولعل مسيحيي 14 آذار سيكونون الاكثر حرجا في رفض المشروع، الذي بدا حريصا على مراعاة متطلبات المسيحيين بالدرجة الاولى ـ كما يتبين من طريقة تقسيم الدوائر وتوزيعها ـ بما يحقق أفضل تمثيل ممكن للطائفة المسيحية في مجلس النواب، وسط الواقع الجغرافي والديموغرافي الحالي، وبالتالي فان حزبي «القوات» و«الكتائب» على وجه التحديد سيظهران بموقع المساير لـ«تيار المستقبل»، على حساب شارعهما وحقوقه الانتخابية والسياسية، في حال حسما خيارهما بالاعتراض على صيغة النسبية بـ13دائرة.
وبعيدا عن الحسابات السياسية المباشرة، أكد عدد من الخبراء في الانظمة الانتخابية لـ«السفير» ان مشروع الحكومة يشكل خطوة الى الامام،
بالمقارنة مع «قانون الستين»، ذلك انه يتيح تحجيم دور «المحادل» و«البوسطات»، وينقل الصراع الى داخل الطوائف بدل ان يكون في ما بينها، ويوسع هامش التنوع والمصداقية في التمثيل، ويرفع نسبة المشاركة في الاقتراع، ويطوق آفة المال السياسي الذي يفقد قدرته على التأثير في ظل النظام النسبي خلافا للنظام الاكثري.
ولكن هذه الإيجابيات لا تلغي السلبيات، ومن بينها ان المشروع المقترح يكرس الفرز الطائفي والمذهبي، على حساب مفهوم «المواطنة»، وبالتالي يدفع في اتجاه «دوائر صافية» في كثير من المناطق، بحيث ان طريقة تقسيم الدوائر، التي تضمنت ما يشبه «الرشى الانتخابية» لهذا الفريق وذاك، تكاد تعطل حسنات مبدأ النسبية، وصولا الى تجويفه من مضمونه الاصلاحي.
وبما ان الحكومة تدرك ان المشروع بصيغته الراهنة سيواجه، في طريقه، مطبات كثيرة، فان سؤالا يُطرح عما إذا كان قد جرى التمهيد له بما يكفي من المشاورات والاتصالات، لتسهيل عبوره من مجلس الوزراء الى مجلس النواب، ام ان الجميع يتصرف ضمنا على قاعدة ان ما يجري حاليا هو مجرد تقطيع للوقت، بانتظار العودة الى «قانون الستين»، كأمر واقع في ربع الساعة الأخير.
الى ذلك، دخل العامل الاغترابي في صلب القانون الانتخابي، عبر «كوتا» اغترابية من ستة نواب، مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ينتخبهم اللبنانيون غير المقيمين، ليرتفع بذلك عدد اعضاء مجلس النواب الى 134 نائبا، كما ألزم المشروع كل لائحة بأن تضم مرشحين من الجنسين، متجاوزا موضوع «الكوتا» النسائية، بسبب اعتراض عدد كبير من الوزراء من منطلقات دستورية، وابرزهم الوزير نقولا فتوش.
التعديلات
وبينما عُُلم ان تعديلات عدة ادخلت على المشروع، قالت مصادر وزارية لـ«السفير» ان ابرز تعديل في ما خص اقتراع غير المقيمين، تمثل في اعطاء رئيس الجمهورية حق تعيين نائب بديل عن النائب المنتخب، في حال شغور المنصب لأي سبب كان، معتبرة ان هذا الامر يعطي رئيس الجمهورية صلاحية جديدة لم ينص عليها الدستور.
كما جرى تعديل النص المتعلق بالانفاق الانتخابي، لناحية رفع المبلغ المفترض ان يصرفه المرشح عن كل ناخب مسجل في اللوائح، من ثلاثة الاف الى خمسة الاف ليرة، على ان يكون سقف المبلغ المسموح به لتمويل الحملة الانتخابية 150 مليون ليرة بدل مائة مليون.
وجرت اضافة فقرة حول صلاحيات الهيئة المشرفة على الانتخابات، بحيث اعطيت صلاحية «اصدار القرارات والتعاميم اللازمة لنشاطها ورفع الاقتراحات».
وعلم ان إلزام اللوائح بضم سيدة واحدة على الاقل تم بناء لاصرار الرئيسين سليمان وميقاتي في ما خص «الكوتا» النسائية.
جنبلاط: لن تلوى ذراعنا
وفي المواقف، قال النائب وليد جنبلاط لـ«السفير» ان الغريب اننا نناقش قانون الانتخاب وكأننا نعيش حالة من الاستقرار المثالي، لافتا الانتباه الى ان وضعنا يشبه «النقاش في جنس الملائكة قبل سقوط القسطنطينية».
وأضاف: لا يمكن ان يُناقش قانون الانتخاب بشكل هادئ في هذا الجو المذهبي والطائفي المتوتر، ولا يمكن ان يُناقش في ظل غياب سلطة واحدة ودولة واحدة على كامل الاراضي اللبنانية، معتبرا ان هذا القانون او غيره يجب أن يأتي من خلال سلطة واحدة تتولى الدفاع والتحرير والتشريع.
ورفض أن تلوي أي طائفة في مجلس الوزراء ذراع الأخرى، مشيرا الى ان «مخاوف البعض محقة، وكان الأفضل الا يُبحث في مشروع النسبية وان نبقى على حالنا».
وتابع: لا نريد «تربيح جميلة» من أحد بضم عاليه والشوف، وربما تشعر بعض الاقليات المذهبية والطائفية بالغبن، وأنا كممثل لجزء من الدروز لا اريد ان أتسبب بالغبن لجزء آخر من اللبنانيين في الجبل، وهذا الامر يجب ان ينسحب على كل لبنان.
الحريري: لن يمر
وفي سياق متصل، رفض الرئيس سعد الحريري مشروع قانون الانتخابات، ورأى أنه «موجه ضد أكثر من نصف اللبنانيين»، مؤكدا انه «لن يمر». واشار الى ان الحكومة قدمت مشروع قانون على قياس «حزب الله» وحلفائه، محملا مسؤولية ما حصل وتداعياته السياسية إلى رئيس الجمهورية ومعه رئيس الحكومة.
عون .. و«القوات»
وفيما اعتبر العماد ميشال عون أن «إقرار قانون الانتخاب على أساس النسبية مع 13 دائرة كان مطلب كل الذين اجتمعوا في بكركي»، قال مصدر قيادي في «القوات اللبنانية» لـ«السفير» ان لجنة بكركي (التي تمثل القوى المسيحية الاربع) كانت قد توافقت على ان المقبول هو واحد من خيارين، إما اعتماد الدوائر الصغرى من 3 الى 4 على اساس النظام الاكثري، وإما اعتماد النسبية على قاعدة 15 دائرة انتخابية، وليس 13، مرفقة بمجموعة اصلاحات، وبالتالي فان ما صدر عن مجلس الوزراء لا يستجيب بكل المقاييس لما طرحته لجنة بكركي.
شربل.. و«الثورة»
من ناحيته، أبلغ وزير الداخلية مروان شربل «السفير» ان إقرار مشروع قانون الانتخاب على اساس النسبية هو إنجاز نوعي، واعتبر ان «ما حصل يقارب حد الثورة البيضاء التي نأمل في ان تكتمل فصولها من خلال موافقة مجلس النواب على هذا المشروع»، لافتا الانتباه الى «ضرورة ان نستخلص العبر مما يجري في العالم العربي، فنبادر الى تلقف هذه الثورة البيضاء، كخيار بديل عن الثورات الدموية».
واعتبر ان اعتماد مبدأ النسبية يتيح تجديد الحياة السياسية، وضخ دم جديد في عروقها، وصولا الى كسر «المحادل الانتخابية» وتحقيق نوع من التكافؤ في الفرص، بما يُطلق مسار الديموقراطية الحقيقية ويؤسس لبداية نهاية الطائفية، منبها الى ان عدم إقرار هذا المبدأ سيؤدي الى إحجام عدد كبير من اللبنانيين عن المشاركة في الانتخابات لان استطلاعات الرأي أظهرت ان غالبيتهم تريد النسبية، وبالتالي فان إجهاضها سيصيبهم بخيبة الامل وسيدفعهم الى مقاطعة الانتخابات.
وأوضح أنه سيعقد اجتماعا مع وزير الخارجية عدنان منصور قريبا، للبحث في الآلية التفصيلية لاقتراع المغتربين، وكيفية ضبط العملية بحيث لا يقترع الناخب المقيم في الخارج مرتين، واشار الى ان وزارة الداخلية تعد استمارات خاصة للمقترعين في الخارج، وسترسلها الى وزارة الخارجية لترسلها بدورها الى الدول المعنية، ويتم تسجيل الناخبين فيها، وتعاد الى وزارة الداخلية ليجري حصر الناخبين المغتربين.
قرطباوي: حماية من الذوبان
وقال وزير العدل شكيب قرطباوي لـ«السفير» ردا على سؤال عما اذا كان تقسيم بعض الدوائر يلغي افضلية اصوات بعض الطوائف فيها، «إن النسبية تعطي اهمية وفائدة لكل الكتل الطائفية والمذهبية الناخبة، فكل كتلة لها مطرح في الدائرة، فلا تعود طائفة او مذهب هو المقرر لوحده، كما ان أيا منهما لا يذوب في أي دائرة، بل يؤثر ويتأثر».