إيران «لن تسمح بكسر ضلع» سوريا الأساسي في «محور المقاومة». رسالة قاطعة وجهها مبعوث المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في ايران سعيد جليلي من دمشق، إلى «أعداء المحور»، وأيضا إلى الرئيس السوري بشار الأسد الذي أكد بدوره «التصميم على تطهير البلاد من الإرهابيين» ومنع استهداف سوريا وموقعها في هذا المحور. الوجهة الثانية للدبلوماسية الايرانية كانت أنقرة حيث التقى وزير الخارجية الايراني علي أكبر صالحي نظيره أحمد داود اوغلو، واستبعد تحقيق الاستقرار في سوريا «دون أي» من تركيا وايران.
وترافق الحراك الايراني الذي كانت ثالث محطاته في مصر حيث التقى نائب الرئيس محمود أحمدي نجاد، حميد بغاني، مسؤولين مصريين، مع تصعيد واضح في اللهجة الايرانية دعما لدمشق. كما كشف هذا التحرك توتراً تركيا ـ إيرانيا يتمحور ظاهراً حول قضية المخطوفين الايرانيين، لكنه قد يكون أكثر ارتباطاً بمعلومات عن تصعيد أمني وعسكري في الدعم التركي للمعارضة المسلحة داخل سوريا، يشمل إعادة تنظيم الكتائب المقاتلة بطلب اميركي لإضعاف المكوّن «الإرهابي»، وتزويدها بأسلحة نوعية مع اشتداد معركة حلب والقصف على معاقل «الجيش الحر» جواً.
وتتزامن هذه التطورات مع زيارة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لتركيا السبت المقبل، بعدما حذرت أمس، من «عدم التسامح» مع الأطراف التي ترسل «عملاء أو مقاتلين إرهابيين» لإذكاء المواجهة الطائفية في سوريا. كما يقوم وزير الخارجية الفرنسي
لوران فابيوس بجولة إقليمية تشمل لبنان وتركيا الأسبوع المقبل.
وشدد جليلي، وفقا للبيان الرئاسي السوري، على اعتبار أن «ما يجري في سوريا ليس قضية داخلية وإنما هو صراع بين محور المقاومة من جهة وأعداء هذا المحور في المنطقة والعالم من جهة أخرى»، مؤكدا أن «الهدف هو ضرب دور سوريا المقاوم، وإيران لن تسمح بأي شكل من الأشكال بكسر محور المقاومة الذي تعتبر سوريا ضلعا أساسيا فيه».
من جهته، أكد الأسد «تصميم الشعب السوري وحكومته على تطهير البلاد من الإرهابيين، ومكافحة الإرهاب من دون تهاون»، مشددا في الوقت ذاته على أن «سوريا ماضية في الحوار الوطني، وهي قادرة بإرادة شعبها على إفشال المشاريع الخارجية، التي تستهدف محور المقاومة في منطقتنا ودور سوريا فيها».
وطلب جليلي وقف أي نوع من أنواع «التدخل في الشؤون السورية» سواء كان ذلك «عبر الحدود المعنوية أو المادية». ورأى أن «الوقت لم يفت بعد للاستجابة للمبادرة التي تشكل مدخلا لحل الأزمة»، مطالبا الدول التي «ترسل السلاح» إلى سوريا بالتوقف عن ذلك ومعتبرا إياها «شريكة في سفك الدم السوري».
وأبدى أسفه لوضع الإيرانيين المحتجزين. وقال إن «اختطاف أبرياء يؤدون واجبهم الديني لا يمكن القبول به من قبل أي عاقل». وأضاف أن من «يدعمون هذه المجموعات التي ترتكب هذه الأعمال الإرهابية ميدانيا وإعلاميا أو ماليا هم شركاء في هذا العمل المجرم». وكان دبلوماسي إيراني قال لـ«السفير» إن جليلي بحث موضوع الخاطفين مع الجانب السوري، الذي لا يزال يبحث عنهم.
من جهته، قال صالحي للصحافيين في مطار أنقرة قبل لقائه داود اوغلو إنه «دون أي من هاتين الدولتين الأساسيتين (تركيا وايران) اعتقد ان تحقيق السلام والاستقرار او احلالهما في المنطقة سيكون امرا بالغ الصعوبة ولاسيما في دول مثل سوريا». وأضاف صالحي «انا هنا لمتابعة قضية الايرانيين الـ48 الذين ذهبوا الى سوريا». وتابع قائلا ان «تركيا لديها علاقات مع المعارضة السورية ولهذا نحن نعتقد ان بامكانها ان تلعب دورا كبيرا في الافراج عن زوارنا».
وتعقد ايران اجتماعا وزاريا دوليا في طهران غداً حول سوريا، أعلن المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا كوفي أنان أنه لن يشارك فيه ولن يرسل إليه مبعوثا، كما أعلن لبنان عدم مشاركته من مبدأ «النأي بالنفس».
في المقابل، صعدت تركيا أيضا لهجة ردها على الانتقادات الايرانية، وجاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية أن تركيا «دولة تتحرك في ضوء أهدافها ومبادئها التي تتبناها في سياستها الخارجية، وأنها دولة عريقة ذات حضارة»، مناشدا «المسؤولين الإيرانيين ضرورة معرفة ذلك جيدا».
من جانب آخر، قال البيان التركي «إن المسؤولين داخل سوريا وخارجها عن المأساة الإنسانية في سوريا التي تسبب فيها النظام السوري، معروفون للجميع هم ومن يحملون على عاتقهم وبال قتل مئات الأبرياء من السوريين كل يوم»، مشددا على أن «هؤلاء سيحاسبون على ما فعلوا أمام ضمير التاريخ والإنسانية». وذكر البيان أن «تركيا تنظر إلى مسألة خطف 48 إيرانيا في سوريا بصورة إنسانية تامة» لافتا إلى أن «تركيا ستبذل كل ما في وسعها لحل مسألة المخطوفين لاعتبارات إنسانية محضة بناء على طلب وزير الخارجية الإيراني لنظيره التركي عون تركيا في هذا الأمر».
ودعا البيان ايران «لوضع حد للتصريحات التي لا أساس لها، وأن يتصرفوا بشكل يليق بروح علاقات الجوار التي تجمع بين البلدين».
وصرحت كلينتون للصحافيين في ختام لقاء مع نظيرتها الجنوب افريقية مايتي نكوانا ماشاباني «علينا ان نقرر كيف نسرع للوصول الى اليوم الذي تتوقف فيه اراقة الدماء وتبدأ عملية الانتقال السياسي» في سوريا. واضافت ردا على سؤال حول مستقبل سوريا السياسي «علينا ان نضمن اننا نعمل بالتعاون مع الاسرة الدولية لتحقيق هذه الغاية، كما علينا ان نحدد بالضبط ما نتوقعه من الحكومة والمعارضة بشأن انهاء العنف والبدء في الانتقال السياسي».
وقالت كلينتون «نستطيع ان نتحدث ونخطط بشكل اكبر عن ما سيحدث لاحقا، اي ما بعد انهيار النظام .. وانا اعلم ان ذلك سيحدث». واضافت «هذه اوقات صعبة للغاية على الشعب السوري الذي وقع في شرك هذا العنف الرهيب». وتابعت قائلة «علينا ان نعالج الاحتياجات الانسانية الملحة لمن يعانون داخل سوريا وللفارين منها». واكدت «وعلينا ان نضمن بقاء مؤسسات الدولة سليمة». وقالت كلينتون «ان على من يحاولون استغلال معاناة الشعب السوري سواء بارسال عملاء او بارسال مقاتلين ارهابيين، ان يعلموا ان اي طرف، خاصة الشعب السوري، لن يسمح لهم بذلك».
وذكرت وزارة الخارجية الفرنسية ان لوران فابيوس سيزور من 15 الى 17 آب الحالي الاردن ولبنان وتركيا لدرس انعكاسات الازمة السورية على هذه الدول. وقال معاون المتحدث باسم الخارجية الفرنسية فانسان فلورياني ان الدول الثلاث التي سيزورها الوزير «تستقبل عددا كبيرا من اللاجئين». وسيجري فابيوس ايضا «محادثات سياسية رفيعة المستوى في اطار جهود فرنسا للترويج لمرحلة سياسية سريعة ذات مصداقية في سوريا».
وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب محمد عطري في مقابلة مع قناة «روسيا اليوم» إن حجاب قد يكون رئيسا لـ«حكومة المنفى أو رئيسا لحكومة انتقالية»، مؤكدا أن «هذا الأمر يقرره الثوار في الداخل». وشدد على أن «حجاب سياسي وطني لم تتلطخ يداه بدماء أي سوري، وأن سجله حافل بالخدمات والتعاون في سوريا».
(«السفير»، أ ف ب، رويترز، أ ب ، أ ش ا)