يروون «مغامرات النازح» كما يسمونها. هي مغامرات تبدأ في سوريا، ولا سيما في الشام. وتتسلسل بقية أحداثها في بيروت أو خلدة أو صيدا... ويأمل البعض كأبي مازن أن تكون النهاية في الولايات المتحدة أو أي بلد اوروبي.
يستهل الحديث اليوم سعد. بالرغم من أنه ليس بنازح. فقد مرّ على قدومه إلى لبنان عشر سنوات، إلا أن والديه لحقاً به منذ شهرين، تحسباً من امتداد أعمال العنف إلى حيهم الدمشقي المتواضع. بنبرة غاضبة، يبدي سعد انزعاجه من ظاهرة تفشت مؤخراً في منطقة الحمراء، حيث تقع الورشة التي يعمل فيها. يروي: «الله يخليك بس ألف... نحنا نازحين جينا من سوريا». هكذا تردد مريم، مستوقفة المارة أمام الورشة. هي في التاسعة من عمرها تقريباً. شعرها كستنائي يتدلى فوق قامتها الهزيلة. وجهها شاحب ويغطيه الغبار. عيناها باهتتان تحكيان ألف مأساة سلبتها براءة الطفولة وحبها للحياة. تجوب الشارع ذهاباً وإياباً كل يوم «منذ أن أصل إلى العمل في السابعة صباحاً، وحتى ساعة متأخرة أجهلها»، كما يقول. تستهدف رجالاً ببدلات غالية وسيدات «شيك»، فتروي لهم بحنكة رهيبة قصة أشبه بمسلسل تركي فيها ألف حبكة ومعاناة.
تقول الفتاة إن أباها قتل نتيجة قصف عشوائي وأخاها مخطوف، وأمها شلت إثر توالي الأزمات عليهم. تخبر العابرين قصتها بطريقة مؤثرة فتحز في القلب كالسكين. يحزن جمهور سعد لسماع معاناة مريم لكن سرعان ما يقاطع الشاب ذلك السيناريو الكئيب باحتقان، قائلا: «مريم ليست سورية. وأنا أراها تلحق بالمارة في الحمراء منذ وقت طويل، قبل بدء الاضطرابات في سوريا». يكمل: «هؤلاء أناس انتهازيون، يستــغلون ظاهرة نزوح السوريين ليكسبوا المال وليستفيدوا من الشائعات». ويعلق ساخرا: «مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد».
يقاطع أبو جهاد حديث سعد قائلا: «دعنا من هذه الاخبار. أبو قاسم أرسل إليكم سلاماً، ويدعوكم لتفطروا عنده يوم الجمعة». أبو قاسم رجل لبناني استقبل في منزله في البربير، قريبه أبا جهاد وعائلته، الذين فرّوا من الشام في الأسبوع الماضي بعدما تفاقمت الأوضاع وصارت المدينة ساحة معركة. يتحسر أصغر أبناء أبي جهاد: «ليتنا نعود إلى بيتنا. أنا أحب عمو أبو قاسم ولكني اشتقت لحارتنا ولأصدقائي هناك». أما حال أبي مازن فتختلف عن أبي جهاد. فالسلطات الإماراتية لم تمنحه تأشيرة ليلجأ إلى أقاربه في دبي. جاء وزوجته وأولاده الخمسة إلى بيروت واستأجر شقة مفروشة في «الطريق الجديدة» مقابل 500 دولار.
من جهة أخرى، رمزي بمنأى عن كل ذلك. أتت عائلته الميسورة إلى بيروت من الشام بسيارتهم الـ«أودي». ونزلوا في فندق راق في رأس بيروت. هو يشعر بالأسى لما يصيب وطنه لكنه يعترف: «أرى نفسي كسائح في إجازة. بيروت مدينة جميلة وصاخبة، تستمتع فيها ليل نهار. فلماذا لا استفيد من وجودي هنا، وأحرم نفسي من هذه المتعة؟».
يجسد أبو جهاد وأبو مازن ورمزي أوضاع النازحين السوريين في بيروت كما يلخصها مختار في محلة «الطريق الجديدة»: «إما لهم أقارب في لبنان، أو يستأجرون شقة مفروشة متواضعة، أو في حال كانوا من الميسورين يقصدون الفنادق». ويكمل «علينا ألا ننسى أن من يصل منهم إلى بيروت هو أفضل حالا من الذين يتخبطون في عكار مثلا. لا أحد منهم هنا يمكث في الشارع أو ينام في مدرسة أو حديقة. كما أن هناك العديد من الجهات السياسية والمدنية مدت لهم يد العون في هذا الشهر الفضيل». وبالفعل تجوب منطقة «الطريق الجديدة»، فتجد بضعة مراكز تقدم المساعدات للنازحين. وتلفت انتباهك حملة «جمعية الاتحاد الإسلامي» لنصرة الشعب السوري تحت شعار: «جرحكم جرحنا... نصركم نصرنا». وتؤكد مسؤولة في الجمعية أنهم «يقدمون المساعدات من مواد غذائية وملابس وغيرها لما يقارب 600 عائلة سورية لاجئة في بيروت». وتشير إلى انّ «هيئة العلماء المسلمين في لبنان» أصدرت فتوى «بصرف الزكاة والصدقات والهبات لأهلنا السوريين».
كذلك يقول مختار في المنطقة محسوب على «تيار المستقبل»: «يمدنا «التيار» بالإمكانيات والأموال لنؤازر المهجرين من سوريا،» ويطلعنا على أوراق توثق أسماء السوريين الذين يستفيدون من هذه الهبات. ولكن بيروت قد تضيق ببعض قاصديها من الطبقة الوسطى. وذلك نظراً للغلاء المعيشي الذي يثقل كاهل حتى البيروتيين وخاصة ارتفاع إيجارات الشقق العادية أو المفروشة. «ومن ليس له أقارب في بيروت ولا يوفق بشقة مفروشة بسعر معقول، يتوجه إلى بشامون وعرمون وخلدة»، تشير صابرين، وهي من سكان عرمون، وتضيف ان «العديد من العائلات السورية استقرّت في المنطقة، لا سيما بعد الأحداث الأخيرة في دمشق».
وعلى هامش ذلك كله، يبقى رجل واحد في حديقة عائشة بكار لا ينضم إلى أحاديث «مغامرات النازح السوري». مغامرته مع اللجوء في لبنان بدأت قبل ولادته. يقول مالك الرجل الثلاثيني: «نحن الفلسطينيين لا بد أن ننال حصتنا من كل مصيبة تقع من حولنا. كنت مستأجرا شقة صغيرة في منطقة الاوزاعي. أعيش فيها مع زوجتي وأمي اللبنانيتين وطفليّ. أدفع للمالك 200 دولار في الشهر. ولكن في الأسبوع الماضي، أخرجني وعائلتي من الشقة لأن نازحاً سورياً دفع له ضعف هذا المبلغ. ولأني لاجئ فلسطيني لا تجوز شكواي. اليوم ننام خمستنا في سيارتنا التي نركنها ليلاً قرابة شاطئ الرملة البيضاء، آملين الا نتعرض للسطو أثناء نومنا».
مئة عائلة تنزح إلى عين الحلوة
استقبل مخيم عين الحلوة أمس نحو مئة عائلة فلسطينية نزحت من سوريا، وفق مصدر في اللجان الشعبية الفلسطينية («المركزية»). ولفت المصدر أن العائلات نزحت من مخيم اليرموك، مؤكدا أن ألف عائلة فلسطينية نزحت منذ أسبوع من سوريا إلى المخيمات الفلسطينية في الجنوب وبيروت والشمال. وأن العدد مرشح للارتفاع في ظل الأوضاع والتطورات العسكرية المتصاعدة. وقام وفد من «منظمة ثابت لحق العودة» أمس، بمتابعة أوضاع النازحين إلى المخيم. وأعرب الوفد عن تضامن «ثابت» ومؤازرتها للعائلات النازحة، واعدا بنقل مطالبها للجهات المختصة.
تسوية أوضاع السيارات السورية جمركياً
قررت مديرية الجمارك الــعامة في بيان أصدرته أمس «نظرا للحوادث المؤسفة الجــارية في الجمــهورية العربية السورية، اعتبار مهل الإدخال الموقت للسيارات السورية المدخلة إلى لبنان بموجب دفاتر مرور ومكث، سارية المفعول تلــقائيا، بدءا من تاريخ 15 تمــوز الماضي حتى 31 كانون الأول المقــبل، أو حتى نهايــة صلاحية دفتر المــرور والمكــث، إذا كانت تلك الصلاحية تنتــهي قبل 31 كانون الأول المقبل، وذلك من دون الحاجة إلى مراجعة إدارة الجمارك».
ودعت المديرية «أصحاب السيارات التي انتهت مهلة إقامتها أو التي أدخلت الأراضي اللبنانية قبل تاريخ 15 تموز الماضي إلى الحضور إلى مديرية الجمارك العامة في الطابق السابع من مبنى البنك العربي في ساحة رياض الصلح لتسوية أوضاعهم».
(«المركزية»)