بالتزامن مع انطلاق حملة «متحدون ضدّ إيران نووية»، التي تضع الضغط على القطاع المصرفي اللبناني في قائمة أولوياتها، خرجت شركة «كاسـبرسكي لاب» المتخصصة في الأمن المعلوماتي لتعلن اكتشاف فيروس جديد بالغ التعقيد، هدفه التجسس على المعاملات المالية في منطقة الشرق الأوسط، وبشكل أساسي المصارف اللبنانية.كل الملابسات المحيطة بالفيروس، وما سبقه من فيروسات «شقيقة»، أظهرت أن وظائفه سياسية بالدرجة الأولى. من هنا، تفرض الأبعاد «الإستراتيجية» لهذا الفيروس نفسها في مقاربة مخاطره على الساحة اللبنانية. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى ما أوردته صحف غربية على لسان متابعين للشأن اللبناني من أن «الفيروس قد يكون حملة تجسـسية أميركية هدفها النظام المصرفي اللبناني بسبب قلق واشنطن من استخدام بنوك لبنانية كقناة مالية للنظام السوري و«حزب الله».بداية، لا بدّ من بطاقة تعريفية مختصرة للفيروس تفسّر حالة الذعر التي انتابت المتخصصين في القطاع، والذين سارعوا إلى تحذير الأمم المتحدة من مغبة إهماله، «لأن الكارثة قد تقع في أي يوم»، بحسب صحيفة «الغارديان» البريطانية. «غاوس» يعتبر «ابن عم» الفيروس «ستاكسنت» الذي تم تصميمه لمهاجمة أجهزة الكمبيوتر التي تسيطر على أجهزة الطرد المركزي في منشأة لتخصيب اليورانيوم في «نتانز» في إيران. ووفقاً لما أفادت شركة «كاسبرسكي لاب»، في بيان على الانترنت، فهو «قادر على مهاجمة البنية التحتية الحيوية، وتمّ تطويره في المختبر ذاته الذي طُوّر فيه ستاكسنت»، كما أنه مرتبط باثنين من أدوات التجسس الأخرى «فلايم» (الشعلة) و«دوكو» اللذين يأتيان من المصدر ذاته. وتخوض الشركة المتخصصة في الأمن المعلوماتي، ومقرها موسكو، في شرح قدرات الفيروس حيث «يمكنه سرقة كلمات السر من متصفح الانترنت وغيرها من البيانات، وإرسال المعلومات حول تكوينات النظام، وسرقة وثائق التفويض من أجل الوصول إلى الأنظمة المصرفية في منطقة الشرق الأوسط،، وخطف معلومات تسجيل الدخول لمواقع الشبكات الاجتماعية، وحسابات البريد الالكتروني والرسائل الفورية.. كما يمكنه محو أي أثر له بعد كل عملية اختراق».ما سبق، يسلط الضوء بشكل فاقع على حجم الخطورة التي تتهدّد القطاع المصرفي اللبناني، فـ«غاوس» على درجة بالغة من التعقيد بحيث لا يمكن تطويره إلا بالتعاون مع دول. وبحسب «الغارديان»، أصاب الفيروس 2500 كومبيوتر ابتداء من أواخر أيار الماضي، وغالبيتها في لبنان، فيما يُقدّر عدد ضحاياه بعشرات الآلاف.وتتركز الغالبية الساحقة لهجمات «غاوس» على لبنان على زبائن «بنك بيروت» و«البنك اللبناني الفرنسي» و«بنك بلوم» و«بنك بيبلوس» و«فرنسبنك» و«بنك الاعتماد اللبناني» ومستخدمي «سيتي بنك» و«باي بال».وكانت «الغارديان» كشفت أن مجموعة من الخبراء أبلغوا الجهات المختصة في الأمم المتحدة بضرورة التحرك والتعامل مع الفيروس كـ«مشكلة عالمية»، ناقلة عن المسؤول عن البرمجيات الخبيثة في «كاسبرسكي لاب» فيتالي كلموك اعتقاده أنه «ما زال هناك نقص في الانتباه إلى ضرورة ملاحقة الدول التي تطور البرمجيات الخبيثة». وأشار كلموك إلى أن «خوادم القرصنة كان مركزها أميركا قبل أن تنتقل إلى البرتغال وبعدها إلى الهند»، في وقت استبعد أن يعمد القراصنة إلى سرقة المال فـ«هم يراقبون انتقال الدفعات المالية فقط». وبهذا تكون هذه الحملة تجسسية الكترونية مركزة للغاية، تستهدف مستخدمين محدَّدين للمنظومات المصرفية على الانترنت.كانت أصابع الاتهام وُجهت في وقت سابق، عند الكشف عن «ستاكسنت» و«فلايم»، إلى إسرائيل والولايات المتحدة، فيما امتنع المحللون هذه المرة عن التكهن بشأن الجهة التي تقف وراء الفيروس الجديد، لكنهم لاحظوا اشتراكه بالكثير من السمات مع التصميم الأساسي لفيروسات «ستاكسنت» و«فلايم»، مرجحين أن يكون منشأه المختبر ذاته الذي صُممت فيه هذه الفيروسات، بحسب كبير الخبراء الأمنيين في «كاسبرسكي لاب» ألكسندر غوستيف لـ«الغارديان». يُذكر أن الفيروس الجديد اكتُشف للمرة الأولى في حزيران الماضي ولكن التحليلات اللاحقة تشير إلى انه كان يعمل منذ أيلول العام 2011. وأُغلقت خمسة خوادم كانت تقف وراء هجمات الفيروس في تموز بعد فترة وجيزة على اكتشافه، ويقول خبراء إنه يبدو ثابتا أو خاملا في الوقت الحاضر. وبالعودة إلى الشق المتعلق بالمصارف اللبنانية، وهو الأهم، تنقل صحيفة «نيويورك تايمز» عن جيفري كار، وهو خبير متخصص في «الحرب السيبيرية»، قوله إن «أميركا لطالما راقبت عن كثب شبكة المصارف اللبنانية خوفاً من أي صلة قد تربطها بإيران والمجموعات المقاتلة ومهربي المخدرات»، متسائلاً «إذا حصلت واشنطن على هذا السلاح، فلم لا تستخدمه في تحقيقاتها مع المصارف اللبنانية للتأكد من حقيقة تورطها في تبييض أموال لـ«حزب الله». في المقابل، تخوفت صحيفة «نيويورك تايمز»، نقلاً عن بعض الخبراء، من أن «يتسبب الفيروس الالكتروني بتقويض السرية التي يتميّز بها القطاع المصرفي اللبناني بشكل كامل، وهو ما يهدّد بالقضاء على ميزة مصرفية تحاكي النظام السويسري».