أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

حرب الـ 33 يوماً في دفتر سميّة نور الدين

الثلاثاء 14 آب , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,415 زائر

حرب الـ 33 يوماً في دفتر سميّة نور الدين

منذ اليوم الأول للحرب، كانت تعلم «أننا لن نهزم». يقينها هذا كان نابعاً من «الثقة بالمقاومة». لهذا، كرّست سمية نور الدين، ابنة الـ 18 عاماً، وقتها قبل 6 سنوات لتدوين «يوميات الحرب الإسرائيلية على لبنان» على أحد دفاترها المدرسية المستعملة. استفادت من صحيفة «السفير» تحديداً لتنقل العناوين وبعض التفاصيل على دفترها. تنقل بخط يدها المعلومات باختصار، من دون أي «تدخل» في تحرير النص، ثم تقصّ بعض صور «الألم والصمود» وتلصقها.

قبل أكثر من شهر، مع بداية ذكرى الحرب، أخرجت سمية الدفتر من بين أغراضها، كما اعتادت أن تفعل كل عام. عادت بها الذاكرة إلى تلك الأيام. تذكّرت كيف أصبحت منطقة البسطة في بيروت، حيث تقيم مع أهلها، تعجّ بالنازحين من الضاحية والجنوب. بعض هؤلاء كانوا يشاركونها المنزل، فكانت تقف على خدمتهم، كما تفعل مع الذين نزلوا في المدارس والمباني المهجورة في المحيط. في الليل كانت تعود إلى دفترها، الذي أخذ يتضخم يوماً بعد يوم، لتقفله يوم 14 آب على أرشفة لـ 32 يوماً. لم يفتها سوى يوم واحد فقط: «لا أتذكر سبب عدم تدويني لأحداث 17 تموز، ربما لأن الصحيفة لم تصلنا يومها، أو إرضاءً لوالدتي التي كانت تتذمر مما أخلفه من قصاصات ورق، إذ كانت تخشى من الصراصير التي تجذبها الأوراق». تبتسم سمية، قبل أن تضيف: «الصراصير كان مقدوراً عليها يومذاك بفعل الصواريخ. اليوم لديّ دفتري هذا وسأورثه لأولادي، وربما لأحفادي، ليعلموا كيف أننا لم نخش إسرائيل... ولا الصراصير».

من بين الأخبار التي نقلتها سمية، قصة الطفل «رعد» وصورته. ولد مهجّراً في صيدا، فسمّته عائلته على اسم الصاروخ الذي كانت المقاومة تدك به مستعمرات العدو. تقول: «وُلد هذا الطفل يوم 19 تموز. في كل عام أنظر إلى صورته وأحاول أن أتخيّل كيف أصبح شكله. لدي رغبة في رؤيته اليوم». في دفتر سمية صور للدمار الذي لحق بالضاحية، وإلى جانبها دوّنت التعليق: «جولة في الضاحية العارية إلا من كرامتها». تشير إلى ما كان يسمى «المربع الأمني» وتتذكر كيف سخرت يومها من بعض شركاء الوطن، الذين «ما انفكوا يتهجمون على هذا المربع، قبل العدوان، فعندما رأيت الدمار وما حل بتلك المنطقة يومها، قلت في نفسي: حسناً ربما الآن سنرتاح، على الأقل، من معزوفة التصويب على المربع الأمني».

كانت سمية حريصة على نقل يوميات النازحين في أرشيفها. ثمة صفحات تضم تعليقات وصوراً لهؤلاء وهم داخل «بيروت مول» في منطقة الطيونة. هناك حيث أنجبت اكتساب كسّاب طفلتها وسمتها «وعد الصادق». يمكن إنجاب الأطفال رسم البسمة على وجوه الأهل، ولو في عزّ الحرب، وقريباً جداً من المخاطر، حيث الطيونة أحد أبواب الضاحية. تعيش سمية هذه المعاني كل عام بعودتها إلى دفترها. صورة الأم المبتسمة وهي تحمل طفلتها تعني لها الكثير.

لفتت نظر سمية صورة لوزراء الخارجية العرب، وهم في حافلة تقلهم إلى المطار، بعد انتهاء مؤتمرهم في بيروت. إلى جانب الصورة تعليقات «عمّا فعله هؤلاء؟». تقول اليوم ممازحة: «أنظر إلى هذه الوجوه، لماذا لم يكن يومها ثمة أبو إبراهيم ليخطفهم؟». وتشير كذلك إلى صورة رئيس الحكومة آنذاك، فؤاد السنيورة، معانقاً وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، على أرض المطار في بيروت. وفي حواشي أرشيفها الصغير، تجد منشوراً إسرائيلياً، كانت الطائرات الإسرائيلية ترمي مثله لتحذير اللبنانيين.

وبالطبع، لم يفت الفتاة الجنوبية أرشفة «قانا». في مقابل صورة لجنود إسرائيليين قتلى، في مستعمرة كفرجلعادي، ألصقت صوراً للمجزرة التي حصلت في قانا. تلك القرية التي كانت على موعد ثانٍ مع القتل الجماعي، بعد القتل الأول عام 1996. اكتفت سميّة بتدوين التعليق في صفحة 31 تموز 2006: «يوم استيقظنا للمرة الثانية على اسمها. على دم أطفالها. أن قوموا ذبحت قانا ثانية. فسلام على أطفالها يوم يبعثون».


Script executed in 0.19026112556458