أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

اعتقال سماحة: عمليّة غير «نظيفة» تماماً

الأربعاء 15 آب , 2012 05:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,954 زائر

اعتقال سماحة: عمليّة غير «نظيفة» تماماً

مطلع الشهر الماضي، في فرنسا، دهمت الشرطة منزل الرئيس السابق نيكولا ساركوزي. السبب: تحقيقات في قضية التمويل غير القانوني المعروفة بـ«بيتانكور». رجال الشرطة، وعددهم عشرة، أجروا تفتيشاً في محتويات المنزل. كان لافتاً حضور القاضي جان ميشال جنتي على رأس مجموعة الدهم. تمت العملية بسلاسة تامة. لم يحصل أي استعراض «فارغ». رجال الشرطة، بزيّهم الأزرق، كانوا يحملون أسلحة خفيفة تكاد لا تظهر. دخلوا المنزل، من دون كسر وخلع، ومن دون أن يروّعوا أي شخص غير مشتبه فيه، قبل أن يتمّوا المهمة ويخرجوا بهدوء. حصل هذا في فرنسا.

صباح الخميس الفائت، في لبنان، دهمت قوة من فرع المعلومات، التابع إدارياً لقوى الأمن الداخلي، منزل الوزير السابق ميشال سماحة. السبب: «الاشتباه فيه بقضية أمنية». كانت الساعة تشير إلى السابعة والنصف صباحاً. لا غبار على التوقيت: دخول المنازل «للتفتيش أو البحث عن الجاني»، جائز بين الساعة الخامسة صباحاً والثامنة ليلاً (المادة 33 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). رجال «المعلومات» دخلوا المنزل بواسطة الكسر والخلع. هنا، ثمة «غبار قانوني» كثيف. زوجة سماحة، ومعها الشرطيون أنفسهم، يقولون إن أي مقاومة بالعنف لعملية الدهم لم تحصل. إذاً، ما مبرر هذا الاقتحام؟ ليس صحيحاً أن العنف في عمليات التوقيف مبرر دائماً، فالمادة 225 من القانون الرقم 17 (تنظيم قوى الأمن الداخلي) تنص على أنه: «على رجال قوى الأمن الداخلي عندما يمارسون صلاحياتهم الإكراهية اجتناب كل عنف لا تقتضيه الضرورة». أما الدستور، الذي يسمو على سائر القوانين، فتنص المادة 14 منه على أن «للمنزل حرمة ولا يسوّغ لأحد الدخول إليه إلا في الأحوال والطرق المبينة في القانون».

بعد اقتيادهم سماحة، سألتهم الزوجة عن هويتهم، فأجابوها: «قوى أمن داخلي ونيابة عامة». طلبت منهم، بحسب روايتها، إبراز أوراق تسمح لهم بعملية التفتيش في المنزل، فأجابوها بأنهم لا يملكون أوراقاً كهذه. عندها رفضت السماح لهم بالتفتيش، لكن أحدهم قال لها: «باتصال واحد أستطيع وضعك في السيارة». هنا يؤكد المحامي محمد حافظة، أنه «لا بد من حيازة رجال الشرطة إذناً خطياً قبل دخولهم أي منزل، إلا في حالة الجريمة المشهودة، التي لا يحتاج معها رجال الضابطة العدلية إلى إذن، ولكن طبعاً ضمن آلية معينة أوضحها القانون». ويضيف: «يحق لصاحب المنزل أن يطلب إذن التفتيش وأن يطلع عليه، إذ للبيت حرمته، وقد أولى القانون حرمة المنزل أهمية خاصة». يوافق المحامي كارلوس داوود على كلام حافظة، فيقول: «في مطلق الأحوال، لنفرض عدم وجود قانون ونصوص، ألا يفرض المنطق إبراز إذن خطي في دخول الشرطة للمنازل؟ وإلا كيف لصاحب المنزل أن يعرف أن هؤلاء رجال دولة وليسوا سارقين أو مجرمين؟».

بعد الانتهاء من عملية التفتيش في منزل سماحة، خرج رجال الشرطة ومعهم 17 غرضاً، منها شريط فيديو وكومبيوتر. تقول الزوجة: «رفضوا إعطائي ورقة تتضمن ما أخذوه، إذ لا يحق لي ذلك على حد قول الشرطي، ولهذا رفضت التوقيع على الورقة، فأخذ شهادة المختار». هنا، ينص قانون أصول المحاكمات الجزائية، على أن للنائب العام أن يدخل إلى منزل المشتبه فيه للتفتيش عن المواد التي يقدر أنها تساعد على إنارة التحقيق، لكن، وبعد إتمام عملية التفتيش وضبط المواد، «يعرض على المشتبه فيه أو المدعى عليه أو وكيله، ويطلب من كل منهم التوقيع على المحضر الذي يثبتها، فإن امتنع يشير إلى ذلك في المحضر».

وزير العدل شكيب قرطباوي، لفت إلى أنه «يسجل لفرع المعلومات هذه المرّة سرعة بتّ التحقيقات، ونقل الموقوف من عنده إلى نظارة المحكمة العسكرية». يذكر أن قرطباوي كان أول من استنكر التجاوزات التي حصلت في عملية التوقيف، وفي حديث له مع «الأخبار»، قال: «ما رأيته على شاشات التلفزيون يومها لا يتوافق كله مع القانون، فالأصول لم تحترم، والقانون يفرض على الجميع أصولاً لدخول المنازل وتوقيف الأشخاص المطلوبين».


تسريب التحقيق


لم تمر ساعات على توقيف سماحة، حتى كانت الشائعات تختلط بالتسريبات، إلى درجة أن وسائل إعلام ذكرت، نقلاً عن مصادر أمنية طبعاً، أن الموقوف كان ينوي اغتيال البطريرك بشارة الراعي، وأنه كان يخطط لتفجير إفطار جماعي في منطقة الشمال. ما مدى دقة ما ذكر مع ما أدلى به سماحة أثناء التحقيق؟ من يمكنه الجزم بكل ما تسرّب؟ لا أحد حتى الآن. لكن من سرّب التحقيق، ومن أعطى بعض الإعلاميين وصفاً «دقيقاً» لحالة سماحة ولما يُفتَرَض أنه قاله للعميد وسام الحسن، ليس مخلوقاً فضائياً. الجهة المسؤولة وظيفياً عن التسريب هي الجهة الأمنية التي كانت تحتجز سماحة.

يذكر أن قانون أصول المحاكمات الجزائية، في المادة 53 منه، ينص على أنه: «يبقى التحقيق سرياً ما لم تحل الدعوى على قضاة الحكم، باستثناء ما يتعلق بالقرار الظني، ويتعرض كل من يفشي سرية التحقيق للملاحقة أمام القاضي المنفرد».

في هذا الموضوع، يؤكد قرطباوي أن مسألة التسريبات «لن أتركها تمر من دون محاسبة، فكل من سرّب سيلاحق أمام القضاء، فللأسف بات التسريب هو العادة وصار مستغرباً رفض هذا الأمر، ولكن لو كان القانون يطبق بحذافيره خلال الحقبات الماضية لما وصلنا إلى هنا». ويلفت قرطباوي إلى أن منع التسريبات «هو أصلاً لمصلحة سلامة التحقيق، فمثلاً يمكن أن تصل التسريبات إلى شخص مطلوب فيهرب من العدالة عنها، هذا فضلاً عن قرينة البراءة التي يجب أن تظل ملازمة لكل موقوف طالما لم يصدر الحكم بحقه، فماذا لو سرّبت أمور مسيئة للسمعة، ثم تبين أن المعني بريء منها؟». أخيراً، وعن سبب عدم حضور القضاة، بحسب ما ينص عليه القانون، على رأس رجال الضابطة العدلية أو من دونهم أحياناً، على غرار ما نراه في كثير من الدول، يلفت قرطباوي إلى أنه «فضلاً عن قلة مروّة بعض القضاة، هناك مشكلة في عددهم، إذ لا يمكن للقاضي أن يحضر عند كل جريمة تحصل، وإلا لن يبقى لدينا قضاة في المحاكم».


Script executed in 0.18789100646973