أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

آل المقداد (لا) يطوون «جناحهم»

الجمعة 17 آب , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,415 زائر

آل المقداد (لا) يطوون «جناحهم»

لم يكد مُسلّحون ملثّمون يعرضون تسجيلاً مصوّراً يُظهر الشاب حسّان المقداد وقد أُشبع ضرباً ليُجبر على الإدلاء باعتراف لُقّنه مسبقاً، حتى تداعت عشيرة آل المقداد للتضامن مع ابنها المظلوم. آثرت التحرّك لتحرير ابنها المخطوف بعد تقاعس الدولة. بداية، نفت رابطة العائلة أي علاقة لحسان بـ«حزب الله»، وذكرت أنه في سوريا «بسبب مشاكل مالية منذ سنة ونصف»، لافتة إلى أنه كان سيعود الى لبنان خلال اليومين المقبلين بعد حل المشاكل المالية. وبعد التوضيح، لوّح شقيق حسان بإجراءات قد تُتخذ في حال عدم الإفراج عن شقيقه خلال 24 ساعة.

التهديد تحوّل حقيقة واقعة، فبدأت عمليات خطف عشوائية طالت سوريين قيل إنهم ينتمون إلى ما يُسمى «الجيش السوري الحر». مرّ وقتٌ قليل ليُكشف النقاب عمّا سمته العائلة «الجناح العسكري لعشيرة آل المقداد». العشوائية التي اتسمت بها عمليات الخطف، أفسحت المجال أمام فوضى عارمة عاش لبنان على إيقاعها طوال الـ48 ساعة الماضية. وراح ضحية هذه الفوضى عمّال سوريون أبرياء لا ذنب لهم سوى هويتهم ولهجتهم السورية. وتناسى المهاجمون أن المستهدفين باتوا عشرات من أشباه حسّان المقداد، الذين لا ذنب لهم إلا أنهم وُجدوا في المكان والزمان غير المناسبين. ولعلّ أخطر ما في مبادرة عشيرة آل المقداد التي لاقت ترحيباً شعبياً في بداياتها، أنها شجّعت كثيرين على المضي قدماً واختطاف سوريين أو التعرّض لهم بالضرب المبرح. قد يحق للعائلة التي انتفضت بفعل وجعها التنفيس عن غضبٍ اجتاحها لوهلة، لكن أن يترافق ذلك مع هرج عدد من العشائر البقاعية التي انتهجت الخطف وسيلة أيضاً فتلك مسألة تستدعي أكثر من نظر.

الأجنحة العسكرية التي ظهرت فجأة، ضربت في أكثر من مكان. مركز الثقل كان بقاعاً وفي العاصمة بيروت. الحصيلة الأولى بلغت عشرات المخطوفين، لكن لم يلبث العقلاء في العائلة أن أطلقوا معظمهم بعدما أيقنوا أن لا علاقة لهم. في حي السلّم مثلاً، شنّ مسلّحون ملثّمون عملية أمنية طالت متاجر يشغلها سوريون. اقتيد هؤلاء بطريقة مذلّة، فغُطّيت رؤوسهم بأكياسٍ سوداء ثم وُضعوا في صناديق السيارات ليُنقلوا إلى أحد الملاجئ في المحلة. يذكر شاهدٌ عيان أن عددهم بلغ أربعين شخصاً، علماً أن وسائل الإعلام لم تأت على ذكرهم. هؤلاء أُعيد إطلاقهم بعد وساطات عدة، لكنهم كانوا قد نالوا نصيبهم من الاعتداءات والإهانة.

إذاً، في الليلة الأولى، بلغت الحصيلة 33 مخطوفاً (32 سورياً وتركي). وقد تردد أنّ بينهم سعودياً، لكن مصادر الخاطفين نفت ذلك، رغم تسمية السفارة السعودية لمفقود سعودي مقطوع الاتصال معه. وفي هذا السياق، كشفت مصادر سعودية لـ«الأخبار» أن السفارة السعودية لم تُصدر بياناً رسمياً تُعلن فيها خطف أحد رعاياها، مشيرة إلى أن ما أُعلن منقول عن تسريبات من مصادر داخل السفارة.

حماوة النهار الأول لم تُكمل في اليوم التالي على الوتيرة نفسها. ورغم بدئه بـ«وعد» الجناح العسكري في العائلة بـ«صيدٍ ثمين» سيُكشف عنه قريباً، إلا أن النهار لم يكد ينتهي لتُعلن العائلة وقف «عملياتها العسكرية على الأراضي اللبنانية»، التي ربما لا تزال مستأنفة إقليمياً. ليس هذا فحسب، فقد أُطلق 18 مخطوفاً من مجمل المخطوفين ليُصبح عددهم نحو عشرين مخطوفاً. وفي السياق نفسه، أكّد أمين سرّ رابطة آل مقداد ماهر المقداد أنّ «المخطوف التركي سيكون الضحيّة الأولى في حال عدم عودة حسّان المقداد»، قائلاً: «فليعيدوا إلينا ابننا لنُخلي سبيل المواطن التركي». واستنكر ما ذهب إليه وزير الخارجية والمغتربين عدنان منصور خلال اجتماع العائلة به، إذ «لم يسأل عن حسّان، واكتفى فقط بالسؤال عن المخطوف التركي».

وعن المعطيات التي استندت إليها العائلة في تنفيذ عمليات الخطف وتحديد المستهدفين، علمت «الأخبار» أنهم استندوا إلى مخبرين سوريين موالين للنظام كانوا يُخبرونهم أن هؤلاء معارضون. ولذلك، تبيّن أن معظم الذين اختُطفوا معارضون ولا ينتمون إلى «الجيش السوري الحر» كما أُشيع، باستثناء قلة قليلة منهم. وبحسب مصادر في «الجيش السوري الحر»، فإن اثنين من المخطوفين كانا يعملان لصالحه، ولا ينتميان إليه بالمعنى الفعلي. وكشفت المصادر نفسها أن «أحد هؤلاء المخطوفين كان قد لجأ إلى أحد تجّار السلاح في العائلة ليوفّر عبره إمدادات لوجستية للجيش الحر، لكن الأخير أوقع به»، علماً أنه «سبق أن باعه أكثر من مرّة».

وفي وقت لاحق مساء أمس، ذكرت «النشرة» أن مواطناً تركياً يحمل ايضاً الجنسية السورية خطف في الشويفات. وفي التفاصيل، ان الرجل كان يقود شاحنة تركية ويوصل بضائع الى معمل «الكولا» في المنطقة.

وفي المعطيات الواردة حول مصير حسّان المقداد المخطوف في سوريا، كشفت مصادر سورية معارضة لـ«الأخبار» أن «خاطفيه عصابة مسلّحة فاتحة على حسابها ولا انتماء لها»، مشيرة إلى أنه «لم تتبن أي كتيبة من كتائب الجيش الحر عملية خطف المقداد». وذكرت المصادر نفسها أنّ ثلاث مجموعات تابعة للجيش الحرّ كُلّفت البحث عن المسلّحين المتورّطين بخطف المقداد. وتجدر الاشارة إلى أن مسلحين اقتحموا، ليل أول من أمس، مبنى قناة «اليسارية» في محلة غاليري سمعان على أطراف الضاحية الجنوبية في بيروت، واختطفوا العاملين فيها أحمد الحفار ومحمد دياب وعانوت الخطيب ومحمود خزعل. وأعلن المدير العام للقناة ميخائيل عوض أن الاقتحام نفّذه أكثر من أربعين مسلحاً ملثّماً وشمل أعمال تخريب ونهب لاستوديوهات وتجهيزات القناة، كما قاموا بالاعتداء على كل من صادفهم من المواطنين وكل من سألهم من سكان المنطقة مستفسراً عما يفعلون. وبعد اتصالات مع جهات رسمية وحزبية ومع آل المقداد تم إطلاق المخطوفين. كذلك تعرض المصور في موقع «النشرة» الزميل زينون النابلسي للاعتداء بالضرب على أيدي مجموعة من أهالي المخطوفين في سوريا أثناء قطعهم طريق المطار، ليُسفر الاعتداء عن كسر أنفه وكاميرته، بالإضافة إلى التعرض لفريقي عمل محطتي «OTV» و«LBCI».

يذكر أن ماهر المقداد أعلن عن خطف من وصفه بـ«الناطق الإعلامي باسم «الجيش السوري الحر» محمد عادل سليمان محمد»، كاشفاً عن مفاوضات تجري بين العائلة والخاطفين عن طريق الصليب الأحمر الدولي.

 

«مسؤول عسكر المقداد »

 

هاتفه لا يكفّ عن الرنين. يجيب على معظمها بإيجازٍ «مدروس»، فيما يتجاهل بعضها متذمّراً للإيحاء بمدى أهميته. تراه دوماً بزيٍّ يكاد يكون موحّداً حتى في أيام السلم. حذاءٌ عسكري وبزة مرقطة تفوح منها رائحة التعب. يجلس مبتسماً عارضاً مسدسه بشكلٍ ظاهر. يُنهي اتصالاً ليُخبرك بأنّ «أحد المتصلين شقيقٌ لأحد السوريين المخطوفين» لديه، يتوسّط طالباً التحدّث إلى أخيه. يُفاخر بأنه اختطف وحده «خمسة سوريين تبين لاحقاً، بعد التحقيق، أنهم ابرياء وليسوا من جماعة الجيش السوري الحر»، فأطلق سراحهم. لا يجد حرجاً في الإفصاح عن أسلوبه في الخطف، فيكشف أنه «لم يكن يدقق في هوية من يختطفهم»، مضيفاً «أي سوري هو هدف لي وبعدين لكل حادث حديث». هنا يمازحك قائلاً: «اعترضتنا مشكلة الطعام»، تستفسر عن قصده، فيشرح بأن «الرادع عن خطف المئات كان التفكير بأننا سنكون مضطرين لتقديم الطعام والشراب لهم، ومش ناقصنا». بالنسبة إلى «قيادي الصدفة»، لا تُشبه ليلة اختطاف السوريين غيرها من الليالي الأخرى. تشعر به يعيش لحظات نشوة قلّما اختبرها في حياته. عشرات الإعلاميين يحاولون الوصول إليه، فيُبدي تمنع الراغب دوماً. يكاد يُشعرك لوهلة بأنه «القائد الأعلى للقوات المسلّحة». يستعيد إحدى المرات التي اصطحب فيها الإعلاميين الى مكان وجود المخطوفين، فيؤكد أنه يعتمد تكتيكاً عسكرياً في ذلك أيضاً. يخبرك بأنه لم يأخذهم الى المكان مباشرة، بل لف بهم في مناطق متعددة قبل ان يوصلهم إلى مكان وجود المخطوفين، وذلك دائماً بهدف «التمويه والأمنيّات». وحول تسمية «الجناح العسكري» للعائلة، يُطلق «القائد العسكري» ضحكة ليكشف أن «هذه تسمية أطلقناها صدفة، وأمورنا كلها مشيت بالصدفة». ويضيف قائلاً: «لم نضرب أحداً، لكننا نملك هيبة تخيف المعنيين». أما السلاح، فيرد الرجل الذي يمتهن في حياته «العادية» الإتجار بالأسلحة: «السلاح زادنا وهو موجود لدينا مثل وجوده لدى كثيرين»، لافتاً إلى أن «الأسلحة الفردية يمكن لأيٍّ كان شراؤها من السوق السوداء».

Script executed in 0.186194896698