لم تنته حلقات مسلسل اللبنانيين المخطوفين في سوريا بعد، لكن يبدو أن قرار إزاحة «البيدق» أبو إبراهيم قد صدر. ولم يعد الأخير يملك أدنى سلطة على مخطوفيه بعدما نُقلوا من عُهدته إلى عهدة جهة ثانية، استكمالاً لسيناريو مرسوم مسبقاً. وتُرجّح مصادر سورية معارضة احتمال لجوء الجهة التي استخدمت أبو إبراهيم إلى تصفيته.
أما المخطوفون اللبنانيون، فتؤكد المصادر السورية المعارضة التي تنشط في المنطقة الحدودية بين سوريا وتركيا، أن جميعهم بخير. وتجزم بأن أحداً منهم لم يكن في المنطقة التي استهدفها قصف الطيران الحربي السوري. وتكشف أنه جرى نقلهم قبل القصف بساعات من معبر باب السلامة، حيث ظهروا يتناولون إفطارهم، إلى منطقة حدودية تبعد عدة كيلومترات عن مدينة اعزاز. وتستند المصادر إلى الصور التي عرضتها وكالات الإعلام الأجنبية للبقعة المستهدفة، وما تخللها من نقل للقتلى والجرحى إلى مستشفيات كيليس لتخلُص إلى أنه لو صحّت مزاعم وجود جرحى لبنانيين لكانوا بين أولئك الموجودين في المستشفى. وتبرر المصادر السورية أن الغاية من «هذه التمثيلية ربما كان استدراج الإعلام اللبناني إلى اعزاز بعد القصف الذي تعرّضت له لنقل وحشية النظام السوري».
وتتعزز هذه الفرضية، بحسب المصادر نفسها، إذا ما وُضعت في مقابل «المهزلة التي أدّاها أبو إبراهيم عبر موقع اليوتيوب». وتضيف المصادر إن «ما عُرض لا يعدو كونه فبركات واضحة». أضف إلى ذلك، فإن أبو إبراهيم تارة يصرّح بأن «أربعة من المخطوفين استُشهدوا»، ثم عاد وتراجع ليقول بأنهم «لم يُقتلوا، بل في عداد المفقودين».
وسط هذه المعمعة، تتأكد فرضية إزاحة أبو إبراهيم عن هذا الملف. وفي هذا السياق، علمت « الأخبار» أن أحد رجال الأعمال السوريين تواصل مع الخاطف أبو إبراهيم إثر حصول عملية الخطف، عارضاً عليه مبلغاً كبيراً من المال. وأفهمه بأن «خطف الحجّاج اللبنانيين يُسيء إلى الثورة السورية»، إلا أن الأخير أجابه قائلاً: «فيك تقول هيدول أمانة عنّا»، كاشفاً أنهم موجودون لديه لفترة محددة، وسيقوم بإعادتهم عندما يطلبهم أصحاب الأمانة.
عند هذه النقطة، تكشف مصادر سورية معارضة أن المخطوفين باتوا اليوم في حوزة جهة استخبارية تركية. وتذكر المصادر أن مسؤولاً تركياً يُدعى صبحي يعمل ضمن فرع يطلق على نفسه تسمية «علاقات فاتح»، يتبع للحكومة التركية، تسلّمهم. أما لماذا لم يكشف أبو إبراهيم هذه المعلومات، فتشير المصادر إلى أن الأخير أنهى المهمة الموكلة إليه. وتضيف إنه ليس من مصلحتهم القول إن المخطوفين باتوا في عهدة الأتراك، باعتبار أن ذلك سيؤدي حتماً إلى قطع العلاقة والدعم لهم من الجانب التركي. أضف إلى ذلك، تؤكد المصادر نفسها، أن إحدى الشخصيات اللبنانية متورطة في عملية الخطف ومحرضة على استمرار احتجاز المخطوفين لاستثمار ذلك سياسياً في الداخل اللبناني ضد حزب الله.
وبالعودة إلى عمار الداديخي، المعروف بـ«أبو ابراهيم»، تكشف مصادر سورية أنه لا يعدو كونه مهرّباً ناشطاً بين الحدود السورية والتركية. نشط في تلك المنطقة بفعل علاقته بضابط استخبارات سوري يدعى م. ت. كان يتولى مسؤولية أحد المعابر الحدودية في ما مضى. أُحيل هذا الضابط على التقاعد، لكنه حافظ على «علاقة مصلحة» مع رجل التهريب أبو ابراهيم، علماً بأن الضابط المذكور موالٍ للنظام السوري. وكان الأخير يُهرّب كل ما يُمكن تهريبه، وبفعل عمله تمكّن من بناء علاقات قوية مع ضبّاطٍ أتراك كانوا يُسهّلون له «التهريبة» في مقابل مبلغٍ من المال يتقاضونه. لكن، مع بدء الأحداث، تحوّل «الخاطف الإنساني»، بحسب توصيفات الإعلاميين، إلى تهريب السلاح، كغيره من المهرّبين، باعتباره الأكثر درّاً للربح، علماً بأن عمليات تهريب السلاح لم تلبث أن تحوّلت إلى عمليات نقل للسلاح على مرأى من السلطات التركية مع تطوّر الأزمة السورية.
في هذه الأثناء، وقعت حادثة اختطاف الحجّاج اللبنانيين لتوجّه أصابع الاتهام إلى ما يُسمى «الجيش السوري الحر» الذي لا هيكلية له. وسط ذلك، تكشّفت معلومات تؤكد أن «الداديخي ليس تابعاً لأي مجموعة من مجموعات الجيش الحر ».
في موازاة ذلك، ورغم الضجة الإعلامية التي أثارتها قضية المخطوفين اللبنانيين، لا تزال جهات سورية معارضة تنأى بنفسها عن القضية باعتبارها لا تخدم القضية السورية. وتشير مصادر المعارضة إلى أنه ثبت للجميع أن المخطوفين مدنيون، مستنكرة إقدام أي حرّ على هذا العمل. وفي السياق نفسه، تؤكد مصادر المعارضة السورية رفضها أن «يكون المعارضون السوريون أداة لتنفيذ أجندة سياسية تصب في مصلحة الفتنة الطائفية في سوريا والدول العربية وزيادة الشرخ بين لبنان وسوريا»، باعتبار أن ذلك لا يصب إلا في مصلحة العدو الإسرائيلي. وتعليقاً على خطف اللبنانيين، تستنكر المصادر المعارضة أعمال الخطف والإهانة التي تعرّض لها السوريون في لبنان، كاشفة عن أن «البوصلة ليست المعارضة السورية، إنما بعض بيادق الشطرنج التي تعمل لصالح الأتراك وأطراف لبنانية». وتضيف: «هذا لا يخدم مصلحة الثورة، بل تأجيج الفتنة فحسب».