في محيط القصر، أقام الجيش اللبناني ما يشبه المربع الأمني «المدروس» الذي لا يحول على سبيل المثال دون دخول بعض «المغامرين» من السيّاح القلائل الى أجزاء من القصر والتجول فيها والتقاط الصور. وإذا كان كل شيء في بيت الدين والجوار الشوفي يوحي بالهدوء والاسترخاء، إلا ان الرياح الساخنة التي تهب من الداخل ومن خلف الحدود، تلفح القصر وساكنيه.
أنتظر اتصال الأسد
ومع ذلك، يحرص سليمان على مقاربة العلاقة مع الرئيس بشار الأسد بكثير من الدقة والتوازن، وهو يقول رداً على سؤال حول ما إذا كان قد جرى اتصال بينه وبين الأسد في أعقاب توقيف الوزير الأسبق ميشال سماحة: «علاقتي مع الرئيس الأسد جيدة ومعروفة ومكشوفة، وأنا من القلائل الذين ما زالوا يتكلمون معه وأفصح عن ذلك، وما يهمّني أنه كانت هناك متفجرات لم تنفجر، والحمدالله. وأنا أتمنى من كل قلبي ألا تكون لأي جهة رسمية سورية علاقة بهذه المتفجرات، وان تكون من تدبير أفراد لم يتصرفوا بقرار رسمي مركزي، ولنترك القضاء يقول كلمته».
ويضيف: أنا أتوقع أن يتصل بي الرئيس السوري، ولكن لحينه لم يتصل.
وعن الانتقادات التي وُجهت إليه بعد استقباله اللواء اشرف ريفي والعميد وسام الحسن وتنويهه بتوقيف «فرع المعلومات» لسماحة، مستبقاً عمل القضاء، يقول سليمان: نعم.. أنا شكرت قوى الامن الداخلي على اكتشاف المتفجرات تحديداً، وقد رأيت هذه المتفجرات بنفسي وهي مرعبة بالفعل، وكان يمكن أن تنفجر هنا او هناك، أما الباقي فهو من شأن القضاء، وأنا لم أتهم أحداً.
والى أي حد يمكن القول إن عمليات الخطف الأخيرة أثبتت وجود «الجيش السوري الحر» في لبنان؟
هنا يتجنب سليمان البناء على شائعات وفرضيات، لافتاً الانتباه الى انه كلما بلغه شيء من هذا القبيل يتصل شخصياً بقائد الجيش العماد جان قهوجي ويكلفه بإفادته عن الموضوع. ويتابع: نعم هناك افراد ينتمون الى المعارضة السورية و«الجيش الحر» وهناك افراد يؤيدون النظام ويدعمونه، ولكن لا توجد أي قاعدة لـ«الجيش الحر» في لبنان، وانا استند في موقفي الى تقارير ومعلومات أمنية رسمية.
وحول استمرار قطع طريق المطار، برغم الاعلان اكثر من مرة عن منع قطعها، يلفت سليمان الانتباه الى ان الجيش وحده لا يبني الدولة، فالدولة يصنعها الشعب ويصنعها الاتفاق بين الافرقاء والعقد الاجتماعي. ويتابع: كذلك الأمر، السلم الاهلي لا يصنعه الجيش بل يصنعه الشعب مع المرجعيات، والجيش ليس بإمكانه مهاجمة أناس ابنهم مخطوف، ولكننا في كل الحالات كثفنا حضور الجيش على طريق المطار للحؤول دون قطع الطريق.
وبرغم التوترات الأمنية المتنقلة، لا يبدي سليمان قلقه على مستقبل الوضع في لبنان، لاسيما وانه ليس هناك من مطلب سياسي لفريق في البلد كما يحصل في العالم العربي، إذ لا يوجد فريق يطلب شيئاً من الآخر على مستوى الصلاحيات والأدوار، وتبعاً لاتفاق الطائف، كل فئة ترضى بحصتها.
يضيف سليمان «إذا أخطأ شادي المولوي لا نستطيع أن نغض البصر عنه، وإذا اكتشفنا متفجرات لا ينبغي ان نتعامى عنها، ومن كان عميلاً يجب ان نسمّيه باسمه ولا نغطي عليه، وعندما نرى سلاحاً ومسلحين لا يجوز ان نزعم اننا لم نر شيئاً. بالحد الأدنى فلتكن لدينا حرية الموقف، لانه إذا لم نعد نقدر على قول كلمة الحق «العوض بسلامتكم».
وعما إذا كان يؤيد رحيل الحكومة، يقول: «أنا أؤيد بقاء الحكومة الحالية ما دامت مقومات استمرارها ما تزال سارية المفعول، وأؤيد تشكيل حكومة جديدة إذا سقطت الحالية ديموقراطياً»..
لم أخضع لضغوط
وغداة ترؤسه جلسة الحوار الوطني في قصر بيت الدين، يؤكد رئيس الجمهورية أن الحوار ضروري ويجب أن يستمر، وأنا أرجأت طرح ورقتي للاستراتيجية الدفاعية بسبب غياب الرئيس نبيه بري.
وهل صحيح ما تردّده بعض أوساط «8 آذار» حول خضوع رئيس الجمهورية لضغوط مارستها «قوى 14 آذار» عليه، حتى تعاود المشاركة في جلسات الحوار؟
ينتفض سليمان اعتراضاً على هذا الاستنتاج، مؤكداً أنه لا يمتّ الى الحقيقة بصلة. ويقول: «كيف يكونون قد ضغطوا عليّ وفرضوا شروطهم كما يزعم البعض فيما أنا مشيت بقانون النسبية الذي لا يريدونه ويعتبرون بأنه يذبحهم سياسياً. أما إذا كان المقصود بأنني خضعت للضغط في ملف «داتا» الاتصالات، فليكن معلوماً أنني شخصياً مع إعطاء الاجهزة الامنية الـ«داتا» من دون أي تحفظ، وما توافقنا عليه من تجزئة، أنا ضده أصلاً ولست مقتنعاً به ضميرياً، وأنا كنت قائداً للجيش وأعرف جيداً ما هي أهمية الـ«داتا» وعلاقتها بالامن، ومن يظن أنني تأثرت في موقفي بالضغط هو مخطئ وواهم».
الانتخابات حاصلة
أما في ما خص مصير الانتخابات النيابية المقبلة، في ظل الاجواء المحمومة داخليا وإقليميا، فإن رئيس الجمهورية يجزم بانها ستتم في موعدها الدستوري، لافتا الانتباه الى انه إذا كانت الدول العربية التي تواجه اضطرابات نجحت في تنظيم الانتخابات، فهل يجوز ألا نجريها نحن؟
ويؤكد انه حتى لو لم يتغير قانون الانتخاب، فان الانتخابات ستجري في موعدها، وبالقانون الموجود (الستين)، وإذا عُدل القانون فلا مانع لدي، أما أنا فأفضّل النسبية، لانها الافضل للبنان، ملاحظاً ان بعض المعترضين عليها بدأوا يضعون شيئاً من الماء في نبيذ موقفهم.
وعما إذا كان سيدعم لوائح انتخابية محددة، أوضح انه لن يخوض الانتخابات، إنما إذا أراد مقربون مني ان يترشحوا فلا أستطيع أن أمنعهم.
لا للمزايدة
وكيف يرد على الاتهام الموجه إليه من «فريق 8 آذار» بالانحياز الى «قوى 14 آذار»؟
يبتسم سليمان ويجيب: أهم شيء في النظام السياسي هو قانون الانتخاب، أليس كذلك؟ حسناً، اين اقف أنا من هذا الامر؟ ألا أدعم النسبية التي ينادي بها «فريق 8 آذار»؟
وماذا عن انتقاد «قوى 8 آذار» لك بسبب طلبك من وزير الخارجية إرسال مذكرة احتجاج الى سوريا، على خلفية الخروق الحدودية؟
يسارع سليمان الى التوضيح بأن سوريا «إشتكت علينا أولا لدى الامم المتحدة، وبعثت إلينا ما بين 6 و7 مذكرات حول خروق لحدودها من لبنان، قبل أن أطلب تبليغها مذكرة احتجاج من قبلنا».. ويضيف: أرفض أن يزايد أحد عليّ في علاقتي مع سوريا، ورغماً عن كل الذين يثرثرون، ما تزال علاقتي بالسوريين جيدة، ولكن في الوقت نفسه، أسأل: لماذا يحق لسوريا ان تشتكي علينا في الامم المتحدة وأن توجه إلينا مذكرات ولا نستطيع في المقابل ان نوجه إليها مذكرة احتجاج واحدة لشرح ما يجري على الحدود، وربما كان الرئيس بشار الاسد لا يعرف بهذه الخروق؟ لماذا ممنوع علينا أن نمارس حقنا؟ هل يحترمنا صديقنا او شقيقنا إذا أهملنا حقنا ولم نشر الى الخطأ لتصويبه؟».
ومن موقعه الوسطي، يقول سليمان: عندما تنتقدني «14 آذار» تارة و«8 آذار» طوراً، فهذه شهادة لي منذ كنت قائداً للجيش، وأنا مستمر على المنوال ذاته، ولن أحيد عنه، وكلما زادت الانتقادات أزداد قناعة بأنني على صواب وبأن ما أفعله صحيح. إن لبنان لا يُدار من 8 او 14 آذار، وإنما يُدار برأي لا يكون منحازاً الى هذا الفريق او ذاك، ولا يكون متأرجحاً في الوسط بين الطرفين كما يحاول بعض السخفاء ان يصور الأمر. أنا لدي رؤية واضحة أحاول تطبيقها وجذب الآخرين إليها، وإذا أراد هذا أن «يزعل» اليوم، وذاك ان «يزعل» غداً، «مش فارقة معي»..
منحت المقاومة غطاء شرعياً
ويتابع مخاطباً «قوى 8 آذار»: «من ناحيتي لست ضد «8 آذار» ويكفي في هذا الاطار موقفي من النسبية، كما ان موقفي من المقاومة معروف، وهم يعلمون انني من الذين قدموا تضحيات في هذا المجال. أنا من فتح الحرب على إسرائيل في العام 2006، حين أعطيت الأوامر إلى الجيش بالتصدي للعدوان الإسرائيلي، حتى أمنح المقاومة غطاء شرعياً ولا توسم انها إرهابية، وقد قدّم الجيش 50 شهيداً في تلك المواجهة، وانطلاقاً من هذه الموقع أنا لا أجد أي حرج في قول ملاحظاتي للمقاومة، وبصوت مرتفع، إذا وُجدت».
رشحت إدة للرئاسة
ويستكمل رئيس الجمهورية شرح وجهة نظره، قائلا: ليس لدي همّ أن أرضي هذا او ذاك، لان لا أحد له دين علي، وإذا كان هناك من يغمز أحياناً من قناة وصولي الى رئاسة الجمهورية، فليكن معلوماً انني لم أسع الى هذا المنصب، وقد حاولت ألا أقبل عندما طُرح علي، وسعيت جاهداً الى تشجيع فكرة ترشيح ميشال إده لتولي الرئاسة ولو لسنتين، وهذه أقولها للمرة الأولى، لكن ومع مرور الأيام ولّع البلد ووضعوني أمام الامر الواقع وقالوا لي أنت الخيار المناسب، وأنا لا أتنكر لهذا الشرف، لكن ليس لأحد فضل عليّ».
ويضيف: «كنت قائداً للجيش اللبناني، ولم أكن قائداً للجيش السوري، ومن يقول إن السوريين أتوا بي، عليه ان يعرف ان هناك مجلس وزراء أتى بقائد الجيش الذي لم يكن ينفذ مهامه بإيعاز سوري.. أنا لم أحارب إسرائيل لأن سوريا طلبت مني ذلك، ولم أحارب في الضنية بناء على رغبة سوريا، وكذلك الأمر في مخيم نهر البارد، ولم أحافظ على حرية التعبير وأمن المتظاهرين في 8 و14 آذار بطلب سوري، وأتحدى أياً كان ان يثبت العكس».
وكان سليمان قد التقى أمس وفداً من «رابطة خريجي كلية الاعلام» برئاسة د. عامر مشموشي.