أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

نحو طرابلس خالية من 8 آذار

الأربعاء 22 آب , 2012 10:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,966 زائر

نحو طرابلس خالية من 8 آذار

عند اندلاع الاحداث السورية في آذار عام 2011، ودخول تركيا على خط الوساطات السورية الداخلية، والسورية ــــ الدولية، دار حديث إقليمي ودولي عن امكان تقديم تركيا نموذجاً لتغير الحكم في سوريا، عبر الاخوان المسلمين، بنسخة سورية خالصة. كانت الفكرة المتداولة قيام حكم إسلامي بنكهة عصرية، و«إسلام علماني» يماشي العالم الغربي مغاير للافكار الجهادية والاصولية التي تفشت في دول افغانستان والعراق وبعض فلسطين.

في ذلك الوقت شكل دخول الاخوان المسلمين الى سوريا اول لبنة في تنظيم معارضة شعبية حاشدة في «جمعات» التظاهر، بسبب قوتهم التنظيمية التقليدية. في حينه، كان مراقب الاخوان المسلمين في سوريا محمد رياض الشقفة يعقد اول مؤتمر له في اسطنبول، في ما اعتبر آنذاك بداية عهد الانذارات التركية لسوريا مع بدء اعمال القمع الدموي. فيما كانت انقرة تحاول القيام بحركة قيادية للعالم الاسلامي، مستفيدة من تراجع ظرفي للسعودية وغرق مصر في عزل الرئيس حسني مبارك وبداية صعود الاخوان المسلمين في الثورة المصرية.

لكن الفكرة التركية لم تجد صداها في الداخل السوري، وتدهورت العلاقات الديبلوماسية السورية ــــ التركية الى نقطة اللارجوع، فيما اتجه الوضع السوري المتفجر في بعض اماكنه الى مناح خطرة لا تماشي تطلعات مثقفي سوريا ودعاة النظام الديموقراطي فيها.

في الاشهر الاخيرة التي تصاعدت فيها حدة العنف المذهبي والطائفي داخل سوريا، لم يعد الحديث عن انهيار الدولة، بمعناها التنظيمي وحده، العنوان الاساسي، ولا حتى احتمال سقوط الرئيس بشار الاسد وسيناريوهات خروجه من الحكم والانشقاقات. فالانهيار التلقائي لبنية الدولة صار من المسلّمات التي يتحدث بها عارفو سوريا نظاماً ومؤسسات، لتنتقل التقارير الديبلوماسية الى مقاربة البدائل التي تقدم لسوريا اليوم وغداً، بعدما استحكم الخلاف جديا بين اتجاهين، عربي وتركي، في مقاربة الوضع الاسلامي في سوريا.

وتلحظ تقارير اميركية ديبلوماسية رسمية، في الآونة الاخيرة، ازدياداً في الشقاق بين تنظيمات المعارضة المسلّحة، مع اشتداد قوة التنظيمات الاصولية وتقدمها على «الجيش السوري الحر». وفي قراءة ديبلوماسية اميركية، ان هذا الشقاق هو انعكاس لخلاف يستحكم منذ مدة بين تركيا والسعودية في مقاربة ملف الاسلاميين في سوريا. إذ تدعم انقرة، بشدة، صعود الاخوان المسلمين في وجه النظام السوري وفي وجه التيار الاصولي الذي تدعمه الرياض. وتتحدث التقارير الاميركية عن احتمالات مفتوحة لاشتداد هذا الصراع الذي بدأ يظهر في اكثر من مكان. وتشير الى ان تقييم الاستخبارات الاميركية لانتشار التيارات الاصولية في سوريا يتحدث عن حالات عنفية مختلفة لا تشبه اسلوب الاخوان، وإنما تشبه أعمالاً مماثلة حصلت في العراق وافغانستان، ولا تستبعد انتقال هذه الحالات الى العراق لاستهداف حكومة نوري المالكي، والاردن ولبنان. وتتوجس التقارير الاميركية من احتمال تطور حدة المواجهة بين التيارين، أو على الاقل اشتداد ساعد التيارات المدعومة من السعودية خصوصاً بعد تعيين الامير بندر بن سلطان رئيساً للاستخبارات العامة. مع التذكير بما تركته العلاقة المتردية بين السعودية ومصر في الاونة الاخيرة على الوضع العربي العام.

وينعكس هذا الخلاف على لبنان كساحة أساسية، ليس لجهة تحوله وجهة اولى للاصولية السنّية بمعناها المنظم، انما لجهة استخدامه ساحة ترتد فيها مواجهات غير محسوبة. لا سيما ان تنظيم الخلاف العربي ــــ الايراني، او العربي ــــ التركي حول مقاربة الوضع السوري ومستقبله، لا يجد ترجمته الحقيقية الا في هذا البلد.

وتدخل في هذا الاطار، بحسب قراءة لاوساط سياسية وأمنية مطلعة، التطورات الامنية الاخيرة، التي بدأت مع اعتقال الوزير السابق ميشال سماحة، ولم تنته مفاعيلها مع تفجر قضية المخطوفين الاحد عشر وعمليات خطف سوريين وأتراك في لبنان. ورغم ان الجهات الرسمية في قوى 8 آذار ابلغت من يعنيهم الامر ان قطع طريق المطار ممنوع، الا ان فداحة ما حصل فتح الباب امام اجتهادات سياسية ودعوات الى وضع معادلات جديدة لفتح مطارات جديدة او اقفال معابر لسحب ورقة الابتزاز بشأن المطار من التداول. وهذا ما جعل قوى 14 آذار تتحضر لاحتمالات تطور الوضع الامني تدريجاً نحو الاسوأ، من دون ان تكون في حوزتها ورقة عسكرية رابحة. وهو الامر الذي يجعل الخشية تكبر من أن تكون الذراع الاصولية، مع ما تملكه من امكانات مالية وحربية، وحدها القادرة على مواجهة قوى 8 آذار، وهو امر تحذر منه التقارير الديبوماسية الاميركية بقوة، مميزة بدقة بين تجربة الاخوان على الارض في مصر وتركيا، وتجربة الاصوليين في دول الجوار.

في المقابل، وبعدما بدا متعذراً المس بالحدود الشمالية مع سوريا بعد المنحى الذي اتخذته احداث سوريا لجهة محافظة حمص، توجّهت الانظار مجدداً نحو طرابلس، على اثر تحويل طريق المطار صندوقة بريد اقليمية ودولية. فتكاثرت في الاونة الاخيرة الدعوات الداخلية، الصامتة او العلنية، الى تكريسها مدينة خالية من قوى 8 آذار. الى حد أن الاحاديث الشمالية كانت تتحدث بوضوح عن حتمية القيام بعملية مركزية واسعة ونهائية، مع مواعيد مضروبة لساعة الصفر. من هنا لم يكن مفاجئاً اندلاع الاحداث بهذه الحدة، وهي التي كانت قد بدأت قبل ذلك في أحياء المدينة بين موالين ومعارضين للنظام السوري، كمقدمة لمشروع تصفية داخلية اكثر تنظيما. وثمة خشية من ان تكون طرابلس، مرة اخرى، رأس الحربة في مشروع توتر طويل، تمتد ساحته ايضاً إلى البقاع والمخيمات الفلسطينية.


Script executed in 0.18517804145813