كيف سيكون عيداً بعد ذلك اليوم وابنها كان «فجاعة العيد»، كما تسمّيه! هذه الفجاعة التي ستظل غصّة في قلبها لحين محاسبة القاتل الذي أصابه بطلق ناري في رأسه. هكذا فعلت ام محمد ايضاً، هي التي لا تبارح زيارة ولدها محمد عبد الحسين فرحان (6 اعوام)، الذي توفي اختناقاً بالغازات المسيّلة للدموع التي رميت على منزلهم.وفي وقت زار العديد من العائلات أضرحة شهدائهم الاطفال، توجّه المئات منهم الى السجون لرسم ابتسامة أمل على أطفال لا يتعدّى حلمهم أكثر من لعبة متواضعة أو ثياب جديدة، زجّوا خلف جدران قاسية تعرّضوا فيها للتعــذيب والاهــانة والتحرّش الجنسي.استشهاد الاطفال بالرصاص والغاز المسيّل للدموع واجهاض الامهات.وقّعت البحرين على اتفاقية حقوق الطفل التابعة للامم المتحدة في العام 1992، ويعتبر طفل كل من هو أقل من 18 عاماً بحسب الاتفاقية، لكن القانون البحريني يختلف عن المعاهدات الدولية حيث ينصّ على ان كل من هو أقل من 15 عاماً يكون طفلاً. وفي الحالتين، ترتكب الحكومة البحرينية انتهاكات صارخة بحق الاطفال.سجّل إحصاء جديد صدر عن «مركز البحرين لحقوق الانسان» ان عدد الاطفال الذين قتلوا منذ العام 2011 وحتى اليوم بلغ 11 طفلاً تحت سن الثامنة عشر، ناهيك عن الرضّع الذين توفّوا نتيجة الغازات المسيّلة للدموع والتي تفوق الثلاثين حالة بحسب المركز، مثل الطفلة ساجدة الفيصل (5 أيام) والطفل يحيى يوسف احمد (شهر)، بالاضافة الى عمليات الاجهاض للسبب نفسه.وفي هذا الاطار، تقول الناشطة الحقوقية والرئيسة التنفيذية لـ«مركز البحرين لحقوق الانسان»، مريم الخواجة لـ«السفير»، إن المركز «يتعامل مع طبيب تعرض عليه حالات الاجهاض وهو يقرّر اذا كان السبب يتعلّق بالغازات المسيّلة للدموع ام لا. وهناك 45 قضية على الاقل لنساء اجهضن لهذا السبب، بالاضافة الى بعض القضايا التي سجّلت عدداً كبيراً من حالات التشوّه لدى الاطفال». وتلفت مريم الى ان الاعراض الناتجة عن تعرّض الاشخاص لمسيّلات الدموع «تثير تساؤلات وعلامات استفهام حول المواد الموجودة حيث انها تسبّب فقدان الذاكرة والرجفة ومشاكل في المعدة واعراض أخرى لا تسبّبها الغازات المسيلة للدموع العادية».ويذكر أن منظمة «اطباء من اجل حقوق الانسان» قد اتهمت في تقرير نشرته في بداية الشهر الحالي، حكومة البحرين في طريقة استخدامها للغازات المسيّلة للدموع من قبل قوات الامن، معتبرة انها «تتسبّب بإصابات بالغة ودائمة اضافة الى الاجهاض وتشوهات الأجنّة والموت».من جهة أخرى، تطلق قوات الامن البحرينية الرصاص على المتظاهرين مستخدمةً ايضا رصاص الشوزن. تروي أم علي الشليخ لـ«السفير»، كيف قتل ولدها الذي كان برفقة والده في منطقة سترة، حيث خرجا في مسيرة احتجاجية بعد صلاة العيد، «اتت شرطة الامن وباغتتهم من الخلف، لم يستطع علي الاختباء واطلقوا عليه النار من مسافة قريبة جدا لا تتجاوز المترين، وهذا ما لم يذكر في شهادة الوفاة». أصيب «علي فوتو» الذي كان يحبّ التصوير كثيرا حسبما تقول والدته، في نخاعه الشوكي وتوفي على الفور، «لماذا لم يصيبوه في رجله بدل رأسه!»، تقولها ام علي بحرقة.حتى اليوم لم تعــترف قوات الأمن بقتل الطفل علي، كما ان القضية لم تغــلق، «في آخر مرة ذهب فيها زوجي لمعرفة مسار التحقــيق كانــوا شبه معترفين بأنهم القتلة ولكن لا يستطيعون توثـــيق ذلك ويقولون ما زلنا نحقق في القضية». تختم ام علي بالقول «لدينا صمود وقوة بالرغم من الظلم الذي تتعرّض له مدينة سترة، فهم دائما يستــهدفون اهــل المدينة بمسيلات الدموع واصبح في كل بيت شهــيد. والمرتــزقة الاتون من اليمن والاردن لا يعرفون الله، ودائما أدعو ان تأخذ كل ام شهيد حقّها من القتلة في الحياة قبل الاخرة».اعتقال، تعذيب وتحرّش جنسي بالاطفاليقول المحامي محسن العلاوي لـ«السفير»، إن غالبية التهم التي توجه ضد الاطفال «هي التجمهر في مكان عام مؤلف من خمسة اشخاص أو اكثر الغرض منه الاخلال بالامن العام أو ارتكاب الجرائم وفقاً لنص المادة 178 من قانون العقوبات، واقتران التجمهر بنية الشغب وفقا لنص المادة 179 من قانون العقوبات، على الرغم من ان المادة الاخيرة انتقدها تقرير «بسيوني» لكونها تحاسب على النيات وان صياغتها تخالف الدستور البحريني والمعاهدات الدولية. وزعمت النيابة العامة في بيان صدر عنها في كانون الاول 2011 انها ستسقط جميع التهم المستندة على هذه المادة لكونها مختلطة بحرية التعبير ورغم ذلك ما زالت توجهها للكثيرين».وبحسب تقرير صادر عن مركز البحرين، هناك أكثر من 100 طفل معتقل. أما عن معاملة الاطفال في السجون، فيقول العلاوي، ان «التعذيب والاهانات لمن هم دون 15 سنة يكون حين القبض عليهم في مركز الشرطة اما في مركز التوقيف الخاص بالاحداث فالمعاملة جيدة بحسب ما ذكروا»، وبشأن الاطفال الذين تجاوزوا الـ15 عاماً لكنهم لم يتجــاوزوا الثامــنة عشر وهم اطفال وفق المعايــير الدولــية، «يتعرّضون للتعذيب كالكبار وهي طرق بشعة كالصعق الكهربائي والتحرّش الجنسي والضرب والشتم وغيرها».يصف العلاوي التهم الموجّهة ضد المعتقلين الاطفال «بالمبالغة جداً، ولا يوجد تناسب مع الافعال المنسوب صدورها عنهم على فرض صحة صدورها».ورداّ على سؤال، يقول العلاوي إن «هناك حالات كثيرة لاطفال تعرضوا لانتهاكات ومنهم مثلاً الطفل عبد الكريم حسن (14 عاماً) الذي افرج عنه بعد ان احتجز لمدة 12 يوماً ووجهت ضده تهم التجمهر واستخدام المولوتوف، وهذا الطفل «كريم عين» انتهكــت حقوقه بشكل لافت وقد تمت اهانته في مركز الشرطة والاستهزاء به بسبب هذه العاهة، كما تم ضربه بالهراوات عند القبض عليه».وكانت السلطات البحرينية قد احتجزت أصغر معتقل في السجون، الطفل علي حسن علي (11 عاماً)، لمدة 25 يوماً بتهمة «التجمـــهر بقصد الاخلال بالامن العام وارتكــاب الجرائــم»، لتفـــرج عنـه في ما بعد.من جهتها، تشير الناشطة الخواجة الى ان «اعتقال الاطفال زاد عن العام الماضي بشكل رهيب، لا سيّما بعد تشرين الثاني 2011». وتشرح الخواجة «ان هناك نوعين من القضايا التي تحصل: اختطاف الطفل من قبل الاستخبارات او القوات المسلّحة ويتعرّضون له بالضرب والاعتداء الجنسي، والغرض من الاختطاف يكون بهدف تجنيده أو تصويره عــارياً مثل ما حصل مع الطفل علي السنكيس (16 عاما)، ومثل هذه القضايا هي دائما في تزايد، او يتــعرّضون لهم جنسياً ويهدّدون باستخدام صورهم اذا لم يتعاملوا معهم».تتحدّث الخواجة عن سابقة جديدة ومخيفة تحدث ضد الاطفال المعتقلين اليوم، وهي «التهم الموجّهة ضدّهم تحت قانون الارهاب مثل تمزيق قميص شرطي، تجمهر، حرق دواليب بقصد الارهاب، وهذه التهم في حال صدر الحكم عليهم، يحكم بالسجن لسنين طويلة او بالمؤبّد».وتلفت الخواجة الى ان «هناك مراكز غير شرعية في منطقة السنابس مثل «بيوت الشباب» للطلاب ومزارع للخيول في مناطق مختلفة يجري فيها تعذيب المعتقلين، مثل منصور الجمري (17 عاما) الذي اعتقل منذ سباق الفورمولا وان واقتيد الى هناك ولا يزال معتقلاً حتى اليوم».لن يكون الطفل علي الشليخ «فجاعة العيد» وحده، فقد أقدمت قوات الأمن البحرينية على قتل حسام الحداد (17 عاماً) في يوم القدس وقبل العيد بيومين فقط. وبحسب احد الناشطين في «مركز البحرين» الذي تحدث لـ«السفير»، فان الشهيد الحداد «قتل بواسطة طلقتين من رصاص الشوزن من مسافة قريبة خلال مناوشات واحتجاجات شهدتها منطقة المحرق، وتعرّض للضرب بعدما سقط على الارض وهو مليء بالدماء وهناك شهود عيان على ذلك ومن ضمنهم شقيق الشهيد».رشا أبي حيدر