ثمة ملاحظات يمكن تسجيلها على هامش جولة العنف الرقم 12 التي شهدتها محاور القتال التقليدية بين التبانة والقبة وجبل محسن مساء ثاني أيام عيد الفطر نتيجة مفرقعات أطلقها أطفال مختلفون مذهبيا على بعضهم البعض.أولا، دخول الجولة يومها الرابع في حين أن أطول جولة عنف منذ العام 2008 لم تتعد حدود الـ 72 ساعة.ثانيا، العراقيل التي واجهتها مساعي وقف النار، وذلك بفعل محاولات واضحة ترمي الى تحويل خاصرة طرابلس الرخوة الى منطقة للتوتر الدائم وإبقائها تحت الطلب لتتحرك على وقع الأزمة السورية.ثالثا، قطع الشك باليقين لدى جميع الأطراف بخروج بعض المجموعات المسلحة عن السيطرة السياسية والأمنية من خلال رفضها قرارات وقف إطلاق النار، ما يشير الى حجم الاختراقات التي تشهدها المناطق الساخنة مع توالي جولات العنف، سواء من عناصر غريبة عن نسيج طرابلس، أو أخرى لها ارتباطاتها الخاصة، الأمر الذي بدأ يثير مخاوف كبرى من إمكان تحول تلك المناطق الى حاضنة للمتطرفين أو الخارجين عن القانون.رابعا، الاستهداف غير المسبوق للجيش اللبناني والذي استمر حتى مع عودة انتشاره مجددا بناء على مقررات الاجتماع السياسي في دارة النائب محمد كبارة مساء أمس الأول، ومحاولات جره الى معارك جانبية لتعطيل دوره وإبطال فاعليته وإظهاره طرفا في المعادلة الأمنية الطرابلسية، أو تصفية الحسابات معه.خامسا، سعي بعض الأطراف السياسية الى الاستفادة من المواجهات الحاصلة في استهدافها الحكومة ورئيسها نجيب ميقاتي ودفعه الى الاستقالة، ودخول العنصر الانتخابي على خط المعالجات من خلال محاولة استرضاء طرف على حساب طرف آخر وليس التفتيش عن حلول جذرية للمشكلة من أساسها.سادسا، العمل على تحويل «المجلس العسكري لأهل السنة» الى أمر واقع تفرضه المستجدات الميدانية، خاصة أن الطرح تزامن مع ظهور مطلوبين للقضاء اللبناني بتهمة «الارهاب». سابعا، غياب المجتمع المدني عن التحرك الرافض الذي كان ينفذه في ساحات المدينة عند كل جولة عنف، في مؤشر يعبر عن يأس الحراك الأهلي من إمكان الخروج من النفق الأمني المظلم.ويبدو واضحا أن الجميع بات يستعشر خطورة ما يحضر لطرابلس، وما يمكن أن تكون عليه في المستقبل القريب لجهة ضرب التنوع الذي تتميز به عبر «حروب الغاء» جرى تهديد حلفاء «حزب الله» بها، وجرى تنفيذ نماذج عنها لكنها لم تصل الى مستوى الطموحات في هذا المجال، فضلا عن السعي لترك جبهة التبانة ـ جبل محسن مفتوحة على مصراعيها وربط مصير فقراء طرابلس بمصير «الثورة السورية».ولا شك في أن كل فلتان أمني من هذا النوع من شأنه أن يسحب البساط من تحت أقدام القيادات السياسية لمصلحة القيادات الميدانية، بدليل ما جاهر به بعض السياسيين في اليومين الماضيين عن صعوبة تواصلهم مع «أمراء المحاور»، كما لمسوا أن ثمة مجموعات لا تستمع لهم وغير معنية بتوافقهم على وقف النار.وجاء بيان قيادة الجيش حول قيام المؤسسة العسكرية بحوار مع القيادات الميدانية ليضاعف من هواجس السياسيين، ويضعهم أمام خيارين هما: إما إستعادة المبادرة في السيطرة على الشارع، أو ترك معالجة الأمور لقيادة الجيش التي تعرف تماما كيف تتعاطى مع القيادات الميدانية سواء في التبانة أو جبل محسن، بما يعتبر ذلك بمثابة خروج من المعادلة الأمنية في طرابلس.وأشارت مصادر عسكرية لـ«السفير» الى أن قيادة الجيش ستسعى بداية الى وقف دائم لاطلاق النار، ثم العمل على تهيئة الأجواء الملائمة لكسر الحواجز النفسية والمعنوية المرفوعة بين التبانة والقبة وجبل محسن، ومن ثم عقد لقاءات مشتركة مصغرة بين كوادر وفاعليات ما يعرف بـ«فوق وتحت».وتوقفت المصادر عند ظاهرة تمرد بعض المجموعات المسلحة على السياسيين وعلى سلطة الدولة وهيبة مؤسساتها، وقالت «هذا ما لا يمكن أن تسمح به المؤسسة العسكرية التي تريد أن تمنح طرابلس الأمن والحماية، وأن تحافظ على الأكثرية المعتدلة مستفيدة من الغطاء السياسي الواسع الممنوح لها من قبل الحكومة وقيادات طرابلس وطاولة الحوار».وأكدت المصادر أن أحدا لا يريد مصادرة دور القيادات السياسية، إلا أن المسؤوليات الملقاة على المؤسسة العسكرية تدفعها بعض الأحيان الى اتخاذ مثل هكذا مبادرات. وقد إستدعى بيان قيادة الجيش سلسلة استفسارات من قبل عدد من قيادات طرابلس، وجرى طرح هذا الموضوع في الاجتماع الوزاري النيابي والأمني المفتوح الذي عقد في منزل الرئيس نجيب ميقاتي ليل أمس، بحضوره ووزيري الدفاع فايز غصن والداخلية مروان شربل وبمشاركة كل وزراء ونواب وقادة الأمن في طرابلس.وشكل هذا الاجتماع ومعه الاجتماع الأمني الذي عقده ميقاتي مع فاعليات التبانة بمشاركة شربل وريفي، ما يشبه حالة طوارئ غير معلنة تهدف الى تثبيت وقف إطلاق النار وإخراج المناطق الساخنة من حال المراوحة الأمنية التي شهدتها خلال الأيام الماضية.ووصف مشاركون أجواء الاجتماع الأمني بأنها «كانت إيجابية جدا»، وأشاروا الى أن التركيز كان على ضرورة الخروج بحلول عملانية مقنعة وقابلة للتنفيذ، والابتعاد عن الوعود الروتينية التي ملّ المواطنون سماعها، خصوصا أن أمن طرابلس بكامله بات مهددا، ولم يعد من الجائز السكوت عنه، وتم التوافق على إطلاق يد الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي على كل صعيد.وقد ثمّن ميقاتي في دردشة مع الاعلاميين إثر الاجتماع دور الجيش اللبناني على ما يقوم به، مشيرا الى أن المجتمعين طلبوا إصدار الاستنابات القضائية بكل المخلين بأمن المدينة، وأن هناك خطوات اتخذت سيعلن عنها عندما تثمر خيرا.وأكد ميقاتي أن الغطاء السياسي للجيش متوفر بشكل دائم، وهو يقوم بدوره بكل تفان، نافيا تغطية المجتمعين أي مخل بالأمن وجميعهم لديهم الثقة بالجيش.وعن عدم حضور ممثلين عن الطائفة العلوية، قال: «الاجتماع ضم الوزراء والنواب والمفتي والقادة الأمنيين، كما تابع وزير الداخلية الوضع الأمني مع فاعليات التبانة وسيتصل بقيادات الحزب العربي الديموقراطي».وأضاف إن الاجتماعات مستمرة منذ اليوم الأول للازمة، والنائب محمد كبارة كان متابعا وعقد اجتماعات بهذا الخصوص وكان على تواصل ومتابعة معي، والاجتماع الأخير الذي عقده هو الذي أوصل إلى اتفاق وقف النار».وحول بيان قيادة الجيش قال ميقاتي: «لقد حصل استيضاح من قيادة الجيش من قبل بعض الموجودين في الاجتماع، وأكدت قيادة الجيش أنها لا تعني الفاعليات السياسية او النواب والوزراء، لكن تعني من يحاول لعب هذه الأدوار وسوف يتم وضع حد لهم»، مؤكدا ان عناصر التفجير موجودة ونحن نحاول ان نبعد كأس التفجير عن طرابلس وكل لبنان.