لكن قبل أن يتفرّغ الأسير لبرنامجه الصيداوي «قام بالواجب» في طرابلس. يوم الخميس الفائت، انتقل إمام «مسجد بلال بن رباح» الى طرابلس، في زيارة سرّية، التقى خلالها الشيخ سالم الرافعي والشيخ عمر بكري فستق وبعض القادة الميدانيين السنّة. الزيارة كانت مقرّرة منذ فترة، غير أن «حماسة» الشيخ الرافعي لإنشاء «مجلس عسكري لأهل السنّة» دفع الأسير الى التعجيل بالزيارة. دار نقاش طويل بين الشيخين استنتج من خلاله الأسير، كما قال لـ«السفير»، «ان الشيخ الرافعي لم يتقصّد من كلامه تأسيس مجلس عسكري بالمعنى الحقيقي للكلمة. جلّ ما قاله إنه في ظل الغياب المستمر للدولة، للسنّة الحق في الدفاع عن أنفسهم».
يعارض الأسير بشدّة قيام «جناح عسكري» للطائفة. ولا يتصوّر، في المقابل، أن يبلغ التسليح حدا أكثر مما هو أصلا موجود على أرض الواقع. يقول «هذا ما أكّدته للشيخ الرافعي. ليس من مصلحة البلد وطائفتنا قيام مجالس عسكرية... وهو وعدني بذلك».
في منزله ومسجده ومكتبه في منطقة عبرا، يبدو الاسير مرتاحا وسط «مربعه الامني» الذي يبدو نسخة مصغّرة عن مربعات القادة السياسيين والامنيين الكبار. بضعة شبان، من أصحاب اللحى المتدلية، يحرسون مقرّ الشيخ المحاذي لـ«مسجد بلال بن رباح». مكعبات اسمنتية. حواجز بلاستيكية. عوائق حديدية. دوريات أمنية خفّفت من منسوب «الاستفزاز» الذي كان يتعرض له «الشباب»، كما يقول الاسير، لكن من دون ان تضع حدا للاعتداءات. «ليل الاربعاء الفائت أحرقت سيارتان لأحد المناصرين. جاء ذلك بعد اتصالات سابقة من مجهولين هدّدوا فيها الشباب في حال دخولهم المسجد. رقم المتصل موجود بحوزتنا. سنحرّك القضية لدى القضاء ونوصلها الى وزير الداخلية الذي كان وعدنا بمعالجة كل الاعتداءات».
سيلتزم الاسير «بالمطلوب» للنزول الى الارض مجددا. سيطلب إذنا مسبقا من المحافظ ويُعلم قادة الاجهزة الامنية في المنطقة. لكن في حال رفض إعطاء الاذن، الذي شدّد اجتماع مجلس الامن المركزي قبل أيام على الحصول عليه، فسيدير الشيخ ظهره ويتصرّف وفق برنامج «التصعيد» المحدّد. يؤكد الاسير «ان كل التظاهرات والتحركات في المناطق، كما علمت مؤخرا، تتمّ من دون ترخيص بل عبر تقديم اخبار للجهات الامنية فقط. سبق وقيّدنا أنفسنا بالحصول على إذن واليوم سنتحرّر منه «اذا كانت القصة ناس بسمنة وناس بزيت».
لا اعتصام مفتوحا. سيقتصر الامر بداية على اعتصامات وتحركات محدودة في الزمان والمكان، تشبه اعتصام ما قبل عيد الفطر. «لكن اذا وجدنا ان هناك مصلحة لنا في القيام باعتصام مفتوح لإيصال الرسالة بشكل أسرع فلن نتردّد في ذلك». وماذا عن إمكان إقفال الطريق البحرية أو التمدّد مجددا باتجاه الطريق الجديدة ووسط بيروت؟ يردّ الاسير «كل الاحتمالات واردة».
يشعر الأسير بالخديعة. «عدنا إلى نقطة الصفر. في موضوع السلاح كذبوا على رئيس الحكومة ووزير الداخلية. أنهينا اعتصامنا المفتوح بناء على وعود ببحث موضوع السلاح جديا على طاولة الحوار. نحن أصلا لم نصدّق «جماعة الحزب». لكن عندما يأتي الرئيس نجيب ميقاتي ويقول لمست جدية في مسألة بحث السلاح، هذا قادنا الى الموافقة على إزالة الاعتصام ولاحقا تبين لنا أنهم يراوغون كما هو الحال منذ سبع سنوات».
يقرّ الأسير بأن لخطاباته وقع السلاح المصوّب على «أهل السلاح». يضيف «هناك ايضا الوضع الاقتصادي المهترئ، ومسألة «الجناح العسكري» لعائلة المقداد المرتبط بـ«حزب الله»، والوضع السوري وعمليات الخطف... كلها أمور مرتبطة بالفكرة نفسها. السلاح الذي ينفد أجندة إيرانية سورية للهيمنة على لبنان. الخيارات محدودة أمامنا. إما نخضع أو نسكت أو نقبل بالهيمنة أو نتسلّح... لكن نحن نتمسك بالخيار السلمي».
لن يلجأ «الاسيريون» الى سياسة الخطف المضاد في حال استئناف «المقداديين» نشاطهم «العسكري». يجزم الاسير «لن نذهب الى الخطف ولا التسلّح... سلاحنا الوحيد هو التحرّك السلمي. الجوّ الصيداوي الجماهيري معنا. أما فعاليات صيدا فهي ضدنا بسبب هيمنة السلاح. بات لهؤلاء ثقافة الخوف من سلاح (السيد) حسن نصرالله. في الانتخابات الماضية رفعوا شعار «صيدا لأهلها»، لكنهم عادوا ووضعوا أصوات الصيداويين على طاولة بري ونصرالله. حتى بهية الحريري خائفة من السلاح، وقد أخبرتني حين كنت أشكو للسياسيين والامنيين من الاعتداءات المتكررة علينا بأنها «لا تقدر عليهم» بسبب سطوة سلاحهم».
لا يتخوّف الأسير من إمكان اندلاع مواجهة على أرض صيدا، شبيهة بالمشهد الطرابلسي الدموي. «لا يستطيع أن يفعل الجيش شيئا مع أناس يعتصمون سلميا». هي نافذة يفتحها الاسير للتصويب مجددا «على ما يسميها «جيوب» داخل الجيش تعمل لمصلحة حسن نصرالله ونبيه بري». يتوقع الاسير «ان تتحرّك هذه الجيوب مجددا مع بدء تحركه الاسبوع المقبل»، وان كان يشير الى «حرص المؤسسة العسكرية عامة على مصلحة البلد».