قالت الأم: لأن لا فائدة في العلم... لا في الصغر ولا في الكبر.
سيكون هذا حواراً جميلاً، فيما لو قرأناه في قصة للأديب السوري زكريا تامر. لكنه ليس كذلك. لم يرد في قصة من قصصه اللاذعة، وإن كانت العبارة الاخيرة هي ردّ الجنين الذي يرفض مغادرة بطن أمه، على قولها له إن «العلم في الصغر كالنقش في الحجر» (مجموعة «نداء نوح»).
يمكننا أن نغيّر في القصة اليوم. نفترض أن الجنين رضح لتوسلات أمه وغادر بطنها بعدما أتعبها حمله الثقيل. لكنه لن يكتفي بمغادرة بطنها، بل سيغادر وطنه لاجئاً من حرب تحرق دمشق مجدداً. ليتها سمعت كلامه قبل أن تجبره على المجيء إلى هذا العالم. ليتها اقتنعت فعلاً بأن لا فائدة منه، ما كانت لتجد نفسها اليوم مكبّلة لا تعرف ما تفعله. المدارس على الأبواب، وهي تقيم مع عائلتها في مدرسة «كزّت نفسها منها». لا تعرف كيف سيمرّ العام الدراسي على أبنائها الذين هربت بهم خوفاً من موت مفاجئ. في الصف الدراسي الذي تقيم فيه، لا تملك إلا أن تحلم بما قد تكون عليه حال عائلتها لو لم تشرّدها الحرب. كانت رائحة الحقائب الدراسية والدفاتر والأقلام والكتب ستعمّ البيت. وكانت الأحلام ستتحقق مع ترفّع كلّ ولد من أولادها إلى صف جديد.
لا شيء من هذا يتحقق اليوم. الحرب أتت على الأحلام الصغيرة حتى. حرمت الطفل أغنياته، والتلميذ علاماته، والطالب رفقة زميلته. حرمت الأب فرحة يحققها بنجاح ابنه، والأم قبلة تطبع على جبينها كلّ صباح.
هذا أقلّ ما يفتقر إليه اللاجئون السوريون إلى لبنان، وأكثر مما نستطيع تحمّله.
كم مرة علينا أن نعيش الحرب حتى نتذكر قساوتها؟ كم مرة على الطفل الهارب من المسلّحين أن يلتصق بشجرة التفاح ويلتحم بها ليلوّن ثمارها بالاحمر؟ من قال إن للقتل وجهاً واحداً؟