إنها خيانة لم يحاكمني أحد عليها ولم يطردني أحد بسببها، فالمدخنون من هذه الناحية متسامحون فإذا أخلّ مدخن بعهده امتنع قابلوه بالرضا والسكوت والعفو. ماذا كان سيحدث لو أن المدخنين عاقبوا الممتنعين على خيانتهم وطهّروا الصفوف منهم؟ ماذا كان سيحدث لعائلات كاملة ولزمر كاملة ولشلل كاملة؟ لم يعزل المدخنون الممتنعين، الآن يحدث العكس، لقد عُزل المدخنون. لم يعد لهم مكان في المجالس. يطيب التدخين مع الكلام والشرب والقهوة ، الآن على المدخن أن يترك فنجانه أو كأسه. عليه أن يقطع حديثه أو حديث غيره ويتسلل إلى الخارج ويقف وحيداً مهجوراً ليتم إحراق سيجارته، وربما يستل منها أنفاساً سريعة ويعود وقد عمر صدره بالدخان إلى المجلس ليحدث أو يستمع. لن يروق هذا بالطبع لأحد. سيكون أنسب له أن يهجر بيئة المدخنين وأن ينضمّ إلى الجالسين في الهواء الطلق. سواء كان الطقس ثلجياً أو ملتهباً، وحيث الجميع يدخنون ويكفي ان يتنفس واحد ليشحن صدره بالنيكوتين والقطران، سيكون للمدخنين عالمهم الخاص. عالم سفلي خاص كعوالم المتآمرين والمتواطئين، وسيكون المجلس مجلسين والبيت بيتين والمؤسسة مؤسستين والشلة شلتين وسيعم الشقاق المجتمع وسيزداد تفتتاً، وسيتحول الاجتماع القليل فيه إلى انفراط وفرقة، وسيكون المثال الصحي. مثال الصدر النظيف والجسد الرياضي، هو النموذج، وبالطبع لن يعود هناك مكان للضعفاء والمرضى. لن يكون هناك مكان لهؤلاء الذين تدفعهم رغبات لا يفهمونها إلى إيذاء أنفسهم وإلى السخرية من المثال الرياضي وإلى الهزء من النموذج الصحي وإلى الشرب حتى الثمالة والتدخين إلى الأخير. لن يكون هناك مكان لهؤلاء رغم أننا قد نجد بينهم أكثر الناس موهبة وأكثرهم ذكاء وأرقهم وأشدهم حساسية وأشملهم ثقافة وأفضلهم أخلاقاً وأرفقهم بالناس وأرحمهم لهم وأشفقهم عليهم. قد يكون ذلك انقلاباً اجتماعياً. إذ قد يؤدي إلى فرز الأصحاء من المرضى ونبذ الضعفاء ومعاقبتهم ونصب المثال الصحي القوي، ولا نعرف ماذا يمكن أن يخامر ذلك من مشاعر سلبية وكما، لا نعرف إلى ماذا يؤدي ذلك لو طبق على وجهه الكامل. ألن يؤدي على سبيل المثال إلى تجميع المدخنين في ناحية وغير المدخنين في ناحية أخرى؟ ألن يؤدي إلى فرز اجتماعي غير محمود؟ ألن يؤدي، في جملة ما يؤدي إليه، إلى إبعاد النخب وإقصائها وربما نبذها؟ ثم ان المدخنين ليسوا قلة فهم قد يعادلون نصف المجتمع، أليست القسمة بذلك تقع على النصف، فيكون النصف في مكان والنصف الآخر في مكان. ثم ألن يسأم المدخنون هذا النهوض من وقت إلى آخر للانفراد خلف الباب بتدخين سيجارة. ألن يجدوا لأنفسهم طرقاً قد يكون بعضها تحايلاً على القانون ولعباً به؟ وماذا يستفيد المجتمع إذا كثر التحايل على القانون واللعب به. ماذا يستفيد المجتمع إذا أوجدنا طريقة أخرى للهزء بالقوانين؟ أليست هذه مسألة كان يمكن أن يحلها الناس بينهم وبين أنفسهم فيطلب الذين يتأذون من التدخين من المدخنين أن يفعلوا ذلك بعيداً، أو يبتعدون بأنفسهم عن أجواء يكثر فيها التدخين فلا يشعر هؤلاء ولا أولئك بالنبذ. ولا يشعرون أنهم يفعلون ذلك تحت طائلة القانون. وأنهم بمخالفتهم له يغدون أعداء للمجتمع والدولة والقانون. تكفي سيجارة ليغدو هذا الفعل البريء عصياناً وخروجاً.