أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الزودة الاستباقيّة ..الزيادات على الأقساط: سلفة أم حساب استباقي؟

الأربعاء 12 أيلول , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,219 زائر

الزودة الاستباقيّة ..الزيادات على الأقساط: سلفة أم حساب استباقي؟

كان يا ما كان العام الماضي. كانت سلوى تدفع قسط العام الدراسي لابنها في إحدى المدارس الخاصة غير المجانية ـــ لكن تلك التي تؤدي رسالة ولا تبغي الربح ـــ 3 ملايين و200 ألف ليرة لبنانية. كانت تجمعه «بالسراج والفتيلة»، كما يقولون. فهو مبلغ كبير على أمٍ عاملة تتقاضى شهرياً ما يعادل نصفه. لكن، وبما أن «كان» فعل ماضٍ وناقص، فمن الطبيعي أن لا تبقى الملايين على حالها من الجمود في مدارس تخضع على ما يبدو أقساطها للبورصة.

 

مع بداية العام الحالي، وفيما كانت سلوى تستعدّ لدفع قسط ابنها، تناهت إلى مسامعها «خبرية» عن احتمال زيادة على الأقساط. لم تكترث لها، إلا عندما حضرت للدفع. أخرجت مبلغ الدفعة الأولى لتدفعه، ففوجئت بردّ المحاسب «مدام، يؤسفنا أن نعلمك بأن هناك زيادة على القسط هذا العام» بلغت مليوناً و300 ألف ليرة. واستدرك: «لكن لا يهمّ. سنأخذ هذا المبلغ منك الآن، ونسجّل ما تبقى على الحساب، أو بإمكانك أن تسجلي ابنك في مدرسة أخرى»، (علماً أن مدارس أخرى هدّدت بزيادة نسبتها 5% على من يتأخر في التسديد). وقبل أن تلتقط السيّدة أنفاسها، «فنّد» لها المحاسب المبلغ المقسّم ما بين «800 ألف زيادة على القسط لأننا لم نزد على أقساط العام الماضي، رغم صدور مرسوم الغلاء المعيشي وإقرار الدرجات للأساتذة، إضافة إلى الزيادات المرتبطة بإقرار سلسلة الرتب والرواتب». أما الـ 500 ألف التالية فهي قيمة «الحسومات» التي كانت تأخذها سلوى عن ابنها، فقد ألغيت اليوم لأن المدرسة تعاني عجزاً «كونها لم تدفع للأساتذة رواتبهم منذ 6 أشهر».

لا مجال للنقاش. ثمة مبلغ سيدفع عاجلاً أو آجلاً. مليون. مليونان. ثلاثة. لا اعتراض مقبول، مهما بلغت الزيادة، ستدفع حتماً. ومن لا يقدر سيؤويه مقعد دراسي آخر «وهو ما فعله محمد، إذ اتخذ قراره بنقل ابنته من مدرستها إلى مدرسة أخرى»، تقول سلوى.

لكن، إن كانت مبرّرة تلك الـ 500 ألف التي ستدفعها سلوى لأن المدرسة ألغت نظام الحسومات بسبب عجزها، فمن يفسّر لها هذه الـ 800 ألف ليرة لبنانية؟ عمّ ستدفع؟

ما فهمته من المحاسب أن ثمّة سلسلة رتب ورواتب ستقرّ، ومن المفترض أن تبدأ المدرسة بدفع «النفقات» للأساتذة المستفيدين منها. هذا ما فهمته هي، لكن ما لم يفهمه الباقون، وما لم نفهمه نحن، أن هذه السلسلة المفترضة لم تصل إلى خواتيهما بعد. فثمة «برمة» ما بين لجان المجلس النيابي، وهي التي لم تصل إليها حتى الآن، وصولاً إلى جلسة التصويت التي على ما يبدو دربها طويل. ولكن، هل يحق لبعض المدارس أن تقرّ زودتها هي قبل أن يقرّ القانون نفسه؟ هل يحق لمدرسة أن تضيف مبلغاً على الأهالي لا يقل عن 200 ألف ليرة لبنانية وقد يصل الى حدود المليون، مستندين في ذلك إلى «مؤشرات تقريبية» عما يمكن أن تكون عليه السلسلة؟ ولم يصوّر الأساتذة على أنهم سبب هذه الزودة، سواء كانت مبرّرة أو غير مبرّرة؟

قبل الدخول في أمور السلسلة «العويصة»، والزيادات التي قامت بها بعض المدارس، إن لم نقل معظمها، كان اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة في لبنان قد عقد عصر أول من أمس مؤتمراً على «نيّة» السلسلة، تعجّب خلاله من موقف الحكومة «التي عادت وتنبهت لخطورة سلسلة الرتب والرواتب، فحاولت تصويب حساباتها بتقسيط هذه السلسلة، لكنها لم تعدّل في موقفها الجديد ولم تحقق المساواة والتوازن بين أفراد الأسرة التربوية». وتصويباً للخطأ الحاصل، طالب الاتحاد «بفصل التشريع بين القطاع العام والقطاع الخاص لما له من أثر إيجابي على القطاعين»، مكرّراً رفضه «للزيادات العشوائية التي أقرّتها الحكومة ويرفض المفعول الرجعي والدرجات الاستثنائية والسلسلة المبتدعة». كما استنكر استبعاد الحكومة «لممثلي الاتحاد عن لجنة المؤشر، وعن إعطاء الرأي في الزيادات التي يطالب بها المعلمون». ولأجل هذا كله، أكّد الاتحاد أنه «غير معني بكل قرار لا يشارك في صياغته، ويطالب الدولة إذا أقرّت الزيادات على الأقساط بأن تدعم الأهل لتعليم أولادهم».

الاتحاد غير معني. وعندما نقول الاتحاد، نقول المدارس الكاثوليكية والإنجيلية والمقاصد والمبرات وجمعية التعليم الديني والمدارس الإفرادية الخاصة و...و...و... وعلى هذا الأساس، فمن الطبيعي أن يكون الكل غير معني «إلى حين تتبلور كل الأمور، أي السلسلة التي أقرّت وما هي الزيادات؟ وما هي الدرجات التي اتفقوا عليها؟»، يقول الأمين العام للمدارس الكاثوليكية في لبنان الأب بطرس عازار. لهذا السبب، يناشد الأخير باسم الاتحاد «الحكومة اللبنانية ومن ورائها وزارة التربية والتعليم العالي أن تقوم بمبادرة برعاية اجتماع يضم ممثلين عن المدارس والمعلمين ولجان الأهل، إلى جانب خبراء في الاقتصاد والمحاسبة والاجتماع والقانون للوصول إلى حلّ يرضي جميع الأطراف ويؤمن العدالة وسلامة العام الدراسي».

إذاً، لا زيادة. هذا ما نفهمه وما يصرّ على قوله الكثيرون من مديري المدارس. لكن، ما هي قصة هذه المئات التي يقال للأهالي إنها زيادة على الأقساط «تحسّباً» للسلسلة؟ من الذي يطمئن والداً يدفع راتباً وربما أكثر لسد الزودات على أقساط أولاده؟ ومن الذي يحدّد نسبة هذه الزيادة، إن كانت أمراً واقعاً؟

ثمة تعريفات كثيرة لهذه الزودة. الأب عازار، وإن كان مصراً على أن الاتحاد غير معني بالقرار، وبالتالي لا زيادات، إلا أنه يشير إلى أن ما تقوم به بعض المدارس يقع في خانة «الحساب الاستباقي كي يرتبوا أمورهم ويقدروا على الدفع للأساتذة». وهو حساب استباقي يقوم به عدد من المدارس الكاثوليكية وغيرها أيضاً «تتصرف على هذا النحو للحفاظ على صفوفها».

ثمة شيء آخر، وهو أنه شئنا أو أبينا، وإن لم يكن الحساب استباقياً، هناك «زيادة على الأقساط، وهي الزيادة عن القوانين التي صدرت مؤخراً: 223 و159 المتعلقة بدرجات الأساتذة في التعليم الابتدائي والتكميلي والثانوي». هذه ستحتم الزيادة «لكنها لن تكون نهائية، بانتظار ما سيتوضح من سلسلة الرتب والرواتب». وعلى هذا الأساس، يفترض بالأهالي أن يبقوا في جيبهم مالاً إضافياً لسدّ زيادة ستأتي عاجلاً أو آجلاً. وما يأمله عازار أن لا تبدأ هذا العام «فأنا مع مبدأ إقرار السلسلة، على أن يتأجل تنفيذها إلى العام المقبل، لأنه في حال دخولها حيّز التنفيذ هذا العام فأنا أتوقع زيادات كبيرة جداً، قد تصل إلى حدود نصف قسط في بعض المدارس وذلك تبعاً لعدد الأساتذة ومستواهم وسنوات الخبرة لديهم...».

ثمة تعريف آخر لهذه الزودة، وهي أنها قد تكون «سلفة تأخذها المدرسة من الأهالي، ويمكن أن تكون عن القانون 223 أو 159، وعن مرسوم غلاء المعيشة العام الماضي بالنسبة إلى بعض المدارس التي لم ترفع أقساطها في حينه»، يقول رئيس اتحاد لجان الأهل في المدارس الكاثوليكية جوزف بطيش. ويمكن أيضاً أن «نسمّيها دفعة من القسط تحسّباً، وفي حال عدم إقرار السلسلة، يمكن أن تعيد حسمها من القسط الأساسي في الدفعتين الثانية والثالثة من العام»، يتابع بطيش. لكن، لا يمكن أن تكون «زودة لأن السلسلة لم تقرّ بعد كي تقرّ المدارس زودتها، ويحق للأهالي أن يسألوا المدارس عن ماهية هذه الدفعة، فلا يمكن أن تكون على أساس السلسلة، وأكيد في شي قديم على نسق القانون 223». وهنا، تكون الزيادة «قانونية»، يتابع بطيش. أما عن التقدير ما إذا كانت قانونية أو غير قانونية، فلا تستطيع لجان الأهل التأكد من الأمر إلا بناءً على «شكوى من الأهالي، يعني مخالفة» أو بناءً على تقرير الموازنة الذي «تطلع عليه لجان الأهل خلال شهر كانون الأول. واستناداً للزيادة وما يفترض أن يكون عليه قسط التلميذ، يحدّد ما إذا كانت هناك مخالفة أو لا». بطيش الذي لم «يتأكد» بعد من أن هناك زيادات تفرضها المدارس على الأقساط، أشار إلى أن «الزيادة حاصلة». وبحسب دراسة قامت بها بعض المدارس التي تحوي عدد طلاب يتراوح ما بين 1000 و2000 تلميذ، فقد توقعت أن «تكون الزيادة ما بين مليون ومليون 400 ألف ليرة»، يعني راتب موظف.

هذا إذا أقرّت السلسلة وباتت التسمية زيادة على الأقساط. أما الآن، فلا يمكن أن تسمى زيادة، إلا إذا كانت عن «شيء سابق». إنما أن تكون «استباقاً للسلسلة»، فهذا ما «لا قانونية فيه لأنه لم تقرّ السلسلة كي تقرّ الزيادات، والزيادات التي يحق فيها للمدارس هي الزيادات المتعلقة بإقرار الدرجات للأساتذة»، يقول رئيس مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية والتعليم العالي عماد الأشقر. وهنا، قد تحدث «الزعبرة». إذ يمكن لاحقاً أن تقول المدارس إن الزودات التي أقرت هي عن أشياء قديمة، وقد تكون قادرة على إمرار هذه الأشياء القديمة في موازناتها «بالتوافق»، يقول أحد المطلعين في الوزارة. وهنا، قد يسأل سائل: أين دور الوزارة في هذا المكان؟ يقول الأشقر إن أطر المراقبة والمحاسبة في الوزارة تأتي استناداً إلى قرارات المجلس التحكيمي الذي من المفترض أنه يراقب الموازنات «بعد أن ندرسها في الوزارة، ونحن نتحرك بناءً على شكوى». ولهذا، يقول الأشقر بأن الدور الأساس يقع على عاتق لجان الأهل «لكونها صمام الأمان الأول».

أما نقابة المعلمين في المدارس الخاصة في لبنان فلها رأي آخر من كل هذه الزيادات وتسمياتها. فهي تشدّد على أنه «لا يمكن أن تكون هناك زيادات على الأقساط طالما لم تقرّ السلسلة، وطالما أن رواتب الأساتذة لا تزال على حالها كما كانت العام الماضي»، يقول رئيس فرع جبل لبنان في النقابة كريستيان خوري. وبما أن «معاشات الأساتذة لم تعدل ولا ليرة، فلا يحق للمدارس أن تلفظ كلمة زودة»، يتابع. وعلى هذا الأساس، ما يحصل اليوم، هو «زيادات عشوائية، والمدارس التي زادت الأقساط تتذرّع بالسلسلة لتستغل الأهالي».

على أي حال، ثمة تأكيد بأنه لكي تكون هذه الزيادات شرعية يفترض أن يكون هناك مبرّر لها. وعندما يحضر المبرّر، فمن المفترض أن تطبق المدارس في زياداتها مضمون القانون 515/96، الذي وضع في الأساس لتنظيم الموازنة المدرسية ووضع أصول تحديد الأقساط المدرسية في المدارس الخاصة غير المجانية. وهو القانون الذي تعدّ أهم النقاط فيه «توزيع قيمة الأقساط (مع الإشارة إلى أن ذلك لا يعني أن تكون الأقساط موحدة في جميع المدارس الخاصة) على أساس 65% ـــ كحد أدنى ـــ رواتب للأساتذة و35% ـــ كحد أقصى ـــ لسائر النفقات والأعباء الأخرى». وفي هذه الحال، إن كان لا بد للمدارس من أن تبرز نياتها الحسنة، فبإمكانها «دفع أقساطها من حصة النفقات الأخرى أو الـ 35% المنصوص عليها في المادة 2 من القانون 515، من دون أن تصوّر أن رواتب الأساتذة هي سبب هذه الزيادة لأنه مهما بلغت درجاتهم فلن تكون بمستوى ما يحدّدونه من زيادات»، يتابع خوري.

ولكن، «النهفة» عندما تنتفي كل هذه الأسباب للزيادات، فيقولون «وماذا عن المفعول الرجعي؟». هنا لا بد من التوضيح بأن المفعول الرجعي هو لسنة واحدة «وليس أبدياً»، يختم خوري.

 

5000 بدل حضانة!

 

يبدو أن الزيادات على الأقساط ليست آخر الغيث. فهذا العام، وضعت بعض المدارس أيضاً «زودات» على القرطاسية قد تبلغ قيمتها بحدود 100 ألف ليرة لبنانية. ففي إحدى المدارس المرموقة، باتت القرطاسية «إكسترا»، حيث أصبح القلم الأزرق أنواعاً، وكذلك الممحاة وأقلام التخطيط والورق الأبيض «السادة» والآخر المخطط للغة العربية واللاصق. وهنا، لم تترك الخيارات لأهالي التلامذة كي يختاروا «الأنواع الأرخص»، إذ أجبرتهم على أنواعٍ محدّدة ومن مكتباتٍ محدّدة «قد تكون اتفقت معها على كوميسيون»، يقول والد إحدى التلميذات. أما عدد الأشياء المطلوبة فحدّث ولا حرج، فعلى سبيل المثال: اللاصق طلبت منه 12 علبة، والأقلام 6 علب (6 بـ 12 = 78)، وغيرها الكثير. لكن، مع ذلك قد لا يعي الأهالي هذه الطلبات إلا عند «الكاشيير»، عندما يجد أن فاتورته عن هذه العدّة قد بلغت 150 ألف ليرة. وأيضاً، قد يستسهل الكثيرون هذه الـ 150 ألفاً، مقابل الـ 400 أو الـ 500 ألف التي يدفعونها لكتب أطفالهم، علماً بأن ثمّة مدارس لا تقبل الكتب «المستعملة» إلا إذا كانت هي التي تبيعها للطلاب.

أما الأنكى من ذلك كله؟ الجواب في إحدى الأوراق التي ألحقتها إحدى المدارس بطلباتها، والتي تنصّ على «غرامة الـ 5000 ليرة لبنانية» التي ستفرضها المدرسة على الأهل الذين سيتأخرون ساعة عن موعد خروج أطفالهم... فهم بذلك سيحتجزون المعلمة ساعة إضافية. لكن، من قال إن المدرسة حضانة؟


Script executed in 0.17432498931885