أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

فيلم إسرائيلي ـ أميركي بتمويل يهودي يُحرج «الربيع العربي» ويستنفر «السلفيين»

الخميس 13 أيلول , 2012 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,655 زائر

فيلم إسرائيلي ـ أميركي بتمويل يهودي يُحرج «الربيع العربي» ويستنفر «السلفيين»

 

عندما اقتحم عدد من المتظاهرين مقر سفارة الولايات المتحدة في القاهرة، ورفعوا على سورها علم تنظيم «القاعدة» بعد إنزال العلم الأميركي، واتخذ منحى أكثر دموية، فجر أمس، حين هاجم محتجون ليبيون مبنى القنصلية الأميركية في بنغازي، فقتلوا السفير وثلاثة دبلوماسيين آخرين. ومن المتوقع أن تتفاعل موجة الغضب على امتداد العالم الإسلامي خلال الأيام المقبلة، في ظل دعوات واسعة للتظاهر يوم الجمعة المقبل احتجاجاً على إهانة النبي محمد والاستهانة بمشاعر المسلمين.

ويبدو أن تداعيات هذا الفيلم ـ الأزمة، الذي أنتجه سمسار عقارات إسرائيلي أميركي، وتبناه قس أميركي متطرف، وموّلته شخصيات يهودية، وروّج له دعاة فتنة عرب، قد شكلت صدمة قوية للإدارة الأميركية، التي استغربت على لسان وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون كيف يمكن أن يقتل سفيرها لدى دولة عربية ساهمت واشنطن في «تحريرها» من الديكتاتورية. ويبدو أيضاً أن هذه التداعيات قد أحرجت حلفاء أميركا الجدد في المنطقة العربية، وخصوصاً في مصر، بعد حصار السفارة الأميركية في القاهرة لليلة الثانية على التوالي وتصاعد الانتقادات ضد الرئيس «الإخواني» محمد مرسي لعدم اتخاذه موقفا حاسما تجاه ما جرى، وفي ليبيا، التي تسابق حكامها على الاعتذار للادارة الأميركية عن مقتل سفيرها.

من جهة ثانية، دقت هذه الأزمة الجديدة ناقوس الخطر، بعدما أظهرت المجموعات الإسلامية المتشددة أنها قادرة على كسر المعادلة التي سعت الإدارة الأميركية لفرضها على دول «الربيع العربي» في إطار الجهود المبذولة من قبل الغرب لاحتواء ثورات الشعوب العربية، وهو ما تم تجاهله خلال الأشهر الماضية حين بدأت القوى التكفيرية في هدم أضرحة الصوفيين في مصر وليبيا وتونس ومالي، أو في الضغط لفرض رؤيتها الضيقة في تطبيق الشريعة الإسلامية في العديد من المجتمعات العربية، أو حتى في استغلال الحراك الشعبي في سوريا لإيجاد موطئ قدم جديد لـ«جهادييها»... الخ.

الأزمة الحالية بدأت منذ أيام، حين أثار إعلان دعائي مبتذل عن فيلم يتناول حياة النبي محمد بطريقة ساخرة ومبتذلة موجة استياء على مواقع التواصل الاجتماعي. 

وكانت الشرارة الأولى للأزمة حين تم تحديد موعد عرض الفيلم، أمس الأول، تزامناً مع إحياء الذكرى الحادية عشرة لهجمات 11 أيلول في الولايات المتحدة، حيث دعت قوى مصرية إسلامية ومسيحية إلى التظاهر أمام السفارة الأميركية احتجاجاً ونصرة للنبي محمد وقطعاً للطريق أمام الفتنة، خصوصاً بعدما تبيّن أن بعض رموز ما يسمّى بـ«أقباط المهجر» يشاركون في الترويج للفيلم، وهو أمر شكل مادة دسمة لتأجيج العصبيات الطائفية عبر القنوات الدينية. وكانت حصيلة التظاهرة اقتحام مقر السفارة وإنزال العلم الأميركي واستبداله بعلم تنظيم «القاعدة». 

أما في ليبيا، فالأمور اتخذت منحى آخر حيث اقتحم متظاهرون غاضبون مقر القنصلية الأميركية في بنغازي، وقتل عدد منهم السفير الأميركي وثلاثة موظفين آخرين في السفارة.

الفيلم المشبوه

ومنذ عرض الإعلان الدعائي لفيلم «براءة المسلمين» ـ الذي تمت دبلجة أجزاء منه إلى اللغة العربية (باللهجة المصرية) تحت عنوان «محمد رسول المسلمين» ـ كثرت التكهنات حول الجهة التي تقف وراءه، حيث جرى اتهام شخصيات مسيحية من «أقباط المهجر» بإنتاجه، فيما ربطه آخرون بفيلم «فتنة» الذي انتجه قبل أعوام النائب اليميني المتطرف في هولندا غيرت فيلدرز، والذي أثار موجة غضب عارمة على امتداد العالم الإسلامي، في حين قال آخرون إنه من إنتاج القس الأميركي تيري جونز الذي أثار غضب المسلمين في نيسان الماضي حين أحرق نسخاً من القرآن الكريم.

وفي الواقع، فإن فيلم «براءة المسلمين» من إنتاج وإخراج سام باسيل (54 عاماً)، وهو إسرائيلي ـ اميركي، يدير شركات عقارية، ويقيم في جنوب كاليفورنيا.

وأقرّ باسيل، في حديث إلى صحيفة «وول ستريت جورنال»، بأنه هو الذي يقف وراء الفيلم، مشيراً الى انه جمع خمسة ملايين دولار من مئة يهودي ـ لم يحدد هوياتهم ـ لتمويله.

 

 

وقال باسيل إن 60 ممثلاً، وفريقاً من 45 شخصاً، شاركوا في فيلم «براءة المسلمين»، الذي يستغرق قرابة ساعتين، مشيراً إلى أن تصويره استغرق قرابة ثلاثة أشهر، وقد تم ذلك خلال العام الماضي في كاليفورنيا.

ويبدأ الفيلم بمشهد اعتداء مجموعة من المسلمين المتطرفين في صعيد مصر على صيدلية لطبيب مسيحي، فيشعلون فيها النيران، مع تركيز على تواطؤ رجال الشرطة والجيش مع المهاجمين.

ثم ينتقل الى الحديث عن بداية قصة حياة النبي محمد، الذي جسد شخصيته ممثل أميركي بكثير من الابتذال، حيث يقدم صورة سلبية تماماً، تكذب وحي السماء. ويظهر الفيلم النبي على أنه مهووس بالشهوات الجنسية، ويقتل من دون سبب. كما يتضمن كلمات نابية، ولقطات فاضحة ذات طبيعة جنسية، ومشاهد تتضمن إهانات بذيئة للنبي والصحابة.

وفيما ذكرت وسائل إعلام أميركية وبريطانية أن باسيل توارى عن الأنظار بعد أحداث القاهرة وبنغازي، فقد بدا السمسار الإسرائيلي ـ الأميركي مصراً على استفزازاته، حين قال في حديث مع موقع «إسرائيل تايمز»، في مقابلة عبر الهاتف (من خط أرضي في كاليفورنيا)، إنه ينوي تصوير مسلسل من مئتي ساعة حول الموضوع ذاته.

وفيما نفى باسيل علمه بأن يكون قد طلب دبلجة الفيلم إلى اللغة العربية، فإن هذا العمل الاستفزازي قد وجد من يروّج له في العالم العربي. وفي هذا الإطار، نشرت مجموعة مما يسمّى بـ«أقباط المهجر»، وأبرزها المحامي موريس صادق، الذي نقلت عنه شبكة «سي بي سي» إقراره بالترويج للفيلم عبر مواقع الانترنت ومحطات تلفزيونية.

وما يضيف شبهات إضافية على الفيلم هو حصوله على دعم القس الأميركي تيري جونز، الذي أثار موجة من الغضب في العالم الإسلامي بعد حرقه نسخاً من القرآن الكريم في نيسان الماضي.

وبدا أن تداعيات الغضب الشعبي الذي فجره عرض الفيلم، وخصوصاً في بنغازي، قد شكلت صدمة للإدارة الأميركية.

وتعهد الرئيس الأميركي باراك أوباما بالعمل مع ليبيا على تقديم المهاجمين الذين قتلوا السفير الأميركي للمحاكمة.

أما وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون فتساءلت «كيف يمكن ان يحدث هذا؟ كيف يمكن ان يحدث هذا في بلد ساعدنا على تحريره، وفي مدينة ساعدنا على إنقاذها من التدمير؟».

وفيما شدد أوباما وكلينتون على عدم تأثر العلاقات الليبية ـ الأميركية بالحادث، ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن استهداف سفارتي الولايات المتحدة في مصر وليبيا سيؤدي على الأرجح إلى إعادة تفكير عميق في سياسة واشنطن تجاه البلدين.

من جهة ثانية، تأتي هذه الأزمة في توقيت حرج بالنسبة للرئيس المصري محمد مرسي باعتبارها أول اختبار له.

وفي ما بدا محاولة لاحتواء الموقف، دعت جماعة «الإخوان المسلمين» إلى خروج تظاهرات يوم الجمعة المقبل، والذي يتوقع أن يشهد احتجاجات في مختلف الدول الإسلامية، تتويجاً لتظاهرات انطلقت منذ يوم أمس في تونس وغزة والخرطوم والدار البيضاء.

(«السفير»)


 

Script executed in 0.17134213447571