أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

حزب الله (سلميّاً) على أبواب الـ«KFC»

الثلاثاء 18 أيلول , 2012 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,643 زائر

حزب الله (سلميّاً) على أبواب الـ«KFC»

صحيح أن معظم من نزل إلى الشارع يوم أمس لم يشاهدوا الفيلم «المسيء إلى الرسول»، ومنهم من يعترف بذلك بلا حرج، ولكنهم «سمعوا عنه ويثقون بالحزب». لا يمكنهم أن يكونوا خارج الإطار. «لبيك يا محمد». كان هتافاً موحداً، في الضاحيّة أمس، عاماً ومكرراً إلى درجة الرتابة. هتاف مقدس خرجوا ليعلنوه ولا شيء سواه. هذا هتاف مشابه لهتافات السلفيين. بيد أن فارقاً كبيراً بين «الأصوليتين». ليس معروفاً بالضبط، كم كان عدد السلفيين الذين «غزوا» الـ«KFC» شمالاً، لكنهم قطعاً أقل بكثير من عشرات آلاف مناصري حزب الله، الذين تظاهروا لثلاث ساعات، أمس، من دون «ضربة كف».

 

ومن المؤكد أن العف عن اللحى، والشعار المشترك المؤيد لنبي المسلمين، لا يعني التطابق. أمس، كان يمكن بوضوح مشاهدة الفتيات بثيابهن الملونة والجميلة، وشعورهن المصففة، بين الرافضات. كان من بينهم من «تكحلت» ومن حظيت بـ«بيرسينغ» في أنفها. إنه جمهور مختلف، يقدس الرسول، ولكنه، على ما يبدو، أقل تزمتاً.

مشى رجال دين سنّة وشيعة في التظاهرة. 6 و6 مكرر «مذهبي»، إلا أن الشعار يحتمل هذا التلاقي: «رفض الإساءة إلى النبي». وظهرت رايات بعضها لا يظهر. المغرب. تونس. سوريا. البحرين. إيران. لبنان. كانت أعلام فالتة من سطوة الأصفر. منذ الحرب الأخيرة، وعلم «الحزب» لم يسبح بهذه الكثافة على امتداد الضاحيّة الجنوبيّة، وفي شريانها: أوتوستراد السيد هادي نصر الله. يقيم الحزب مهرجاناته انطلاقاً من هناك، ويحيي ذكرى عاشوراء، وتحدث أمور كثيرة، يتلاقى فيها علما «القطبين» الشيعيين الكبيرين، «أمل» وحزب الله، إلا أن «الحشود» اعتادت أخيراً أن تجنح إلى ملعب الراية. معقل الحزب وساحته. ملعب الراية؟ «كان زمان». عصر أمس تجاهلت المواكب مفترق ساحة الحزب الأشهر، وتدفقت باتجاه الحدث. صعوداً من الكفاءات، مروراً بمحطة «جبل عامل»، وصولاً إلى الـ«KFC». الحرارة لاهبة والحشود كثيفة. الجيش أقام ثكنة في المطعم الأميركي الفارغ. هناك طاولات تنتظر المكسرين ومقاعد حمراء وثيرة خاف جالسوها من تكرار المشهد الشمالي، فغادروها قبل العصر. بيد أن شيئاً لم يحدث ولم يفكر أحد في عبور السياج الشائك الذي حاصر «الكنتكي». يسمونه هكذا في الضاحية: «الكنتكي»، ويفضلون هذا التعريب. هؤلاء هم ذاتهم الذين لوحوا بلطف للجيش المتحصن في المطعم، وفي الوقت عينه، سبّوا «أمريكا» حتى الثمالة. ولكنهم «سلميون». لم تصل التظاهرة إلى الحدث، ولكن الصوت كان قويّاً ومسموعاً. لا جديد تحت شمس الحزب: «كل مصائبنا من أمريكا». لم يتخلّ المناصرون بعد عن الشعار الخمينيّ، رغم التغيّرات التي عصفت بالمنطقة منذ «الثورة الإسلاميّة في إيران». وحتى الرجال الذين وقفوا على منصات مرتفعة، تلامس الغيم، ولقنوا المتظاهرين الشعارات، كانوا يشبهون الصورة النمطيّة عن «عنصر» حزب الله: لحى طويلة غير مشذبة، وقمصان طويلة مقلمة غالباً. رجال على هيئة الثوار الإيرانيين في نهايات السبعينيات، وشعارات يتفاوت قدمها، كما تتفاوت أصوات الهاتفين، بين المقسومين رجالاً ونساءً. «أمريكا الشيطان الأكبر». هذا ليس جديداً، وقيل كثيراً، مصحوباً بلازمة تقليديّة: «الموت لإسرائيل».

استمتع الحشد الضخم بالرفض. وإن يُقَل ضخم، فلذلك أبعاد ثقافيّة واجتماعيّة لا سياسيّة حصراً. كان واضحاً أنهم جاؤوا من أجل القائد. إنها «كاريزما» القائد ولا مفرّ من الاعتراف بذلك، تتجدد مع كل خروج له إلى الضوء. وإذا دعا نصر الله إلى تجمع، نضحت الضاحيّة بإنائها، وتكوم أهلها ولاءً لصاحب النداء. إنها «سيكولوجيّة الجماهير» المأسورة به، حدّ الهتاف وراءه أيّ هتاف يطلقه بالصوت الهادر عينه، وإشهار القبضات بعنفٍ لا يخلو من «نشوة» القوة، فكيف إذا كان الهتاف «روحيّاً» صرفاً، ويمسّ في أرواحهم مقدساً، لا يوازيه قداسةً إلا صورة «السيد» نفسه، وإرث النبي في النسب والعرف؟ كثيرون قالوا أمس، جئنا «من أجل السيد». هذا عامل رئيسي لا يمكن القفز عنه. «السيد» يقودهم لرفض «الإساءة إلى الرسول»، وهم الذين خرجوا ضد «الحلقة التلفزيونيّة» الشهيرة، لن يتأخروا لحظة واحدة في الخروج من أجل نبيّهم.

كان ذلك متوقعاً، غير أن العدد فاق توقعات المحتشدين أنفسهم. ظهوره لهم كمناصرين فوق العادة يمنحهم فرحاً إضافيّاً، يفيض عن الرضى بكثافة الولاء. بلمح البصر اكتشفوا أن السيد حسن نصر الله بينهم، وهذا يمنحهم ثقة مضاعفة، تذهل سرعة تفشيها في حناجرهم، كما تذهل خفة نصر الله نفسه في الظهور. «جاء السيد، إنه هناك» يقولون، ويشيرون بأصابعهم، كأنه كان ضائعاً ووجدوه. إنه الظهور الرابع بعد حرب تموز، ولكنه يبدو الأول بين الحاضرين، وهذه لهفة مبالغ فيها يصعب تفسيرها. أمس، ظهر للمرة الرابعة، قرب الـ«KFC» هذه المرة، ويا لها من مصادفة. وقف هناك، على منصةٍ شبه معلقة بين الأرض والسماء، واستقر في حجور عيونهم، الممتلئة به، يرمم شيئاً من ذاكراتهم، ويختفي.


Script executed in 0.16624999046326