الكرومبي معروف في الطريق الجديدة أكثر من بعض نواب تيار المستقبل. هناك نائب اسمه باسم رمزي الشاب، مثلاً. في الطريق الجديدة لا يعرفون وجهه. بعضهم يتذكر أنه أصلع، وبعضهم يسأل إن كان فعلاً «شاب» كما يوحي اسمه. العارف فيهم يخاله رجلاً «مهماً»، لكنه مهم «حاف»، بلا ظهو. في جولة، يتضح أن ما ينطبق على عمار حوري ومحمد قباني، الكهلين، لا ينسحب على الشاب. الشاب غريب في الطريق الجديدة، معقل المستقبل في «دائرة بيروت الثالثة». شابَ باكراً حتى اختفى من ذاكرة المقيمين في حاضر المنطقة المقدسة سياسيّاً.
إلا أن ثمة التباساً يستدعي احتمالات جديدة ووجوهاً منقّحة. يعرفون الكرومبي. صاحب نادي الحديد الشهير قرب الفاكهاني. «الفيزكجي»، الرجل «الطيب القلب» الذي «يمون» على 120 شاباً فلسطينيّاً ولبنانيّاً. وكما تقول «الأسطورة» البيروتيّة المنقولة عبر ألسن شباب «طريقها» الجديدة، فإن الكرومبي وجماعته حاسمون. الرجل يحبّ النائب سعد الدين الحريري مجاناً. منذ 2005 وحتى اليوم وهو ينزل إلى ساحة الشهداء بطيبة خاطر. ليس نائباً ليخطب بالحشود، ولا رئيساً أو وريثاً ليخلع الجاكيت أمامهم. ولكن من يعلم. لا تنقصه الشعبية ليصير واحداً. يوماً ما قد يصير الكرومبي نائباً. يثقون به، وهؤلاء الشباب يبدون صادقين فعلاً حتى عندما يقولون إن «السلاح الذي استخدمه الشباب ضدّ شاكر البرجاوي كان فرديّاً». وطبعاً، السكاكين سلاح فردي أيضاً، وقد استخدموه في الخلاف الأخير، لحماية «مراهق طلب حماية الكرومبي من شباب شارع الجزار». كل شيء يبدو فرديّاً في الطريق الجديدة بعد انهيار «السكيور». قبل 7 أيّار، كانت الطريق الجديدة بأسرها في «السكيور». الشركة الأمنيّة الحريرية الغنيّة عن التعريف. أحد شبان المنطقة الذي عمل في الشركة، فعرفها، يقول ذلك بثقة تلامس الجزم. بعد انهيار مؤسسة المستقبل الأمنيّة، انهارت «مركزيّة الأمن» في معقل التيار. في الأساس، كان عمل الشركة غير معقّد. نوبات «حراسة» عاديّة على تقاطعات رئيسيّة في بيروت. نوبات بلا فحوى. مشهد يحاكي صورة نمطيّة أخرى مأخوذة عن أحزاب أخرى أكثر قوة. كانت تمتد هذه النوبة من ثلاث ساعات إلى ست، ويكون موقعها النويري، البسطة، أو كورنيش المزرعة، أو حيّ آخر يحضر فيه المستقبل شعبيّاً. اليوم، يعرف هذا الشاب شباناً يجمعون المال في ما بينهم «يشترون به الهواتف اللاسلكيّة وما تيسّر». تيتّموا بعد «السكيور». وفي الواقع، ثمة من يعتقد أن التيار الحريري صار تياراً «نخبويّاً»، أقرب إلى نادٍ منه إلى حزب شعبي، فلم يعد فيه إلا قرّاء الصحف وربطات العنق. في رمضان المنصرم، لم توزع «كرتونة» إعاشة واحدة في الطريق الجديدة. وربما، لهذه الأسباب، ظهرت «البُوَط» وعلى رأسها «القبضايات الجدد». وبموازاة هذا، لم يعد العلم الأزرق «يخيف الخصوم»، فاستعيض عنه بالعلم الأسود. هذا ما يقوله شباب من المنطقة. لكنهم قطعاً ليسوا سلفيين. مثالهم الأعلى «آل كابوني» فكيف يكونون سلفيين؟ الكرومبي خارج هذه الحسابات، لكنه «رقم صعب». حاله حال ثلاثة وجوه أخرى.
«العميد الجمل» مرآة المستقبل في الطريق الجديدة. يجوب شوارعها بسيارته، وينزل ليصافح أهلها، سائلاً إياهم عن «الأحوال». ينقل مقربون منه أنه «لا يرى جدوى في تسليح شباب المنطقة ضدّ شبان المناطق المجاورة»، لأسباب عدّة، ما «يغيظ الشباب منه». ربما لأنه كان عميداً في الجيش يبدو أقل حماسةً من الآخرين «لقتال الشوارع»: «سيكون خاسراً في جميع الحالات». ولكن، رغم النقمة الخفيفة على الرجل، فإنه لا يزال يحظى بسمعة طيبة، وقد أسهم حضوره في حلّ الإشكال الأخير بين الكرومبي وحيّ الجزار. كما ينقل المقربون منه أنه على علاقة وثيقة بمجموعة كبيرة من الشبّان في «أبو سهل». وهذا الحيّ، كما تشير اللافتة العملاقة التي علقت أخيراً قرب مسجد الإمام علي بن أبي طالب، هو «مفخرة» الطريق الجديدة، ومنه انطلقت جماعة «فهود الطريق الجديدة» الشهيرة. اختفت المجموعة وبقيت اللافتة: «شكراً لأبطال أبو سهل». كان دور هؤلاء فعالاً في «طرد شاكر البرجاوي». وعندما سأل الجمل عن «وجود الشباب في المعركة»، قال له متحمسون: «لو كان نصف هؤلاء موجوداً في 7 أيّار لدخلنا إلى بربور». ما زال وقع السابع من أيّار ثقيلاً في «عاصمة المستقبل». منهم من يجرؤ ويعلن: «لا نريد وظائف، نريد سلاحاً».
صاحب الإكسبرس (كان) يعرف السلاح. إنه «الزغلول». أحد أقدم وجوه المنطقة. كان مقاتلاً في صفوف «المرابطون» ويُحكى أنه كان شرساً. عمل مع «تيار المستقبل» لفترة طويلة، غير أنه معروف الآن بولائه للمرشح السابق للانتخابات النيابيّة، رئيس حزب «الحوار»، فؤاد المخزومي، وبدأ يحيط نفسه أخيراً بصور قائد الجيش العماد جان قهوجي. يقولون إن الرجل «قبضاي». يخافونه، لكنهم يحسبون له أنه «رفض إطلاق النار على أبناء منطقته». حدث ذلك طبعاً، أثناء حادثة البرجاوي المصيريّة!
حتى الآن، لا يعني العمل مع المخزومي شيئاً «إلا تعليق اللافتات». وفي أكثر من مرة، حدثت «مشادات» بين شبان المنطقة، مع آخرين حاولوا تعليق صور للرجل، وخصوصاً في شهر رمضان الأخير. في إحدى المرات، مازح شاب يعلّق صورة للمخزومي شباب الحيّ: «كما تعرفون المخزومي سيترشح مع الشيخ سعد في الدورة المقبلة، دعونا نستفيد. لن تخسروا شيئاً». هذه الدماثة المخزوميّة لا تقابل بالورود من المستقبل دائماً. فمنذ فترة غير بعيدة، جاء «جماعة المخزومي» بلافتاتهم، كالعادة، وحاولوا تعليق إحدى الصور قرب «مقهى الزكّور». وبطبيعة الحال، رفض الزكور، صاحب المقهى، والمعروف هو الآخر أنه «زعيم محلي». مُزقت الصور، وفي اليوم التالي، رفعت صورة للرئيس السابق سعد الحريري مكانها تماماً... «بمبادرة فرديّة»، يصرّ الشاب الذي نقل الخبر من تيار المستقبل.
لا يملك الكرومبي أو الزكور بطاقات انتساب إلى تيار المستقبل. لكنهما، ربما، عملياً، يقودان أكثر من نصف جمهوره. وللمناسبة، فإن الاختلاط في الطريق الجديدة، والفاكهاني تحديداً، بين الفلسطينيين واللبنانيين، من الطبقات المعدومة، عزز فرضيّة ظهور «القبضايات»، أحفاد «أبو الجواهر».