وحده صرخ صرخة الحياة، فيما كان والده المقدّم عباس جمعة يغمض عينيه ويلفظ أنفاسه للشهادة متأثراً بجروح أصابته خلال مهمة أمنية في الغبيري في 21 الجاري. ما من وجه يحدّق به إلا وجه أمّه التي مازالت قلقة على مصير الحبيب والزوج. هي التي لم تكن تدرك بعد أن آل جمعة الذين حضّروا المهد لمولودها الجديد، حملوا في اليوم نفسه نعش أبيه، وقد استُشهد في سبيل الوطن. في الغد ستحمل طفلها بين يديها وصورة والده في قلبها، ولن تحار أي قصة من قصص الأبطال ستروى للصغير، فبطله معروف وقد جعله يتنشّق الفخر ما إن صرخ صرخة الحياة. إذ كان من مصادفة القدر، كما أشار ممثل قائد الجيش العميد حسن ياسين في تشييع المقدّم جمعة الذي استشهد متأثراً بجروحه، فجر أمس، أن يرزق وزوجته «طفلاً في ليلة الشهادة هذه، وكأني به يقول ها دم أبي الطاهر ينبض في عروقي إخلاصاً واندفاعاً وحماسة، وخياري منذ الآن أن أحلّ في يوم من الأيام مكانه في جيش الوطن، فأهتدي بمآثره وأقتفي خطواته على طريق الشرف والتضحية والوفاء».
بالأمس شُيّع المقدم جمعة في حضور النائب هاني قبيسي ممثلاً رئيس مجلس النواب، ورئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» محمد رعد ووزير الصحة علي حسن خليل، وعدد من النواب والشخصيات السياسية والعسكرية والأمنية والحزبية.
وواكبت مجموعة من الشرطة العسكرية في الجيش جثمان الشهيد لدى خروجه من المستشفى العسكري، وأدّت وحدة من فرع مكافحة الإرهاب والتجسس في مديرية المخابرات مراسم التكريم. ولدى وصوله إلى «مجمع الإمام الصدر» في روضة الشهيدين، جرى تقليده أوسمة الحرب والجرحى والتقدير العسكري من الدرجة الفضية.
ونوّه ممثل قائد الجيش العميد حسن ياسين في كلمة بمناقبية الشهيد وإخلاصه للجيش وتفانيه في أداء واجبه العسكري، معتبراً «أن قدر أبناء المؤسسة العسكرية منذ لحظة انضوائهم تحت رايتها وأدائهم القسم الكبير، أن يحملوا دماءهم على الأكف، ليرووا بها تراب الوطن ويفتدوا اخوتهم في المواطنية، كلما أحاطت بهم رياح الخطر ودهمتهم الشدائد والمحن».
ثم ألقى المفتي أحمد قبلان الذي أمّ المصلين على جثمان الشهيد، كلمة اعتبر فيها «أن من قتل عباس جمعة ليس شخصاً عادياً، إنها حالة شيطانية يعيشها لبنان من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، وكل من يساهم في استمرارية وجود هذه الحالة هو شريك في قتل عباس جمعة». واعتبر أنه على الدولة اللبنانية والقيادات السياسية أن تتحمّل المسؤولية وأن تضع حداً لما يجري كي لا نذهب إلى الانهيار».
وقد قدّمت مديرية التوجيه نبذة عن حياته أشارت فيها إلى أنه حائز أوسمة عدة وتنويهاً من قائد الجيش وتهنئته مرات عدة. وتابع دورات دراسية في لبنان والخارج. وتطوّع في الجيش بصفة تلميذ ضابط في العام 1993، ورقي إلى رتبة ملازم اعتباراً من العام 1995، وتدرّج في الترقية إلى رتبة رائد اعتباراً من العام 2009، ثم رقي إلى رتبة مقدّم إثر استشهاده. وهو متأهل وله ولدان.
وتقدّم رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي من قيادة الجيش وآل جمعة بالتعزية وأشار إلى أنه «في كل مرّة يتعرّض فيها الوطن لخطر أو تهديد، يجد اللبنانيون جميعاً في الجيش الملاذ الآمن لحمايتهم والدفاع عن وطنهم وسيادته واستقلاله، وحماية السلم الأهلي».
وتقدّمت الأمانة العامة لـ«قوى 14 آذار» بالتعازي من قيادة الجيش وأهل المقدّم، مؤكدة في بيان صادر عنها أن «بسط سلطة الدولة على كامل التراب اللبناني كان ولا يزال أحد المبادئ الأساسية التي تناضل من أجلها قوى 14 آذار».