فيما عيّن الرئيس سعد الحريري عشرة أعضاء. منهم من لم يكن وجهاً بارزاً، ولا حتّى معروفاً في الأوساط السياسية للتيار. جاء بهم «الزعيم» لاعتبارات مناطقية، كريّا الحسن (من طرابلس) ومحمد مراد وغسان المرعبي (من عكار)، إلى جانب علي حمادة، الذي أثار تعيينه غضب النائب وليد جنبلاط، على اعتبار أنه «من البيت الاشتراكي لا المستقبلي».
أحمد فتفت أيضاً، عُيّن ممثلاً لكتلة المستقبل النيابية. حسان الرفاعي، رضوان السيد، محمد السماك، وليد النقيب، غسان بلبل. كلّهم أعضاء في المكتب السياسي، بالاسم لا بالممارسة. خلفهم، يأتي سليم دياب، وهو من القلّة التي لم ينقطع حبل التواصل بينها وبين الحريري في منفاه الباريسي. مع العلم أن دياب من الأشخاص غير المرغوبين بين «الزرق». تهمته أنه يتحمّل مسؤولية الضعف والتفكك اللذين عاناهما التيار، ولا يزال، فضلاً عن «تعامله الفوقي مع القياديين والمحازبين فيه».
هذا في الشّكل. أما في المضمون، فثمة مشاكل جمّة يُعانيها هذا المكتب، الذي لم يُلمّ شمل أعضائه في لقاء جماعي واحد منذ فترة طويلة. لم يُمارس هؤلاء مهماتهم منذ أكثر من عام، قبل أن «يطير» سعد الحريري بدواعٍ أمنية وسياسية. يؤكّد عدد كبير منهم أن «مكتبهم لا يُمكن أن يجتمع بصورة رسمية في ظل غياب الشيخ سعد». لكن الحوار والتواصل والنقاش بينهم لا يزال «ساري المفعول».
«المشهد في تيار المستقبل ليس دراماتيكياً على المستوى السياسي كما يحاول البعض تصويره». يقلّل الأعضاء المحسوبون على هذا المكتب من أهمية «انعقاده». فالدور المقرّر لهم يُمارس على أكمل وجه. كيف لا، والمواقف السياسية لهؤلاء لا ينقطع حسّها. مع العلم بأن وظيفتهم كأعضاء هي الاجتماع الدائم واتخاذ القرارات ومتابعة تنفيذها، ووضع خطة عمل للتيار، وتقديم تقارير دورية عمّا أُنجز في خطّة العمل الموضوعة. هم إذاً أعضاء مع وقف التنفيذ، إلا أنهم «في حالة استنفار قصوى لمواجهة الفريق الآخر بالتصريحات والمواقف على مدار الساعة، ولا شيء آخر».
بطبيعة الحال، لا يرى سياسيو «المستقبل»، ومنهم أعضاء المكتب في عدم انعقاد مجالسهم أزمة، وخصوصاً أن «الكتلة النيابية لتيار المستقبل تجتمع على الدوام»، وهي «تحلّ اليوم مكان هذا المكتب، إن من خلال اجتماعها الأسبوعي أو إصدار البيانات الدورية، برئاسة الرجل الثاني في التيار الرئيس فؤاد السنيورة». كذلك فإن الأعضاء المعلقّة عضويتهم داخل المكتب «ليسوا مغيبين عن العمل السياسي داخل التيار»، فهم «يحضرون في اجتماعات الكتلة النيابية وكل اللقاءات التي يُدعون إليها»، فضلاً عن أنهم «يبرزون في الصفوف الإعلامية الأولى»، كأنهم «معتَمدون متحدثين باسم تيار المستقبل».
قفزة صغيرة فوق كل تلك التبريرات، ومقارنة بسيطة مع واقع المكاتب السياسية في الأحزاب والتيارات الأخرى، كفيلة بإظهار حجم «التلاشي» الذي يعانيه تيار المستقبل على مستوى هيكليته التنظيمية. فحزب الكتائب مثلاً، يفرض على مكتبه السياسي الاجتماع أسبوعياً، في لقاءات يناقش فيها الأعضاء الطوارئ المحلية والإقليمية وحتّى الدولية، كواجب حزبي يحافظ المكتب من خلاله على مكانته المؤثرة. فيما يكثّف حزب الله اجتماعات مكتبه السياسي أسبوعياً، تماشياً مع ما تفرضه الأحداث. وأعضاء المكتب السياسي لحزب الله، يمسكون ملفات سياسية جدية، تشمل العلاقات السياسية للحزب بمختلف القوى، فضلاً عن أن رئيس المكتب السياسي هو عضو في مجلس شورى الحزب، أي هيئة اتخاذ القرارات.
من هنا، يخرج أحد النواب المستقبليين من دائرة الحديث الفضفاض عن رئيس التيار ورئيس المكتب السياسي «المغيّب» الذي «لم يأتِ لنا بجديد منتظر أو قرار يُفيد تياره، سوى المزيد من المماطلة». طبعاً يبقى هذا السبب «تفصيلاً» صغيراً في المشهد «المستقبلي» العام.
العودة إلى الأزمة المالية، طريق أساسي لا بدّ من المرور به قبل التطرّق إلى الأسباب الفرعية المتشعّبة. يُشير نائب المستقبل إلى تأثير الأزمة المالية على جميع العاملين، ومن ضمنهم أعضاء المكتب السياسي. وهنا، «لا نتحدث عن مكافآت أو تنفيعات أو مخصصات مالية، بل عن الحق الطبيعي لموظفي التيار في تقاضي رواتبهم». وجدير بالذكر أن هؤلاء «ينتظرون مستحقاتهم منذ أكثر من شهرين». ينسحب هذا الأمر سلباً على «همّة» الأكثرية في التيار، التي باتت «ثقيلة» نوعاً ما.
غوص بسيط في التفاصيل يفضي إلى الكشف عن سبب آخر يعوق اجتماع هذا المكتب الذي صار أقرب إلى نادٍ سياسي عُيِّن بعض أعضائه كنوع من الترضية. للأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري، الباحث منذ فترة عن زعامة حقيقية في المساحة الزرقاء، رغبة دائمة في ترؤس اجتماع المكتب السياسي لتيار المستقبل. إلا أن يد سعد المرفوعة دائماً بحق «الفيتو» تقطع على أحمد رغبته.
يتحدّث مستقبليون عن «غياب الثقة بأحمد الحريري الذي لا يملك، في نظر سعد، خبرة سياسية كافية لإدارة هذا المكتب»، وخصوصاً أن «الأعضاء فيه يسبقون ابن بهيّة سياسياً بأشواط». وعلى الرغم من أن «أحمد الحريري يحاول منذ فترة إبراز نفسه في الساحة الصيداوية، سواء على صعيد العلاقات مع أبناء المدينة، أو الانفتاح على العديد من القوى السياسية والإسلامية فيها»، وأن هذا الرصيد الذي يجهد الأمين العام الشاب في بنائه لم يشكّل أي قيمة إضافية عند «سعد» الذي أعطى هذا المكتب إجازة مفتوحة حتّى إشعار آخر.