أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

السعوديّة: انفتاح على الشيعة

السبت 29 أيلول , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,853 زائر

السعوديّة: انفتاح على الشيعة

 

بأسلوب القفز بالمظلات، استدرك رئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة حيثية له في عملية الانفتاح المحسوب المتبادل بين السعودية ورئيس المجلس النيابي نبيه بري. وفي المحصلة، نجح السنيورة في حفظ دور له، داخل رهان كبير، وهو أن يكون الرقم «السني الإيجابي»، في اللحظة السعودية الراغبة في إنتاج شبكة أمان لبنانية تحول دون انفلات الاحتقان السنّي _ الشيعي من عقاله، في حال احتدم الوضع أكثر في سوريا، أو في حال سقوط النظام، وتوقعها أنه قريب، وحصل ردّ فعل على ذلك من جانب حلفائه في لبنان.

لقد أفاد السنيورة من التصاق الرئيس سعد الحريري بجزء من سياسة السعودية التي تريد إسقاط الأسد بأي ثمن، وفي المقابل نأى بنفسه عن جزء آخر منها مروحة أهدافه أوسع، إذ يسعى، إضافة لدعم المعارضة السورية، إلى إعطاء الأولوية الأساسية لتحصين الوضع الداخلي للمملكة، وبناء صلات لخفض التوتر مع الشيعة في كل الدول العربية، لإشاعة مناخ في المنطقة يساعد جهود الحكم السعودي على قطع الطريق أمام إمكان حصول «فايسبوك شيعي» في السعودية.

لكن كيف تشابكت خيوط هذا السيناريو المركب ليصبح المشهد السياسي الآن محل «دينامية» حوار لإنتاج اعتدال لبناني، يجلس على المقعد الممثل للسعودية فيه السنيورة، وليس الحريري، قبالة بري؟

أمران يقفان وراء هذا التحول، بحسب قراءة خليجية. الأول، يسمى اصطلاحاً «لحظة الأمير سلمان» في السعودية. وهي مرحلة انفتاح مستجدة للأسرة المالكة على شيعة السعودية في المنطقة الشرقية. فالعلاقة بين الطرفين، خلال ولاية سلف سلمان الأمير نايف «المتشدد دينياً»، كانت مثقلة بانعدام الثقة. وبمجرد غياب الأخير عن المسرح، حدث، أقله، انفراج « نفسي» فيها، وزاد من مراكمته إيجاباً أن سلمان يتّصف بأنه عقلاني ومرن واحتوائي في نظرته إلى ملف الأزمة الشيعية في السعودية. زد على ذلك أنه لم يقطع شعرة معاوية مع وجهاء في المنطقة الشرقية.

الأمر الثاني عودة وزير الإعلام السعودي عبد العزيز خوجه، ولو من باب المساحة المتبقية له من فسحة انشغالات الأمير بندر بالملف السوري والإيراني، إلى دائرة الأشخاص الذين أعاد الملك عبدالله تكليفهم بالملف اللبناني، انطلاقاً من أن حال العلاقة بين السنّة والشيعة في لبنان تؤثر على العلاقة بين الحكم السعودي ومواطنيه الشيعة.

ومن وجهة نظر هذه القراءة، فإن الملك عبدالله، الذي يدير لعبة الإفادة من كل خيوط أجنحة الأسرة المالكة، مهتم بتعميم «لحظة الأمير سلمان» لتشمل علاقات المملكة بشيعة لبنان أيضاً، وعلاقات الأخيرين بشركائهم السنّة اللبنانيين.

وتلفت هذه القراءة إلى المعنى السياسي لاتصال عسيري ببري، بعد خطابه في النبطية لتهنئته على مضمونه. وأيضاً، كيف أن السنيورة تلاه في الاتصال، ما عنى أنه تعبير لبناني عن انفتاح السعودية على مضمونه. والأهم، هو أن السنيورة كان الوحيد الذي هنّأ بري على خطابه، من بين كل زعماء السنّة في لبنان، ما عنى أنه الوحيد الذي تلقى إشارة سعودية إلى ضرورة أن يكون على خط ذبذبات الإرهاصات الاولى للعلاقة المستعادة بين عين التينة والرياض، وأن يواكبها.

 

الحريري منقطع عن الواقع

 

قبل أيام قليلة من هذا التطور، كان النائب وليد جنبلاط يجالس الحريري في باريس. وكعادته استهل الحريري اللقاء بعتاب مرير، ثم طرح على جنبلاط فكرة لا يملّها، وهي الاستقالة من الحكومة لحرمان 8 آذار من الإشراف على انتخابات صيف 2013. حاول جنبلاط إقناعه بأن مشروعه لإسقاط الحكومة الآن غير منطقي، وهو مغامرة أمنية وسياسية، وأن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي باق حتى نهاية العهد. واقترح جنبلاط بدلاً من كل ذلك «إنشاء تحالف، بيننا، بأجندة من بنود أخرى، تتضمن بناء جبهة سياسية ضد النسبية، وتحالفاً انتخابياً بين المستقبل والاشتراكي، وعندما نفوز في انتخابات 2013، وسنربح، نذهب إلى حكومة من لون واحد». وعندما بدا لجنبلاط أن محدثه لا يلتقط منه خلفيات حديثه، قال له بما معناه لنحتكم إلى الملك عبدالله، «ففي حال طلب مني أن أستقيل الآن من الحكومة، فسأفعل».

بعد رد فعل عسيري والسنيورة على خطاب بري في النبطية، فهم الحريري معاني حديث جنبلاط معه، وأدرك متأخراً أن زيارة الوزير علي حسن خليل، معاون بري، للسعودية ليست كما «علم واعتقد»، حين حصولها، بأنها خالية من أي معنى سياسي.

تفضي الوقائع الآنفة إلى أن الحريري منقطع عن واقع ما يجري. فمناوراته الأخيرة التي حاول فيها وضع عربة انتخابات رئاسة المجلس النيابي أمام حصان الانتخابات النيابية للضغط على بري، حققت نتائج عكسية، بدليل أن جفاءه لبري جعل السعودية تقدّر أن السنيورة، وليس الحريري، هو الشخص الصالح للتواصل مع بري.

 

السنيورة في مقابل الحريري

 

وفي لقائه الأخير مع بري، أكد السنيورة «استمرار التواصل»، وهي العبارة التي تعبر عن ماهية دوره في هذه اللحظة، كمكلف من قبل السعودية بترجمة الانفتاح الجديد بينها وبين بري، وضمن هذا التواصل يحاول السنيورة ترميم دور له داخل المعادلة السعودية في لبنان، من خلال إظهار جدارة في إيجاد حلول لثلاثة أمور لبنانية، أكثر من مهمة محلياً وإقليمياً ودولياً: قانون الانتخاب، وغاز المتوسط، وضبط الأمن المذهبي تحت شعار النأي بالنفس.

وعند هذه النقطة تبدأ لحظة تنافس صامت لأجندة الطموحات الشخصية بين السنيورة والحريري، ضمن سباق شخصيات 14 آذار السنيّة، لنيل قصب اعتراف الرياض بها، كمتقدمة بين متساويين في تنفيذ تكتيكاتها السياسية في لبنان.

وتقول شخصية خليجية راصدة لهذا الأمر إن خط السعودية _ بري المفتوحة إرهاصاته، اليوم، يتفاعل بغطاء من الملك عبدالله، وبروحية رؤية الأمير سلمان، ويشرف على هندسة معادلة تجسيده سعودياً الوزير خوجة، ويتابعه السنيورة مع بري في لبنان، بتكليف له «أمر واقع» انتزعه من الرياض.

من جانبه، يتحرك الحريري، بحذر، لتنفيذ انقلاب معاكس على هذا المحور، من خلال الاستعانة بثقل رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان في الملف اللبناني _ السوري. فالأخير فيما لو استماله الحريري لإقناع الملك بأن جهود خوجة _ السنيورة لن يكون لها فائدة سوى إعطاء حزب الله قدرة على شراء الوقت السياسي الصعب، فإنه سيعيد لنفسه احتكار تنفيذ كل المهمات السعودية في لبنان، وسيعيد السنيورة إلى حجمه الطبيعي، كمتلقّ لتعليماته، وليس لتعليمات الرياض. وتدلل هذه الشخصية على بدء هذا التنافس بالإشارة إلى أن النائبة بهية الحريري لم تبادر إلى الاتصال ببري بعد خطاب النبطية، لأنها تجنّبت تغطية أي حراك انفتاحي بين بري والسعودية لا يكون عنوان تنفيذه سنيّاً في لبنان ابن شقيقها سعد. وأشار إلى أن عائلة بهية تعيش حال إرباك على مستوى سؤال، لماذا لا يزال سعد في المنفى السعودي؟ والآن يتعاظم القلق العالق بهذ السؤال، بعدما ظهر أن السنيورة بدأ بمحاولات ملء الدور السعودي في لبنان، الذي احتكره الحريري لنفسه. وما يزيد قلق العائلة، ودائماً الكلام للشخصية الخليجية، أن الحلقة الضيقة حول الحريري وصلت إليها إجابة الملك عبدالله له خلال هذا الصيف، عندما سأله «أن يأذن له بالعودة إلى لبنان»، فرد الملك «لا يمكننا في السعودية تحمل كارثة ثانية» (يقصد أن يُغتال كما اغتيل والده). ويختم المصدر بأن سعد بدأ يشعر بأن شعار الحفاظ على حياته، كما تطرحه السعودية، صار له ترجمة عملية واحدة، وهي بقاؤه في المنفى، مع إضافة وهي أن الرياض بدأت تحيل الكثير من ملفاتها السياسية في لبنان على شخصيات أخرى. ويخشى الحريري تعاظم دور هذه الشخصيات، ونجاحها في إثبات جدارة في تنفيذ مهمات الرياض اللبنانية، ما يجعل الأخيرة تعتاد العمل معها على حساب موقعه.

 

هل ينجح الحريري في إقناع بندر؟

 

بحسب الشخصية الخليجية، «هناك سمتان اثنتان ثابتتان في شخصية بندر الأمنية والسياسية، تحددان الإجابة عن السؤال الآنف. الأولى أنه منذ عودته الفعلية إلى السعودية بغطاء كبير من الملك، يرفض التعامل مع لبنان كملف منفصل عن الأزمة السورية، بل يعتبره ملفاً تابعاً له. ولذلك فإن بندر غير معني، سلباً أو إيجاباً، بتكتيكات سياسية سعودية تجري الآن في لبنان، بتكليف من الملك، ينفذها خوجة. وفي المقابل، السمة الثانية لبندر هي أنه شخص براغماتي، ومترفع عن حساسيات المحاور داخل أجنحة الأسرة الحاكمة، بدليل أنه «سديري» ومع ذلك محسوب على الملك غير السديري. ووراء جزء مهم من أسباب عودته أميركياً وسعودياً، العمل على توريث سلس للسلطة بعد عبدالله، وفق التراتبية العائلية التي تعاني الآن من خلل ملحوظ. ولذلك لا يتوقع أن يقحم بندر نفسه في هذا الملف، علماً بأن كل ما تقدم لا يلغي حقيقة أنه يعتبر الأهم لعائلة الحريري في السعودية، منذ أيام الرئيس رفيق الحريري. ولكن يجب التمييز في مهمات بندر الحساسة بين عبارتي صديق وحليف.

وتختم الشخصية عينها «حتى الآن، لا يوجد دليل داخل السعودية يفيد بأن الرياض تفضّل في لبنان شخصية أخرى سنيّة على سعد الحريري، ولكن كما تقول الأمثولة المعروفة: الطبيعة تكره الفراغ». ومشكلة الحريري الآن تكمن في أن السنيورة وميقاتي، كل من جهته، يحاول ملء الفراغ السنّي والسعودي في لبنان. وفي حين تدلل الوقائع على أن ميقاتي يشكل منافساً دولياً للحريري في لبنان، فإن السنيورة يشكل منافساً دولياً، وهو يتقدم ليشكل أيضاً منافساً سعودياً، للحريري.

 

رهانات الحريري وأنياب المملكة

 

نقطة التفاؤل لدى مواكبي حوار بري _ الرياض المستعاد تكمن في أنه ينطلق من الروحية الإيجابية التي سادت لقاء جدة بين الرئيس الإيراني أحمدي نجاد والملك عبدالله. أما الرئيس سعد الحريري فيراهن على أن حوار بري ووزير الإعلام السعودي عبد العزيز خوجة ليس إلا سحابة صيف، وأن قراءة واقع العلاقة الإيرانية السعودية لا تبدأ من لقاء جدة، بل من مقاطعة الرياض للقاء الرباعية من أجل سوريا الذي دعت إليه طهران في القاهرة.

من المبكر التوقع إلى أين يصل الانفتاح السعودي الجديد، لكن الشخصية الخليجية تشير إلى نقطة يبدأ منها الانفتاح، وهي رؤية الأمير سلمان للاستراتيجية التي يجب أن تنتهجها الرياض في حمأة الأزمة السورية. وتعبر عنها الواقعة الآتية: «بعد آخر فيتو روسي في مجلس الأمن لمصلحة الرئيس بشار الأسد، انفعل الملك عبدالله، ودعا العالم إلى إنصاف المظلومين. وهنا شاع في كواليس المملكة أنه لأول مرة أصبحت للسياسة السعودية الخارجية أنياب مقاتلة. على الأثر أوضح سلمان لصحافيين موثوقين منه أنه يجب ألا يحمّل كلام سيدي الملك أكثر مما يقصده ضميره الحي، فنحن في السعودية لن نقاتل في سوريا، لأن أولوياتنا الآن محصورة في الاهتمام بأوضاعنا الداخلية وما يؤثر عليها، إقليمياً وخارجياً».


Script executed in 0.19247698783875