أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

بين أقليتين... أقلية ثالثة أصغر تصــنع الأكثرية

السبت 29 أيلول , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,396 زائر

بين أقليتين... أقلية ثالثة أصغر تصــنع الأكثرية

بات الجدل الدائر حول قانون الانتخاب عالقاً على ما يريده رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، الذي يتفرّد بالإفصاح، صراحة، عن تمسّكه بقانون 2008، ورفض اقتراحات قوى 8 و14 آذار. وقد لا يكون جنبلاط وحده المصرّ على قانون 2008، إلا أنه الأكثر وضوحاً في تحديد موقفه، من غير أن يُجهد نفسه في مناورة سياسية بالتصويب على اقتراح من أجل أن يصطاد آخر. وكما في كل مرة عند وضعه، منذ حقبة الوجود السوري في لبنان، لا يُبصر قانون الانتخاب النور بلا موافقة جنبلاط، وبلا اطمئنانه الحقيقي إلى كتلة نيابية لا يدين بها لأحد. لا أصوات السنّة، ولا الأصوات المسيحية.

دار مقص التقطيع بين قوانين 1992 و2000 على كل الدوائر سوى الشوف. في أحسن الأحوال كان يُضاف إليه قضاء عاليه كي يشكّلا دائرة انتخابية واحدة. لا يُجتزأ مجدّداً كما في قانوني 1953 و1957، ولا يواجه منافسين جدّيين.

وقد تكمن الحجّة المضمرة في تعلّق جنبلاط بقانون 2008، كنسخة معدّلة عن قانون 26 نيسان 1960، في أن الرئيس فؤاد شهاب قدّم إلى والده كمال جنبلاط، لأول مرة، قضاء الشوف دائرة انتخابية بمقاعدها الثمانية هدية سياسية ثمينة، مثلما قدّم إلى الشيخ بيار الجميّل لأول مرة هدية مماثلة، هي الدائرة الأولى من بيروت، بمقاعدها الثمانية في القانون نفسه.

لكن موقف الزعيم الدرزي يبدو اليوم الأكثر إرباكاً للأفرقاء الآخرين، وأخصّهم الذين يدعمون اقتراحات تقسيم الدوائر الانتخابية، صغرى أو أصغر أو نسبية وسطى أو نسبية مصغرة، من دون أن يمتلكوا الغالبية النيابية للتصويت عليه.

بذلك يقيم الجدل الدائر حول قانون الانتخاب في بضعة معطيات، منها:

1 ـــ رغم وجود أكثرية وأقلية في مجلس النواب، إلا أن واقع توزّع القوى والكتل البرلمانية يشير إلى أقليتين نيابيتين، لا يسع إحداهما الإمساك بزمام نصاب النصف +1 لفرض قانون الانتخاب. بين هاتين الأقليتين، تحوّل جنبلاط بيضة القبّان. إلى حيث ينتقل يحمل معه الغالبية النيابية.

على نحو كهذا، تحوّل زعيم الطائفة الأقل عدداً في لبنان إلى صانع للأكثرية النيابية. من دونه لا يسع قوى 8 آذار إمرار المشروع الحكومي لقانون الانتخاب في صيغته الحالية (النسبية + 13 دائرة) أو في صيغة معدّلة (النسبية + 15 دائرة)، ولا حتماً مشروع اللقاء الأرثوذكسي إذا أيّده الحليف الشيعي يوماً ما. ومن دونه أيضاً، لا يسع قوى 14 آذار إمرار مشروع الدوائر الصغرى (الأكثري + 50 دائرة). هكذا أضحى الرجل الأقدر على التلاعب بالأقليتين الضعيفتين.

2 ـــ لن يوافق جنبلاط على قانون انتخاب ينتج أكثرية نيابية حقيقية في معزل عنه، أو عن تأثيره المباشر في توازن القوى، أو الإخلال بها. إلا أن هذا الهدف هو ما تتوخاه قوى 8 آذار بتمسّكها بالنسبية من أجل الفوز بغالبية لا تدين بها لجنبلاط، وقوى 14 آذار بتمسّكها بالدوائر الصغرى للسبب نفسه.

خَبِرَ الطرفان تلاعب الزعيم الدرزي بهما، فإذا به حاجة ملحة لكل منهما من أجل ترجيح وصوله إلى الحكم: عندما صنع الغالبية النيابية لحلفائه في قوى 14 آذار مرتين عامي 2005 و2009، وعندما صنع الغالبية النيابية لحلفائه أيضاً في قوى 8 آذار عام 2011. وهو اليوم يترجّح بين موقعين متناقضين يُغضبان الطرفين على السواء: في السياسة والمواقف والخيارات يضع جنبلاط نفسه في خانة قوى 14 آذار ويستفيد من شعبيتها، وفي السلطة هو جزء من الأكثريتين الحكومية والنيابية لقوى 8 آذار المعلقتي المصير على الزعيم الدرزي، مستفيداً كذلك من هذا الموقع للحصول على أوسع نطاق من المكاسب، لكنّ أحداً لا يتوقع، من الآن وإلى موعد انتخابات 2013، حسم جنبلاط خياره الأخير بينهما ما دام الصراع الدامي في سوريا لم يُحسم، وما دام الرئيس بشّار الأسد على رأس نظامه.

3 ــ لن يكون من السهل على أي فريق، بمَن فيه الذي يعتقد بأنه قد يحوز لاحقاً غالبية نيابية، إمرار قانون انتخاب ترفضه طائفة برمتها. لا قانون انتخاب بلا موافقة السنّة، ولا قانون انتخاب بلا موافقة الشيعة. لا يوحي فيتو كل من الطرفين على قانون انتخاب لا يوافقان عليه، بنزاع مذهبي بين الطائفتين الإسلاميتين، إلا أنه يشير حكماً إلى اتسام قانون الانتخاب بصفة ميثاقية تمنع أي فريق من الاستئثار به. لذلك لا تعدو النبرة العالية التي يتبادلها أفرقاء 8 و14 آذار، بإصرار كل منهما على اقتراحه لقانون الانتخاب، كونها شدّ عصب في مواجهة سياسية خاسرة، لأن أحداً منهما لن يسعه إرغام الآخر على التسليم بقانون كان قد رفضه.

هكذا تبدو الغالبية النيابية ـــ في أي فريق تجمّعت ـــ وهمية وعاجزة عن فرض قرار، على نحو مماثل لتجربة الانتخابات الرئاسية بين عامي 2007 و2008 عندما تبيّن أن الغالبية النيابية آنذاك وهمية، ولا يسعها تقويض مرتكزات ميثاقية كذلك الاستحقاق بانتخاب رئيس بالنصف +1.

بالتأكيد لا يحتاج قانون الانتخاب، كانتخاب رئيس الجمهورية، إلى ثلثي أصوات مجلس النواب شأن تصويت مجلس الوزراء عليه وفق المادة 65 من الدستور، لكنه، بالتأكيد أيضاً، يحتاج إلى غطاء سياسي يتجاوز ثلثي البرلمان بمعزل عن تصويت النصف +1 عليه لإقراره في الهيئة العامة. بعد أن يتوافقا على صيغة يَقبلان بها على الورق، يحتكم فريقا النزاع إلى القواعد والشارع والشعبية للوصول إلى الأكثرية النيابية. ذلك ما أخرجه فعلاً قانون 2008: وافقت قوى 8 و14 آذار عليه في اتفاق الدوحة وفصّلتاه لهما، وصوّتتا في البرلمان، ثم احتكمتا إلى صناديق الاقتراع التي أعطت، في انتخابات 2009، قوى 14 آذار الأكثرية النيابية.


Script executed in 0.17258095741272