شهدت محافظة عكار فصلا جديداً من فصول الحرائق المتنقلة، التي تخلف أضرارا جسيمة في الثروة الحرجية. ففيما كان البيئيون يعربون عن فرحتهم بانتهاء الصيف الحالي، بأقل خسائر ممكنة على غابات المنطقة، التي تشتهر بأشجارها النادرة والمعمرة، اندلع حريق كبير أمس الأول، في خراج بلدة عكار العتيقة، في منطقة تلة الشاكوش، سرعان ما امتد إلى منطقة زبود، الزواريب، وغابات حلبوسة، والقطلبة، في خراج بلدة القبيات.
وأتت النيران على مساحات شاسعة من الصنوبر البريّ. وخلفت العديد من الأضرار في الغطاء النباتي، الذي يشكل بيئة مكانية للكثير من الزواحف والحيوانات والطيور. وبالرغم من الجهود التي قام بها أهالي المنطقة والمنازل المجاورة، إلا أن كل محاولاتهم للسيطرة على النيران باءت بالفشل، حيث ساهمت الرياح الغربية الناشطة في الجبال والمرتفعات، والمترافقة مع ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة، بتوسع دائرة الحرائق، التي شملت مساحات شاسعة، امتدت إلى أكثر من 300 ألف متر مربع، لتشكل دائرة من اللهب، حاصرت ليلاً عددا من المواطنين، الذين كانوا يعملون على إخماد النيران بالوسائل البدائية المتاحة. فعمل آخرون على إنقاذهم بصعوبة بعد إصابتهم بخدوش وجروح طفيفة.
ومع تمدد النيران، صدحت المناشدات عبر جوامع البلدة، فهب المواطنون من مختلف الأحياء للمساعدة. كما حضرت سيارات الدفاع المدني، إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل. واستمرت النيران حتى ساعات الصباح، فتمت الاستعانة بطوافتين للجيش اللبناني، وبعناصر الجيش. كما حضر «الصليب الأحمر اللبناني»، الذي قام باسعاف، ونقل أكثر من سبع حالات إغماء واختناق. وجرى نقل عدد منهم إلى «مستشفى السلام» في القبيات للمعالجة.
وكشفت الحرائق التي اندلعت، عن النقص الفاضح في التجهيزات والعناصر البشرية لدى الدفاع المدني، حيث تنتشر في المنطقة سبعة عشر مركزا له، موزعة من العبدة حتى الحدود السورية في بلدة وادي خالد، إلا أن جميع تلك المراكز تعاني نقصاً فادحاً في التجهيزات، خصوصاً الصهاريج التي تعمل على تغذية الإطفائية بالمياه مع صعوبة تأمين مصادر ملائمة، وهو ما حال دون تمكنها من تقديم أي مساعدة فعالة.
ويمكن القول إن الخسائر أتت موجعة خلال السنة الحالية، حيث قضت الحرائق على آلاف الهكتارات في خراج بلدة عكار العتيقة والدورة الأسبوع الفائت. كما أتت على مساحات واسعة من بساتين اللوز والتين والفاكهة، التي تشتهر بها المنطقة. ولم تستطع الجهات المعنية من دفاع مدني وطوافات الجيش، إضافة إلى الأهالي الذين هبوا لحماية ممتلكاتهم من ألسنة النيران، التي كادت أن تدخل المنازل، من لجمها إلا بعد أن التهمت الأخضر واليابس. كما كان لبلدات الدريب الأوسط في كوشا، ومزرعة بلدة ... وبيت الحج، حصة من الحرائق التي قضت على أشجار اللوز والزيتون.
واستنكر الأهالي «اللامبالاة من قبل المعنيين في التعاطي مع مسائل بهذه الخطورة، حيث تم إرسال طوافتين عملتا لمدة قصيرة من ثم غادرتا. كما لم يسجل أي حضور لعناصر الدفاع المدني، بحجة وعورة الطرق»، مؤكدين أنهم عملوا طوال 24 ساعة على «محاولة تطويق النيران التي لا تزال مشتعلة بالوسائل البدائية لكن من دون جدوى».
وفي ذلك السياق، أكد «رئيس مجلس البيئة» في عكار الدكتور أنطوان ضاهر «أن ما يجري بحق غابات المنطقة لا يمكن السكوت عنه، حيث قضت الحرائق وأعمال القطع المنظمة، إضافة إلى الرعي الجائر على ما يزيد عن 30 في المئة من غابات المنطقة». وناشد الضاهر وزارة الزراعة والجهات المعنية «العمل على ضرورة تعزيز مهمة نواطير الأحراش والإكثار من عددهم، كي يتمكنوا من حماية أشجار عكار المعمرة، وتحديدا مع اقتراب موسم الحطب والفحم، الذي يعول عليه الكثير من التجار في المنطقة»، مؤكدا «أن هناك سببا وراء اندلاع الحرائق في هذه الغابات، خصوصا أن المنطقة التي اندلعت فيها النيران غير مأهولة والغايات باتت معروفة». ولفت إلى «أن المنطقة ستتحول إلى جرداء في حال استمرار الوضع على حاله، ويجب فتح تحقيق بهذه الحرائق ومعاقبة مفتعليها».
ويشير الضاهر إلى «أن خطوات جدية سوف نقوم بها كمجلس بيئة في الأيام المقبلة بهدف حماية ما تبقى من غابات المنطقة، ومنها القيام بحملة واسعة بمساعدة المجتمع المدني وفي المدارس، للمحافظة على غابات عكار الفريدة من نوعها، إضافة إلى مطالبة وزير الداخلية والبلديات مروان شربل، ووزير البيئة ناظم الخوري، بمنع إعطاء تراخيص تحت أي سبب كان، بإنشاء مقالع وكسارات، وعدم السماح ولغايات مشبوهة بإعادة افتتاح الكسارات الصادر قرار بإغلاقها في أكثر من بلدة ومنها بلدة تكريت». وقال: «إن ما يجري يحدث خللا في التوازن البيئي جراء القضاء على أنواع مفيدة من الحيوانات والحشرات والنباتات الصغيرة، التي غالباً ما تنقرض جراء النيران. كما أن عكار تخسر سنويا مئات الأشجار النادرة نتيجة الحرائق وأعمال القطع، وهو ما يجب أن يعالج بسرعة عبر إجراءات حاسمة من المفترض أن تتخذها وزارتا الزراعة والبيئة، لأن عكار معروفة بغاباتها الفريدة من نوعها وهي تشتهر بسياحتها البيئية».
وليلا لامست النيران المنازل السكنية في منطقة حلسبان، ما أثار حالة من الذعر بين المواطنين الذين ناشدوا الدولة وقيادة الجيش العمل على إرسال طوافات أو عناصر من الجيش للمساعدة في إخماد النيران خصوصا أن فرق الدفاع المدني لم تتمكن من الوصول الى مكان اندلاع النيران بسبب وعورة المنطقة وكثافة الأشجار، بينما أنهك الأهالي التعب جراء العمل المتواصل منذ ليل أمس الأول.