رحمة السماء التي نزلت ليلة أول من أمس مع زخات المطر الهادئة على بلدة حدث بعلبك، لم تخفّف من حقد المجرم الذي أمطر عائلة في البلدة بطلقات نارية قاتلة من «مسدسه الحربي». نفّذ القاتل جريمته بجرأة، وانسلّ بهدوء في عتمة تلك الليلة، مخلّفاً وراءه جريمة بشعة أودت بحياة محمد صبحي زعيتر (خمسون عاماً) ونجله أيلا محمد زعيتر (اثنا عشر عاماً)، في حين نجت الزوجة رنده بدري زعيتر (32 عاماً) بأعجوبة وقدرة إلهية، بعد إصابتها بطلق ناري في وجهها.
أيلا، «الفتى المشاكس» كما يطلق عليه أترابه، سقط مضرّجاً بدمائه على بعد متر واحد من والده. ابن الاثني عشر عاماً لن يجلس من جديد إلى جانب زملائه على مقاعد الدراسة في «مدرسة الراهبات السالزيان» في حدث بعلبك. بالطبع سيفتقده زملاؤه ومعلماته، لشقاوته وروحه المرحة التي سلبه إياها ذلك المجرم برصاصاته الثلاث، اخترقت اثنتان منها رأسه الصغير، في حين أصابته الثالثة في صدره لجهة القلب. قُتل من غير أن يعرف سبب قتله.
وقع جرائم كهذه في القرى، غالباً، يكون صداه أقسى مما لو حصلت في المدن. الكل هناك يعرف الكل، ومع فقد أحد، خاصة في جريمة، فإن الجميع يشعرون بأن الجرح قد أصابهم، وبأن القاتل قريب منهم. قد يكون بينهم في تلك اللحظات. فكيف إذا كانت الجريمة قد وقعت بعد أقلّ من عام على جريمة قتل شقيقي المغدور محمد؟
فمع انتشار الخبر المروّع في البلدة والقرى المجاورة، هرع الجيران والأقارب إلى مكان الجريمة بغية التأكد منه. حالة من الذهول والرهبة كانت تلفّ المكان لهول الجريمة وفظاعتها. بكت والدة محمد بحرقة كبيرة، كما شقيقاته. فها هو الابن الثالث في العائلة (والحفيد) يغادر الدنيا بالقوة. يصعب وصف المشهد، ولا يمكن التخفيف من وقع ما حصل إلا بمتابعة تقنية لمهمة القوى الأمنية «تلهي» المرء للحظات عن مأساته. فقد حضرت إلى المكان، بعد قرابة ساعة على وقوع الجريمة، دورية من مخفر حدث بعلبك، وقوة من الجيش اللبناني وآمر مفرزة استقصاء البقاع الرائد محمد عبود، إضافة إلى الأدلة الجنائية في الشرطة القضائية، وباشروا التحقيق في الجريمة. وكشف الطبيب الشرعي علي سليمان على الجثتين، ليؤكد بعدها إصابة المغدور محمد بطلقة خلف الأذن، وإصابة الفتى أيلا بثلاث طلقات، لتنقل بعد ذلك الجثتان إلى مستشفى بعلبك الحكومي بقصد استكمال الكشف عليهما، «ولتحديد أدق للمسافة التي أطلق منها النار عليهما من قبل الجاني» بحسب أمنيين.الجريمة البشعة التي حصلت قرابة الساعة التاسعة من ليل أول من أمس، على مصطبة صغيرة أمام الطابق الأرضي للمنزل، نفذت «بهدوء وحرفية»، كما يؤكد مسؤول أمني لـ«الأخبار». واستند الأخير في رأيه إلى «حرفية مطلق النار الذي أصاب أفراد العائلة بالرأس من مسدس حربي 9 ملم»، إضافة إلى «السرعة في التنفيذ»، والتي بدت معالمها واضحة من خلال عدم تحرّك المغدور محمد من مكانه، حيث كان يجلس على طاولة بلاستيكية، فيما كان الفتى أيلا يمسك بخرطوم المياه. أما الزوجة رنده فقد أطلق النار عليها داخل المنزل (في المطبخ المطلّ على المصطبة) لتصاب، بحسب المسؤول الأمني، بطلق ناري جانبي اخترق أسفل الأنف ليحطم الفك السفلي وتستقر الرصاصة في الرقبة. وقد تمكن الجيران وأحد أقاربها من نقلها بسرعة إلى مستشفى رياق العام حيث أجريت لها الإسعافات الأولية اللازمة وعملية جراحية، ولتنجو بأعجوبة ويصبح وضعها الصحي مستقراً. سيعود إليها وعيها، قريباً، لكن ابنها لن يعود. ستصحو على أوجع خبر لأم. لقد قتل ابنها.
إلى ذلك، لفت المسؤول الأمني إلى أن نقطة حراسة وضعت على غرفة زعيتر في المستشفى لكونها الشاهد الملك الذي «يعوّل عليه الكثير، إذ يمكن من خلال إفادتها التعرف إلى الجاني الذي ارتكب جريمته بحق العائلة» يقول. كذلك يرجّح المسؤول الأمني فرضية أن الجاني كان «يسهر عند المغدور محمد»، وذلك بعدما لاحظ وجود فنجاني قهوة على الطاولة، «كشفت عليهما الأدلة الجنائية، وقد أرسلا إلى المختبر الجنائي لتحليل البصمات الموجودة عليهما وما تبقى من لعاب عليهما».
«إبادة للعائلة»، هكذا يصف أحد أقارب المغدورين الجريمة، التي استهدفت أفراد العائلة بأكملها. «فالمغدور محمد ليس لديه أبناء سوى أيلا»، يقول، مشيراً إلى أن إطلاق الجاني النار عليهم جميعاً دليل على «حقد المجرم ومحاولته إخفاء جريمته بقتل أفراد العائلة جميعاً»، كما يؤكد لـ«الأخبار». ويشير إلى أن المغدور محمد كان ليلة أول من أمس في منزل والده في حدث بعلبك، وقد غادر إلى منزله في البلدة لارتباطه بموعد مع أحد الأشخاص الذي سيحضر ليسهر عنده، كما قال لوالده، من دون أن يسمي اسم ذلك الشخص، «وليفاجأ الأهل من بعدها بالخبر المؤسف»، كما يقول.
النائب غازي زعيتر الذي حضر إلى حدث بعلبك أكد «إدانة العائلة والمنطقة بأكملها لهذه الجريمة النكراء، التي يصعب على العقل تصديقها لبشاعتها ووحشيتها، لكونها استهدفت فتى في الثانية عشرة من العمر، وامرأة»، مطالباً الأجهزة الأمنية والقضائية بالإسراع في التحقيقات لكشف ظروف الجريمة وملابساتها من جهة، وهوية الجاني من جهة ثانية، بغية معاقبته على الجرم البشع الذي ارتكبه».
وتقاطر المعزّون عصر أمس من سائر قرى وبلدات بعلبك _ الهرمل، حيث شاركوا في تشييع المغدورين إلى مثواهما الأخير وسط أجواء من الحزن والأسى.
وتجدر الإشارة إلى أن المغدور محمد هو شقيق الشابين أحمد وحسين صبحي زعيتر (كلاهما في العقد الثالث من العمر) اللذين كانا قد قتلا منتصف كانون الثاني من العام الحالي، «بخلفية ثأرية» على طريق عام حدث بعلبك _ النبي رشادة بحسب ما أوضحت التقارير الأمنية حينها. إلا أن بعض أبناء عائلة زعيتر نفوا أمس أن تكون الجريمة التي استهدفت محمد وابنه «لها دوافع ثأرية»، خصوصاً أن ثمة «مساعي حثيثة من قبل عشائر وعائلات عديدة في المنطقة لرأب الصدع وإصلاح ذات البين بين أفراد العائلة الواحدة».
عيناتا
ومن البقاع إلى الجنوب، أوقفت دورية تابعة لاستقصاء الجنوب، المواطن س. أ. من بلدة عيناتا (بنت جبيل)، بعدما دهمت منزله في البلدة. وأفاد مصدر أمني أن الموقوف متهم بجريمة محاولة قتل وإطلاق نار، وقد ضبط في حوزته السلاح الذي استخدمه في جريمته وأحيل على المراجع الأمنية المختصة لإجراء المقتضى القانوني في حقه بعد مصادرة السلاح. وعلمت «الأخبار» أن الموقوف س. أ. كان على خلاف مالي مع صهره ط. ب.، وقد أطلق عليه النار من دون أن يصيبه. وأفادت المعلومات بأن الموقوف صرّح بأنه قام بفعلته «من دون أن يكون قصده القتل بل الإخافة».