مع ذلك، تأكيد إسرائيل، الى حد يكاد أن يكون قطعياً، بأن الطائرة أطلقت من لبنان، وأن هدف إطلاقها كان لغايات استخبارية ولجمع معلومات عن مواقع عسكرية وأمنية حساسة في إسرائيل، كان لافتاً، وخصوصاً أنه يأتي بعد يومين فقط على تأكيد وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك بأن إسرائيل «أقوى دولة في المنطقة، ولا داعي للخوف لأنها مستعدة لأي سيناريو قد يأتي من الشمال».
كان لافتاً أيضاً، الاستناد شبه الكلي، من ناحية إسرائيل، على التحليل والمؤشرات، من دون الأدلة والبراهين المباشرة، لفهم ما جرى. وهو دليل إضافي على مدى الفشل والإخفاق الميدانيين للدفاعات الجوية الإسرائيلية. اللافت، كذلك، أنه بعد انتهاء الحادثة، تأخرت تل أبيب كثيراً، على ما يبدو من تسريبات، في فهم ما جرى، بل واستلزم منها مدة طويلة نسبياً كي تحدد أخيراً المسار الذي سلكته الطائرة، وما إذا كانت قد أطلقت من قطاع غزة أو سيناء أو لبنان، لتستقر أخيراً على اتهام حزب الله.
حجم الفشل كان كبيراً، الى درجة التسابق، بين المسؤولين الإسرائيليين لإطلاق التهديدات، والإعلان عن ضرورة «الرد» الحاسم، على ما جرى تسميته إسرائيلياً «العملية الإرهابية الجوية». لكن ما بين التهديدات والأفعال مسافة طويلة محفوفة بالمخاطر، ومن شأنها أن تكبح إسرائيل عن الفعل.
تل أبيب معنية بالرد، ولديها مصلحة في ذلك، لكنها في الوقت نفسه معنية أكثر، بألا يؤدي ردها، أن حصل، الى التسبب بمسار من الردود والردود المقابلة، وصولاً الى مواجهة عسكرية أشمل، لا تريدها في هذه الفترة. والأرجح أن تبقى التهديدات تهديدات، من دون أن تعمد تل أبيب الى ترجمتها فعلياً على أرض الواقع.
إذا كانت اتهامات إسرائيل صحيحة، وهذا لا يمكن تأكيده من قبل حزب الله كما أسلفنا، فالمعنى مزدوج: حزب الله، رغم كل التحديات التي يواجهها، ورغم كل محاولات الضغوط عليه، داخلياً وخارجياً، على خلفية موقفه المبدئي مما يجري في سوريا، إضافة الى عدم اليقين السياسي في لبنان، لا تزال عيونه وآذانه، وأيضاً ذراعه، متنبهة جيداً لإسرائيل، ومؤكداً أن الصراع الأساسي والمركزي كان، ولا يزال، الصراع مع العدو. أما رهانات البعض، ومن بينهم تل أبيب، بأن الحزب بات مشغولاً عنها، فهي غير صحيحة، أو في حدها الأدنى مبالغ فيها.
الفشل الإسرائيلي الأخير، الميداني والاستخباري، كان صارخاً، ومن شأنه أن يعيد الى الأذهان، بقوة، حديث إسرائيل المتواصل منذ سنوات عن جهوزيتها «المطلقة»، لمواجهة حزب الله في الحرب المقبلة، التي تعد بأنها ستكون مغايرة عن حرب عام 2006. اللافت في هذا الإطار، أنه منذ عام 2007، بل وربما بعد أشهر من انتهاء الحرب، أكدت إسرائيل على جهوزيتها العسكرية، والاستفادة الكاملة من «عبر حرب لبنان الثانية».
كان تأكيد إسرائيل على الجهوزية العسكرية، ثابتاً، ويتجدد شهرياً، تقريباً، وطوال السنوات الماضية، الى الحد الذي يدفع المتابع للشأن الإسرائيلي، إلى القول إن جهوزية تل أبيب باتت تتجاوز حزب الله، لمواجهة حرب تخوضها كل الدول المنضوية في الأمم المتحدة، بما يشمل أميركا والاتحاد السوفياتي السابق.
في عام 2007، استخلصت تل أبيب، كما هو معلن، من أكثر من مسؤول عسكري وسياسي إسرائيلي، «عبر ودروس» الفشل في الحرب الماضية، وبات جيشها جاهزاً للحرب المقبلة. كذلك هي الحال، في عام 2008، إذ باتت جهوزيتها مضاعفة، وأيضاً في عام 2009، وعام 2010... وصولاً الى عام 2012. لكن الفشل الأخير للاستخبارات الإسرائيلية والدفاعات الجوية، الأخير، يشير الى عينة ما، قد نشهد مثيلاتها في حرب تعد إسرائيل بأنها ستنتصر فيها. الفشل الجديد يضع، الى جانب عوامل أخرى، كل الرواية الإسرائيلية عن الجهوزية موضع شك، أو بتعبير أكثر دقة، موضع مبالغة. وهذا كله بعيداً عن السؤال المركزي الدائم: لو كانت إسرائيل جاهزة، وبفاعلية وقوة تعد بهما، فلماذا تمتنع، إن لم نقل ترتدع، عن مواجهة حزب الله، طوال السنوات الماضية، رغم كل ما لديها من دوافع ومصالح؟
طهران: القبّة الحديدية ضعيفة
بعد يومين من اختراق طائرة من دون طيار الأجواء الإسرائيلية، نشر جيش الاحتلال أمس بطارية صواريخ باتريوت مضادة للطائرات والصواريخ في منطقة الكرمل شمال فلسطين المحتلة. ورغم رفض مصادر الجيش ربط نشر البطارية بحادثة اختراق الطائرة، إلا أن وسائل الإعلام العبرية أكدت أن عملية النشر جاءت على خلفية الخشية من محاولات تغلغل إضافية لطائرات من دون طيار داخل الأجواء الإسرائيلية. وذكرت تقارير إسرائيلية أن المؤسسة الأمنية عززت يقظتها على مستوى الدفاع الجوي في أعقاب حادثة اختراق الطائرة. وأشارت الإذاعة العبرية إلى ارتفاع أرجحية التقديرات التي تحمّل حزب الله المسؤولية عن إرسال الطائرة. وقالت الإذاعة إن خبراء من سلاحي الجو والاستخبارات أعادوا تركيب أجزاء الطائرة التي جُمعت بعد تفجيرها، ليتبين أنها لم تكن مسلحة، وأنها أرسلت في مهمة استخبارية على ما يبدو. وأوضحت الإذاعة أن نوع الطائرة وكيفية وصولها إلى الأجواء الإسرائيلية لا يزالا غير واضحين، إلا أن الجيش يجزم بأنها لم تنطلق من قطاع غزة. وقالت الإذاعة إن الطائرة هي من النوع الكبير والمتطور وتخضع للتحكم عن بعد عبر أجهزة منصوبة داخل حاوية. وأشارت إلى أن تقنيتها الحديثة شرقية ويقف وراءها عادة دول أو منظمة مجهزة جيداً مثل حزب الله. وفي طهران، نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «ارنا» عن مساعد شؤون التنسيق في الحرس الثوري العميد جمال الدين ابرومند قوله «إن تغلغل طائرة من دون طيار إلي عمق 100 كيلومتر داخل أجواء الأراضي العربية المحتلة يعكس ضعف نظام القبة الحديدية وفشله والنظام الدفاعي للكيان الصهيوني». لكنه لفت في الوقت عينه إلى أنّ «من المحتمل أن تكون مزاعم الكيان الصهيوني حول تغلغل هذه الطائرة داخل أجواء الأراضي العربية المحتلة نوعاً من الحرب النفسية التي يمارسها هذا الكيان». وقال: «يجب ان نأخذ في الاعتبار أن للكيان الصهيوني أعداءً كثيرين، ومن الممكن أن يقوم هؤلاء بمثل هذه الإجراءات».
على صعيد آخر، نفى الناطق الرسمي باسم «اليونيفيل» أندريا تيننتي رصد القوات الدولية عبور أيّ طائرة استطلاع من الأجواء اللبنانية».