أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

عقاب صقر: الشبح التائه في سماء... إسطنبول

الخميس 11 تشرين الأول , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 5,141 زائر

عقاب صقر: الشبح التائه في سماء... إسطنبول

«التائه» في بلاد الله الآسيو ــ أوروبية الواسعة. لا توصيف آخر يُمكن أن ينطبق على النائب عُقاب صقر. لعضو كتلة المستقبل النيابية نُسخ متعدّدة. هناك عقاب واحد في فرنسا. وعقاب آخر في بلجيكا. وهناك عقاب مُقيم في إسطنبول. وعقاب يجول في الرياض أحياناً، وخامس مسجون وراء القضبان السّورية.

يبدو «الصّقر» الشيعي في 14 آذار كشبحٍ متنقّل. كثيرون من يسمعون أخباره. قليلون من يحظون هذه الأيام بـ«مكرمة» الحديث معه أو لقائه. منذ خروج رئيس الحكومة السابق سعد الحريري من البلاد، واندلاع الأحداث في سوريا، ابتُلي «بالغيبة الكبرى». أُثقل كاهلُه بالعديد من الملفات العابرة للدول، فضلاً عن «مصيبة» دمه المهدور. فالخطر على حياته يوازي الخطر على حياة رئيس تيار المستقبل وربما أكثر، بحسب بعض المعجبين به.

منذُ نجاحه في الانتخابات النيابية عام 2009 عن المعقد الشيعي في زحلة، حمل الشّاب سراً لم يفهمه أحد. سطع نجمه في تيار المستقبل أكثر من الحريريين أنفسهم. تجرأ بطموحه حتّى وصل به إلى تسويق نفسه عند فريق الرابع عشر من آذار، كمرشّح لكرسي رئاسة المجلس النيابي بدلاً من رئيس حركة أمل نبيه برّي. ولأنه تذاكى بصفته رجل المهمات الصعبة، لم يتنازل عنه الحريري في أكثر المراحل خطورة.

اختفى عقاب صقر وحضرَ طيفه. مرّة في مقاهي بروكسل، ومرة على ضفاف البوسفور، ومرة أخرى في أروقة الديوان الملكي السعودي. «الشاطر» وحده من يستطيع تحديد إحداثياته. عملياً، لا صوتَ له ولا صورة منذ أشهر. لا تعليق ولا حتّى موقف. غابَ إلا عن لسان الحاجّة حياة عوالي (زوجة أحد اللبنانيين المخطوفين في سوريا). وبين رواية من هنا، ورواية أخرى من هناك، يبقى الخبر العاجل والموثوق أن عقاب جدّد أبوّته، إذ رُزق طفلاً أطلق عليه اسم سعد، تيمّناً بالزعيم «الأوحد» سعد الحريري. وربما لم يكُن لهذا الخبر أن يُثير ضجّة وبلبلة لو لم تكن زوجة النائب الشاب معروفة في الوسط الإعلامي، وهي المذيعة نادين فلاح التي كانت تعمل في قناة روتانا.

من الأفضل أن لا تسأل نائباً حالياً أو وزيراً سابقاً في 14 آذار عن مكان زميله. مُعظمهم لا يعرِف. أغلبهم لا يريد أن يعرف. وبعضهم لا يُحبّ التطرق إلى الموضوع، فيما يبدو بعض شيعة 14 آذار ــ الذين يغارون من حظوته في البلاط الحريري ــ أكثر المستفيدين من «غُربته».

ترك ممثّل «دار السلام» ساحته. ومنها توجّه إلى ميدان الحرب في سوريا. هذه المرة، دخل قصر الحريري من بوابة الشّام. لعقاب من أيام الجامعة وعمل الصحافة أصدقاء سوريون كثُر، أمّنوا له شبكة من العلاقات في دمشق وغيرها من المناطق السورية. وأغلب هؤلاء التحقوا بركب الثورة فور اجتياحها الأرياف. آنذاك كُّلف هندسة التنسيق والتواصل بين أعضاء وجماعات في المعارضة السورية في الخارج والداخل. ويؤكّد أحد النواب أن «صقر كرّس من دون شك كل طاقته ومهارته وقدراته وحصل من الحريري على أموال نقلها إلى معارضين، إضافة إلى أجهزة اتصالات، عندما كانت هذه الأجهزة تُعد ثروة قبل دخول الدول الكبيرة على خط النار».

ويبدو أن المُعيد السابق في جامعة القديس يوسف، معارض للنظام السوري أكثر من المعارضين له في الداخل. النائب اللبناني يمارس اليوم مهنة تنظيم المؤتمرات؛ إذ تولّى أخيراً مهمّة التواصل مع بعض المعارضين السوريين لإقناعهم بالمشاركة في مؤتمر عقد في تركيا. وفي نهاية المؤتمر، أكمل صقر مهمته، إذ وزّع مبالغ مالية على جميع المشاركين، بينهم المعارض ف.م.أ الذي قبض يومها مئة ألف دولار أميركي.

لكن ذلك لا يعني أن صقر يفيض كرماً من الأموال التي يحصل عليها. فهو على الرغم من تقديمه الدعم المالي للشيخ السلفي لؤي الزعبي، يبخل على «أصدقائه» المقاتلين في المعارضة السورية. فبعد نقل ثلاثة جرحى منهم إلى أحد المستشفيات اللبنانية، قصده أحدهم لطلب مال لإجراء عملية جراحية تكلفتها أربعون ألف دولار، إلا أن صقر تهرّب، زاعماً أن المال الذي في حوزته هو لدعم الثوار بالسلاح فقط لا غير. مع العلم أن بعض هؤلاء المقاتلين لم يتوانوا عن تلبية طلب النائب اللبناني في إخراج الزميلة (في قناة الجديد) يمنى فواز من حلب إلى الحدود التركية ــ السورية، بعدما ورده طلب مساعدة فواز من رئيس فرع المعلومات العميد وسام الحسن، لأنها كانت في دائرة الخطر.

وصقر، على عكس معظم النواب اللبنانيين، يُعد مادة دسمة في تقارير الصحف الأجنبية ومقالاتها. وفي معلومات أخيرة عنه، ذكرت «التايمز» البريطانية أن «رجل المملكة العربية السعودية في مركز تحكم إسطنبول الذي يُنسق مع الجيش السوري الحر هو سياسي لبناني من تيار المستقبل المعادي للنظام الحاكم في سوريا ويُدعى عقاب صقر». ولفتت الصحيفة إلى أن «الأخير يُشرف على توزيع كمية كبيرة من العتاد والسلاح والإمدادات على أربع مجموعات معارضة مسلحة، وهو موجود في تركيا». وكذلك فعلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية التي نقلت عن مسلّحين سوريين على الحدود السورية ــ التركية، قولهم إن «المزوّد الرئيسي للأسلحة المقبلة من الرياض هو النائب اللبناني عقاب صقر». وبحسب الصحيفة نفسها، أفاد أحد قادة المتمردين السوريين بأن «صقر سأله مرة عن اسم أحد تجار الأسلحة في يوغوسلافيا السابقة كان يأمل أن يلتقيه». تتقاطع هذه المعلومات مع ما سرده نائب مستقبلي عن وجود صقر في بعض الأحيان في مدينة كيليس التي تقع جنوب تركيا قرب الحدود السورية. وبما أن مدينة الرياض لم تسقط سهواً في تقرير الصحيفة الأميركية، يُمكن هنا الإشارة إلى بعض ما يذكره نواب مستقبليون التقوا عقاب في المملكة العربية السعودية. يقول هؤلاء إن «زميلهم لم يتحدث إليهم طويلاً، لم يتغيّر فيه شيء، سوى تسريحة شعره»!

ولمرّة واحدة، استحق عقاب لقبه كنائب شيعي. لمع اسمه في الضاحية الجنوبية لبيروت عقب اختطاف 11 لبنانياً كانوا في طريق عودتهم إلى بيروت من إيران. شكره «الضاحيويون» وهتفوا له، بعد ارتباط اسمه بملف التفاوض لإطلاق سراح المختطفين إلى جانب سعد الحريري. إلا أن عودة الطائرة الخاصة، التي كان من المفترض بها أن تُعيد المخطوفين «المحررين» على متنها خائبة منذ اليوم الأول، أعادت أسهم عقاب في الشارع الشيعي إلى الحضيض، قبل أن تنخفض أكثر بعدما نقل أحد المقربين منه رسالة تهديد إلى عائلة أحد المخطوفين.

لم ينتهِ دور «الصقر» هنا. ظّن البعض أنه هو أبو إبراهيم لحين ظهور الأخير على شاشات الإعلام. حتّى إن أحد المعارضين السوريين اتهمه بسرقة مبلغ 50 مليون دولار كان يجب أن تدفع للخاطفين. لكن على ما يبدو، لم يعُد للرجل اليد الطولى في هذا الملف بعد دخول جهات إقليمية كبيرة على خط التفاوض.

يبقى السؤال: أين عقاب صقر اليوم؟ المُطارد أمنياً وصحافياً وسياسياً مجهول الإقامة. على الرغم من أن مقربين منه أكدوا أنه «استقر في إسطنبول، بعدما قضى فترة طويلة عند عمّه في بروكسل». لكنه «دائم التنقّل بين تركيا وبعض الدول الأوروبية». لا يحتاج السائل عن مصدر الأموال التي يصرفها النائب الشاب. فعقاب، على الرغم من صغر سنه وحداثته في تيار المستقبل، يُحكى في إطار الشائعات عن مبالغ ضخمة حصل عليها من جهات مختلفة، وخصوصاً رئيس تيار المستقبل؛ إذ «له تأثير السحر عليه». أما عن عودته إلى لبنان، فلغزٌ آخر لن يُكشف إلا بعودة سعد الحريري إلى البلاد. بعيداً من حجم المخاطر الأمنية المحيطة به، ثمة الكثير من المعطيات التي تجعل تلك التهديدات جدية، وخصوصاً أن «عقاب تورّط في لعبة إقليمية، محاولاً رسم خرائطها الأمنية والسياسية بشكل يتجاوز حجمه الطبيعي».

 

منسيّاً على الخريطة الانتخابية!

 

يبدو النائب عقاب صقر حتّى الآن منسياً على الخريطة الانتخابية والخدماتية. أقله في مدينة زحلة التي «يلعن الكثيرون من أبنائها الساعة التي باعوا فيها مقعداً لعقاب صقر كرمى لعيون زعيم تيار المستقبل». والجدير بالذكر أن صقر لم يزُر المنطقة إلا مرتين بعد انتخابه نائباً فيها. يسخر أحد الزحلاويين من الأمر. يذكر أن عقاب كان دائم القول إن سعد الحريري يوصيه بإحضار «كمشة» تراب من أي منطقة يزورها، «وهذا يعني أن الحريري لم يحظ بشرف استنشاق رائحة تراب عروس البقاع حتّى الآن»! أحد النواب البارزين في تيار المستقبل له وجهة نظر أخرى. يرى في صقر «بطلاً يقوم بواجبه»، وهو حتماً «سيكون على لوائح التيار في الانتخابات المقبلة إكراماً للجهود التي قام بها».

من جهة أخرى، يتعرض عقاب صقر للكثير من الانتقادات، بعد تسمية مولوده الجديد «سعد». يقول البعض إن «هذه الخطوة لا تليق بأستاذ مادة الفلسفة في جامعة القديس يوسف سابقاً، ولا عقاب صقر المتنوّر، ولا تتناسب مع عقاب بصورته الأولى، لكنّها حتماً مطابقة لشخصية عقاب الحالية، كملحق بسعد الحريري».


Script executed in 0.18810796737671