أرقام الديون، التي تثقل كاهل المواطن اللبناني، تجد صداها المباشر لدى مواطن منطقة بعلبك - الهرمل، الذي يسأل فورا عن ماهية الإنماء، الذي حظيت بها المنطقة من كل الأموال التي صرفت تحت حجة إعادة البناء. حتى أن العديد من المشاريع، التي خصصت للمنطقة إما أنها لم تستكمل، أو أنها نفذت خطأً مع هدر، تجاوز الخمسين بالمئة من ميزانياتها.
ولتحديد حجم المشاكل والحاجيات عمدت مديرية العمل البلدي لـ«حزب الله» في البقاع، التي تتعاون مع بلديات المنطقة ومخاتيرها إلى سبر غور المشاكل عبر إجراء مسح ميداني لمعظم النواقص في عدد من القطاعات، ومنها الصرف الصحي ومحطاته، وشبكة الكهرباء من محولات وأعمدة، والمؤسسات التربوية، وشبكة مياه الشفة، والطرق، والهاتف. وبالرغم من النواقص الهائلة التي سجلتها دوائر البلديات، ومديرية العمل البلدي، تبقى ناقصة لعدم شمولها بعض البلديات غير المرتبطة بعلاقة مع المديرية، ويبلغ عددها 20 بلدية.
ولوضع القطار على سكة البحث عن حلول، أنجزت البلديات، و«مديرية العمل البلدي» دراسة تفصيلية عن الاحتياجات بدقة، في 55 بلدية. ونظمت لتلك الغاية مؤتمراً إنمائياً، جمعت فيه رؤساء البلديات والاتحادات البلدية، والمخاتير، مع نواب ووزراء المنطقة، بحضور قيادات «حزب الله» و«حركة أمل»، تم خلاله البحث في كيفية متابعة الملف لدى الوزارات المعنية، كي لا تبقى المطالب عناوين عريضة، يتهرب منها المسؤولون عند الحديث فيها.
فحسب الدراسة التي أعدت، بينت النسبة المئوية للإنجازات التي قدمت للمنطقة خلال السنوات العشرين الماضية، لا تتجاوز الخمسين في المئة من احتياجاتها، وهي حسب التالي: 55 في المئة من شبكات ومصادر المياه، و35 في المئة من شبكات ومحطات الصرف الصحي، 55 في المئة من شبكات ومصادر المياه، و60 في المئة من الطرق العامة والرئيسية والداخلية، و30 في المئة، من النسيج العمراني والتجميل، و60 في المئة من المؤسسات التربوية، و40 في المئة من المؤسسات الصحية والخدماتية. أما الاحتياجات الأساسية، التي تم مسحها بالتفصيل، فتأتي في مقدمتها أزمة الصرف الصحي ومحطات التكرير، لما لذلك الأمر من ضرورة، للتخفيف من تلوث مصادر مياه الشفة. فالمنطقة تحتاج إلى ثلاث محطات للتكرير إضافة إلى محطة بعلبك، هي محطة على مجرى نهر الليطاني في منطقة تمنين التحتا، لتحل مشكلة الصرف الصحي في غربي بعلبك وشرقها، ومحطة في حوش السيد علي لحل مشكلة الهرمل ومحطة في اللبوة. إضافة إلى محطات صغيرة لبعض القرى التي يصعب ربطها بالمحطات الرئيسية. كما أن المنطقة تحتاج إلى ما يزيد عن 445 كيلومترا من التمديدات لإكمال شبكات الصرف الصحي في 55 بلدة.
وفي مجال مياه الشفة والري، لحظت الدراسة الحاجة إلى 29 بئرا ارتوازية لتغطية القرى، التي تعاني من نقص في مياه الشفة، وبأعماق تتراوح بين 200 متر و600 متر. كما أن المنطقة تحتاج إلى عشرة خزانات إسمنتية، تتسع 11 ألف متر مكعب من المياه، وإلى 167 كيلومترا من التمديدات لشبكات مياه شفة داخلية، تستفيد منها 37 بلدة. وإلى 77 كيلومترا من أقنية الريّ.
أما بشأن الاحتياجات الكهربائية، فعدا التقنين القاسي الذي يتجاوز الثماني عشرة ساعة يومياً، فإن المنطقة لا تزال تتغذى من محطة التحويل الاحتياط، التي وضعت إثر تعرض محطة كهرباء بعلبك لغارة إسرائيلية في العام 1996، ما يجعل مطلب الإسراع بإنشاء محطة تحويل رئيسية أمراً في غاية الضرورة. كما تحتاج المنطقة إلى 146 محولا كهربائياً، بقوة تتراوح بين 200 و400 ك. ف. آ.، وشبكة تمديدات بطول 156 كيلومترا، و2252 عمودا، لتغطية جميع أحياء وبلدات المنطقة، إضافة لنحو 2100 لمبة إنارة.
بالرغم من أن شبكة الهاتف، تعتبر الأهم في تقديم الخدمات، كونها تشكل مصدرا هاما للجبايات، ويصعب التلاعب في استحدامها. إلا أنها لم تغط جميع المناطق. كما أن الشبكة الهوائية تصاب دائما بأعطال، خصوصاً في فصل الشتاء، وغير مجهزة لاستخدامات الإنترنت. وعلى الرغم من التحسن النسبي في تلك الخدمة، إلا أن النواقص تصل إلى حد الحاجة لـ98 كيلومترا من الشبكات السلكية، مع إنشاء ستة سنترالات سلكية، وتوسيع سنترال النبي شيت، وتركيب 84 كابينة هاتف عمومية.
وقد كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن إنجازات وزارة الاشغال في منطقة بعلبك الهرمل إثر تعبيد بعض الطرق العامة والدولية. ولكن اعتبرت المنطقة مهمشة منذ زمن طويل وتحولت إلى ما يشبه الاسفنجة التي بإمكانها امتصاص ما يقدم، فقد بينت الدراسة أن الحاجة إلى ما يزيد عن 304 كيلومترات من الطرق الرئيسة، بعرض يتراوح بين 4 و8 أمتار. كما تحتاج المنطقة إلى 424 كيلومترا من الطرق الداخلية والفرعية، بعرض يتراوح بين 3 و6 أمتار.
ولحظت الدراسة حاجة المنطقة إلى بناء 12 مدرسة ابتدائية، متوسطة وثانوية، وإكمال بناء 6 مدارس، وترميم 13 مدرسة، وإنشاء مهنية في بلدة القصر. إضافة إلى إنشاء مستشفى حكومي في بلدة العين لخدمة بلدات منطقة شمالي بعلبك. فإذا ما أضفنا حاجيات البلدات الـ20 غير المشمولة بالدراسة لتبين أن الحاجة تزيد 40 في المئة مما هو مقدر. وتشكل تلك الاحتياجات برنامج عمل مطلبيا، لكل الهيئات المعنية بتنمية المنطقة من قوى سياسية ورسمية نيابية ووزراية. فهل من يمدّ اليد للتخفيف من المعاناة المستدامة؟ الإجابة عن السؤال لا تتم إلا بالمزيد من التقديمات، والاستجابة للمشاريع التي فندتها الدراسة بأدق تفاصيلها.