محمد وهبة
كان لافتاً أمس أن تزور سفيرة أميركا في لبنان مورا كونيللي، شركة طيران الشرق الأوسط «ميدل إيست». الزيارة لم تكن مُعلنة، وأُبقيت بعيداً من الإعلام لأسباب غير واضحة. لكن المتابعين يفسّرون الأمر بأن له علاقة بالوفد الأمني الذي رافق كونيللي على منشآت الشركة وهنغاراتها ومركز عملياتها، حيث اطّلع أعضاؤه على ما لا يحق لهم الاطلاع عليه. جاءت زيارة كونيللي للـ«ميدل إيست» لتجدّد خرق الأعراف الديبلوماسية للسفراء الأميركيين في لبنان. أما توقيت الزيارة، فقد تزامن مع القصّة التي شغلت الإسرائيليين خلال الأيام الماضية، أي طائرة «أيوب» التي أطلقها حزب الله من لبنان وحلّقت فوق أراضي فلسطين لفترة قبل أن تسقط بنيران إسرائيلية. غير أنّ في رأي المتابعين أنّ هذا التوقيت ليس مقصوداً بهذا المعنى، فقد كان موعد الزيارة محدّداً مسبقاً، واستغلّه الأميركيون ليبدّلوا الوفد المرافق للسفيرة من اقتصادي إلى أمني.
على أي حال، إن السبب الرئيسي في هذه الزيارة هو وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريض ورئيس مجلس الإدارة ــ المدير العام للـ«ميدل إيست» محمد الحوت. هذان المسؤولان كانا في واشنطن قبل نحو 10 أيام، حيث اجتمعا بمسؤولي وزارة النقل الأميركية، مطالبين بإعادة فتح علاقات النقل الجوّي بين لبنان وأميركا. ويقول خبير متابع للملف إن «الحوت كان يسعى إلى اعتراف أميركي بقدرة مطار بيروت ومعايير السلامة العامة فيه على استقبال الطائرات الأميركية، مقابل تمكينه من تسيير خطوط للشركة إلى أميركا». فمن المعروف أن هناك حظراً أميركياً على «ميدل إيست» منذ أن خُطفت طائرة الركاب الأميركية «TWA» في مطار بيروت في عام 1985، إذ وضع المطار يومها على لائحة الإرهاب الأميركية، وبات محظوراً على طيران الشرق الأوسط الذهاب إلى أميركا، فيما لم تعد تأتي أي طائرة أميركية إلى مطار بيروت.
وبحسب الخبير نفسه، حمل الحوت معه إلى وزارة النقل الأميركية ملفات عديدة عن شركة طيران الشرق الأوسط وعن مطار بيروت. تتضمن هذه الملفات الكثير من معايير السلامة العامة في المطار والتقنيات المستخدمة في هذا المجال، والإمكانات المتاحة، ومتعلّقات أخرى ضمن الملف نفسه. هناك تلقى مسؤولو وزارة النقل الأميركية زيارة العريضي والحوت بارتياح نتيجة ما اطلعوا عليه من معلومات عن الشركة والمطار. إلا أن الأميركيين كان لديهم شروط عديدة، ووضعوا لائحة بمطالبهم لاعتماد مطار بيروت ضمن «السلامة العامة الأميركية» ولمساعدة شركة طيران الشرق الأوسط على استقبالها واعتمادها في أميركا، وخصوصاً أنها انضمّت إلى تحالف «سكاي تيم» وتطبّق معايير السلامة التي تنص عليها المنظمة الدولية للطيران المدني.
بعد الزيارة، عاد الحوت فوراً إلى لبنان وناقش المطالب الأميركية مع المدير العام للطيران المدني بالوكالة، واتفقا على وجوب استكمال ما يلزم لمطابقة شروط «السلامة العامة الأميركية» ومعاييرها في مطار بيروت.
لم يكتف الحوت بهذا المستوى من التودّد إلى الأميركيين، بل قرّر أن يقوم بخطوة إضافية. ففي عشاء خاص شاركت فيه كونيللي وبعض الشخصيات اللبنانية بالإضافة إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، القيّم على شركة طيران الشرق الأوسط وعلى إدارتها ومجلس إدارتها، طلب الحوت من السفيرة زيارة شركة طيران الشرق الأوسط والاطلاع على مختلف الأعمال والمعايير التقنية في مطار بيروت الدولي تمهيداً لإعادة علاقات النقل الجوي بين لبنان وأميركا.
هكذا تقرّر موعد زيارة كونيللي للـ«ميدل إيست» قبل نحو أسبوع. أما الزيارة فقد بدأت أمس عند التاسعة والنصف صباحاً. جاءت كونيللي بـ«رانجاتها» الستة ودخلت إلى مقرّ شركة طيران الشرق الأوسط. رافقها في الزيارة وفد أميركي كان يسوّق له في الأوساط المحيطة بالحوت، بأنه وفد اقتصادي سيطّلع على الجدوى المالية من إعادة فتح العلاقات الجوية بين لبنان وأميركا. في البدء عقد الحوت مع كونيللي والوفد المرافق اجتماعاً امتدّ لنحو ساعة في مكتبه في مقرّ الشركة. بعد ذلك، رافق الحوت كونيللي والوفد في جولة تفقدية على منشآت شركة طيران الشرق الأوسط ركّزت على كل ما له علاقة بالجوانب الأمنية للعمل في مطار بيروت. فالجولة بدأت بمنشآت الشركة، واستكملت في ساحة الطائرات، وهنغارات ركن الطائرات، وتطرّقت أيضاً إلى مركز عمليات الطيران، وحجوزات الركاب في داخل المطار، ومركز أمن شركة طيران الشرق الأوسط ومركز التدريب الذي لا يزال قيد الإنشاء.
سرعان ما تبيّن للعاملين في الميدل إيست والاختصاصيين في الشركة، أن الوفد المرافق ليس اقتصادياً وأن اهتماماته أمنية الطابع، ويشير هؤلاء إلى أن «السلامة العامة الأميركية» تكشف الكثير عن طبيعة المطالب الأميركية وخلفياتها، ولا سيما أنه سبق زيارة كونيللي ترويج أنّ الوفد المرافق هو اقتصادي، في حين أن خلفية الأمر تعنى بإمكان إزالة مطار بيروت عن لائحة الإرهاب الأميركية.
المهم أن الجولة استمرت من العاشرة والنصف حتى الثانية عشرة إلا ربعاً، أي إن وقت الزيارة بكاملها بلغ نحو ساعة وربع ساعة. فهل مسموح لكونيللي الاطلاع على الجوانب الأمنية في مطار بيروت؟ ولماذا يحاول الحوت فتح خطّ أميركا ــ بيروت، في حين أن هناك الكثير من الخطوط الأخرى المغلقة، رغم أنها أكثر جدوى للشركة مثل خطّ تركيا وخطوط عديدة على دول أفريقيا؟
ولقيت زيارة كونيللي اعتراض عدد من العاملين في المطار، وبينهم موظفون في الميدل إيست، فأوقف جهاز أمن المطار عدداً منهم وقتاً قصيراً.