عندما صدر القرار 1701 في العام 2006 ليضع حدا للاعمال القتالية بين اسرائيل التي شنت عدوانا على لبنان ، و بين المقاومة التي صدت هذا العدوان و منعت اسرائيل من تحقيق اهدافها ، تصدت المنظومة الغربية التي تحتضن اسرائيل و بقيادة اميريكية و ضمنت القرار ذاك من من الاحكام ما يخفف من وقع هزيمة اسرائيل و يعوض عليها تحقيق ما فاتها في الميدان ، فكانت القيود على تسليح المقاومة صارمة ، حيث اقيمت منظومة مراقبة قيل عنها انها محكمة من اجل منع وصول السلاح الى المقاومة ، ترافق ذلك مع اعطاء اسرائيل لنفسها الحق بمراقبة الميدان اللبناني على مدار الساعة عبر عدة منظومات استعلام و تجسس ، تشغلها قوات اليونفل في البر و البحر ، و معها استطلاع جوي اسرائيلي يومي تنفذه و بدون اي اعتبار لسيادة لبنان ، طائرات حربية ، و طائرة استطلاع من دون طيار ، يضاف اليها منظومة الاقمار الاصطناعية الاميركية و الاسرائيلية الثلاثة التي لا تغادر الفضاء فوق لبنان . و ساهم لبنان الرسمي ايضا بالتضييق على مقاومته باشكال متعددة ليس اقلها اجهزة المسح و التدقيق الالي ( سكانر skaner ) التي جهزت بها المعابر الحدودية و التي جعلت من حركة شاحنات النقل عبرها مأساة تلحق الاضرار النفسية و المادية باللبنانيين و العرب كرمى لعين اسرائيل .
مع هذه التدابير ظنت اسرائيل و مستندة الى جهود يبذلها حلفاؤها في لبنان من جعاجعة و حريرين ، طنت ان المقاومة ستنكفيء و تنحسر عتادا و عديدا و وظيفة خاصة و ان ملاحقتها بجرائم ملفقة ، و التهويل عليها بفتنة قد تضطرها لتغيير وجهة سلاحها ، امور كانت برأي اسرائيل كفيلة بتحقيق هذا الغرض . لكن المقاومة استطاعت ان تتعامل مع الواقع المستجد و ان تتخطى كل الافخاخ و العراقيل التي وضعت في طريقها و تابعت في انماء الذات و تطوير قدراتها عديدا و عتادا الى الحد الذي باتت القدرات العسكرية للمقاومة التي ينظمها حزب الله ، تتجاوز خمسة اضعاف ما كانت عليه تلك القدرات في العام 2006 . و لكن التوصيف المتواتر لتلك القدرات كان يتركز على مسألة تطوير الموجود و تفعيله دون ان يتحدث احد عن ادخال عناصر جديدة في هذا المضمار .
و في ظل هذا التصور و من غير اعلان او انتظار ترخيص من احد ،الا مصلحة الوطن و الامة ، و عملاً بقاعدة الاستمرار في تعزيز القدرات و تراكم الطاقات و حشد الامكانات ، سير حزب الله طائرة من دون طيار اطلقها من الارض اللبنانية ، فوق البحر المتوسط و ادخلها الى اجواء فلسطين المحتلة حيث رصدت و راقبت و ارسلت صورا عسكرية مفصلة لاهداف متنقاة في البر و البحر شاملة البحرية الاسرائيلية و قواعد عسكرية على البر وصولا الى مفاعل ديمونة و الرادار الاميركي العملاق المقام في النقب ، و كادت تقترب من الجزيرتين السعودتين اللتين تحتلهما اسرائيل منذ العام 1967 ، و اللتين ادخلتا في عالم النسيان عربيا و اسلاميا و دوليا لان اسرائيل ترفض اي بحث بشأنهما و ان المملكة السعودية لا ترى في امرهما اهمية تدعو الى المطالبة و التحرك للتحرير كما يبدو .
لقد احدثت طائرة ايوب بما شكلته من اختراق متعدد الاتجاهات و المفاعيل زلزالاً طال بتردداته اكثر من جانب و اثر على اكثر من صعيد ، و فرض على الاطراف المعنيين بالصراع في المنطقة قريبهم و بعيدهم فرض اتخاذ مواقف و تدابير غيرت من صورة المشهد القائم لتدفعه في وحهات جديدة كالتالي :
1. فعلي صعيد المقاومة اولاً ، اكدت الطائرة ايوب ان حصارا كما ذكر ، و ان ملاحقة كونية شاملة و بقيادة اميركية لن تتمكن من منع المقاومة من التنامي و تحشيد القدرات و المنافسة التقنية ، لا بل ان المقاومة قادرة على العمل و التكيف مع اي ظرف مهما كانت صعوبته ، و ان بامكانها مضاعفة قدراتها اضعاف و اضعاف . و هذا من شأنه ان يقود الحلف الغربي الصهيوني (مع اذنابه العرب ) المناهض للمقاومة ، يقوده الى الاحباط و الخيبة و يشعره بانه عاجز عن محاصرة المقاومة مهما اتخذ من تدابير .و من جهة اخرى اكدت مهمة الطائرة في هذا الظرف بالذات ان هموم العالم كله ، و كل مؤمرات الاعداء و الخصوم ، و غدر الاشقاء و الاصدقاء ، كل ذلك لن يستطيع ان يغير وحهة اهتمام المقاومة الاسلامية و لا ان يحرفها عن فلسطين لانها تعلم و بيقين ان مصدر الشر في المنطقة هو وجود اسرائيل بذاتها و الباقي روافد و فروع .
2. و على الصعيد الاسرائيلي : اظهر الخرق المقاوم ان اسرائيل التي تدعي بانها تمتلك احزمة الامان و الوقاية العالية الدقة و المتعددة النطاقات عاجزة عن مواجهة ما تملك المقاومة من تقنيات حديثة للاختراق الجوي ، حيث ان سبع منظومات من الرصد و المراقبة من رادارات و اقمار صناعية يشغلها اربعة اطراف رئيسية عاملة في المنطقة ، عجزت عن كشف الطائرة و سيكون لهذا الامر تداعيات على اسرائيل في اكثر من مستوى و على اكثر من صعيد :
- لم يعد ممكنا لاسرائيل القول بان اجواءها محكمة الاقفال لا تخترق ، و بالتالي فان هذا الامر سيجبرها على اعادة النظر في انظمة المراقبة و الرصد الجوي رغم انها تستعمل الان افضل ما توصل اليه العلم الحديث من تقنية في هذا المجال . و بالتالي فان معالجة الثغرة المتشكلة من خرق الطائرة ايوب لن تكون بالامر السهل .
- لم يعد سهلاً اقناع الاسرائيليين بفاعلية القبة الفولاذية و دورها الحمائي الذي يعول عليه و هو ما جهدت اسرائيل على تحقيقه منذ ان انكشفت عورتها هذه في العام 2006 ، حيث ان الطائرة تلغي حتى النجاح الجزئي لتلك القبة ، و نحن نعلم ان مستوى ذاك النجاح لم يتعد في اخر التجارب 27 ( تسقط القبة صاروخين من اصل سبعة صواريخ تطلق على اسرائيل ) و اذا اضفنا الامر الى واقع الحال بان القبة الفولاذية لم تنشر على كامل فلسطين المحتلة لوصلنا الى القول بان عنصر المناعة الاجتماعية الذي روجت اسرائيل له و بانه قيد تحقيق ، عنصر سقط كليا و عادت الجبهة الداخلية من الناحية الحمائية الى نقطة الصفر ، مع ما يترافق ذلك من رعب و انعدام ثقة ، يدفع الاسرائليين مجددا للعمل بجواز السفر الثاني غير الاسرائيلي الذي يحمله معظمهم للسفر طلباً للامان في الخارج .
- لم يعد ممكنا استسهال التهديد بالحرب أو الذهاب اليها بقرار اسرائيلي ، بعد ان باتت اسرائيل عرضة للخطر الذي يتهددها في الداخل ، كما ان امن اهدافها الاستراتيجية الكبرى بات في دائرة الخطر بما في ذلك مفاعل ديمونا الشهير .
3. على الصعيد الغربي بالقيدة الاميركية : وجه السيد حسن نصرالله كعادته ضربة محترفة لهذا الحلف عندما اعلن ان الطائرة هي صناعة ايرانية ، و في ذلك رد مباشر على ردات فعل الغرب في كل مرة كانت ايران تعلن عن انجاز جديد في مجال التصنيع الحربي و كان الغرب يسخر من الاعلان الايراني و يقول انه ادعاء فارغ يأتي في مجال الحرب النفسية ، كما كان الحال منذ ستة اشهر عندما اعلنت ايران عن طائرة لا يلتقطها الرادار و قبلها عندما اعلنت عن الزورق الطائر ، اما الان و قد تحدت الصناعة الايرانية التقنية الغربية و تغلبت عليها و اثبت انها قادرة على احداث "العمى الراداري" لخصومها فقد بات الزاميا ان يقدم الحلف الاطلسي و على رأسه اميركا ، على اعادة النظر بالخطط العسكرية في الخليج المعدة لمحاصرة ايران او بالخطط كلها المستهدفة ايران ، و في هذا خسائر بالغة ستلحق بهذا الحلف ماديا و معنويا لانه سيكون من الان وصاعدا ملزما بالتعامل بجدية مع كل اعلان ايراني عن انجاز عسكري جديد .
4. على الصعيد الاقليمي العام و خاصة من باب الازمة السورية ، ترافق اطلاق الطائرة مع موقف متطور من الازمة السورية ، حيث ان الطائرة اكدت اولاً جدية ما كان يقول به السيد نصر الله بانه قادر على النيل من الاهداف الاستراتيجية الاساسية في اي مكان من فلسطين المحتلة ( الطائرة ايوب مجهزة ايضاً لحمل المتفجرات ) ، ثم عطف ذلك على استعداد المقاومة فيما اذا تغيرت مسارات الاعمال العسكرية و الميدانية القائمة حاليا في سورية و دخل فيها عنصر جديد ، اي تدخل جيوش اجنبية في سورية ) ان المقاومة ستدخل في المواجهة و ان لديها القدرات الكافية لذلك و هي تضيف الى قدراتها الميدانية و النارية بعد ثالث شكلته هذه الطائرة و ما اخفي خلفها من قدرات قد يكون اعظم لان العرف العسكري يقضي ببان يحتفظ الخصم ببعض ما لديه و اهمه من اجل المفاجأة في الحرب .
5. و يبقى كلمات نقولها على الصعيد اللبناني و نختصرها بالقول بان المقاومة قالت و بشكل عملي ، انها ماضية في طريقها ، طريق ذات الشوكة و العزة و القوة و الكرامة ، فمن شاء ان يلتحق و يحجز لنفسه مقعدا في قطارها فانه ترحب به ، و من اصر على معاداتها و العمل مع اعدائها ، و التلطي وراء استراتيجية دفاعية تلغي المقاومة ،فانه لن يؤثر عليها سواءا كان من الرسميين ام من غير الرسميين ، و من يرضيه التصريح و الكلام فليهنأ بما يقول و من يريد ان يجرب الميدان فالنصح له بان لا يجرب و السلام .
و في الخلاصة نرى ان الطائرة ايوب اجهضت تدابير حصار اتخذها خصوم المقاومة ، و سفهت احلام اسرائيل بامتلاك المناعة الاجتماعية ، و عطلت قدرتها على الحرب و قرارها ، و اكدت الخط التصاعدي للمقاومة في القوة و التمسك بالاتجاه الصحيح نحو فلسطين كما اكدت الموقع المتقدم لايران في مجال الصناعات العسكرية ، و ثبتت معادلة جديدة في الصراع مع الصهيونية و الغرب الذي يحتضنها ، ليس اقله القول بان التقنية لم تعد حكرا على الغرب و اتباعه ، و في هذا اهم ضربة استراتيجية توجه لاسرائيل و لاعداء الشعوب من مستعمرين قدامى او جدد الذين لا قيمة عندهم لحق و لا يأبهون الا للقوي .