لم يعد بالإمكان وضع حد للمخيلة وتوقع حجم المفاجآت التي وعد بها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في الحرب مع العدو «الإسرائيلي» بعدما بلغت السماء وضجت بها الأرض في اختراق يعد الأول من نوعه منذ نشوء الكيان الصهيوني وصراعه المفتوح مع العرب والمسلمين لا سيما الحركات والتنظيمات والأحزاب والمقاومات على امتداد المنطقة ومنذ أكثر من 60 عاماً.
«أيوب» الطائرة التي سجلت حتى الآن المفاجأة الأبرز حيث نقلت أفق الحرب من الأرض الى السماء فتحت الباب واسعاً على البحث والتقصي حول القدرات «الجوية» التي تمتلكها المقاومة أو تلك التي يمكن أن تمتلكها أو تستخدمها في أية حرب مقبلة، أو حتى في عمليات «القتال» النفسية أو في إطار الحرب الأمنية المفتوحة التي انطلقت بشكلها «المكشوف» منذ اغتيال إسرائيل والولايات المتحدة وبمساعدة عربية معروفة، القائد الجهادي في المقاومة عماد مغنية في شباط 2008، ذلك أن الحرب الأمنية التي لم يسجل حزب الله فيها الكثير من الناحية العملية استطاع، و فقط من خلال إعلانه خوضها، زعزعة الكيان بكامله والذي لم يعرف الراحة ولو دقيقة منذ زمن بعيد ليس بداخله وحسب، بل على امتداد العالم وفي كل الأماكن التي من الممكن أن يوجد فيها مدني أو عسكري أو سياسي ودبلوماسي.
لم تنخفض حدة التساؤلات التي تطرح حول الطائرة «أيوب» وكيفية قيامها بعمليتها فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة حتى أنها شملت التفتيش الأميركي بطلب «إسرائيلي» عن الأماكن المحتملة لإطلاقها والتي جرى على أعلى مستوياته من خلال زيارة السفيرة الأميركية في لبنان مورا كونيللي العلنية الى مطار بيروت والتي اخفت في ثناياها وفداً عسكرياً وأمنياً متخصصاً حضر من خارج لبنان، وتحديداً من قاعدة «رامشتاين» العسكرية في ولاية راينلاند في فالتس الألمانية التي تعتبر بوابة الجيش الأميركي إلى أوروبا والمركز المحوري لحركة القوات الأميركية في حربها على ما يسمونه بـ»الإرهاب».
لم تكن خطوة السفيرة الأميركية الى مطار بيروت اعتباطية أو مجرد نزهة، بل كانت أمر عمليات إسرائيلي – أميركي لمعرفة مدى خطورة ما كشف النقاب عنه من قبل المقاومة، إذ يعتبر ما فعلته «أيوب» نقلة نوعية في الحرب التي لم تقفل بموجب القرار 1701 الذي ركز على تحقيق وقف لإطلاق النار في ما ابقى عليها قائمة إفساحاً في المجال أمام «الإسرائيليين» وحلفائهم من «الناتو» الذين وعدوا إبان حرب الـ 2006 بمؤازرتهم في اية عملية جديدة محتملة.
وفي هذا السياق، يقول خبراء عسكريون إن عمليات البحث عن مواقع محتملة لإطلاق الطائرة ما زالت جارية في لبنان قد شملت أكثر من منطقة وصولاً الى سهل البقاع، مشيراً الى أن عملية الإطلاق لهذا النوع من الطائرات لا يحتاج الى مدرجات طويلة، كالتي تستخدمها الطائرات المدنية الصغيرة أو الكبيرة، أو حتى المقاتلات التي تنطلق من على حاملات الطائرات في عرض البحر والتي عادة ما تكون مدرجاتها قصيرة المسافة نسبياً، إذ أن أنواعاً كثيرة من الطائرات من دون طيار، والتي ينحصر استعمالها في أمرين على وجه التحديد، الأول هو التجسس بكل انواعه المرئي (نقل الصور الحية والجامدة)، والمسموع (التنصت والإتصالات)، والثاني هو العمليات الأمنية كتلك التي تنفذها طائرات أميركية من دون طيار في باكستان وأفغانستان ضد طالبان، وهي حالياً يستخدمها الاميركيون في اليمن ضد مجموعات «القاعدة» التي تسيطر على أجزاء واسعة من محافظات البلاد وتعاني السلطات من وجودها هناك.
ويشير الخبراء العسكريون الى أن إطلاق تلك الطائرات إنما يصح عن منصات إطلاق قد توضع في اي مكان، حتى من على زورق في عرض البحر أو قريب من الشاطئ، الأمر الذي تفرضه زاوية الإطلاق المطلوبة وخط سير الطائرة، لكن الأكثر اهمية من ذلك هو القدرة على التحكم بها وتسييرها من خلال اجهزة رادار خاصة بها وترددات لا يمكن اختراقها أو التشويش عليها وهو ما يجب التوقف عنده وملاحظة قدرة المقاومة على التعاطي مع الشأن العلمي المحض واستخدام العقول بهذا المجال في خوض الحرب مع «إسرائيل» وهو ما اعترفت به هذه الاخيرة عبر ما ورد في بعض وسائل إعلامها التي وصفت حزب الله بالعدو الذكي بعد اختراق ايوب لأجواء فلسطين المحتلة.
لقد جاء توقيت إعلان السيد نصرالله عن عملية «أيوب» في لحظة تم اخيارها بعناية في ظل ما يجري في سورية تحديداً، وبروز مراهنات دولية وإقليمية وعربية على امكانية التدخل لحسم الموقف هناك والانقضاض على الهدف الأساسي من الحرب «سلاح المقاومة» من خلال عملية عسكرية يجري العمل على إيجاد مبرراتها وتحفيز «إسرائيل» عليها كبديل عن توجيه ضربة لإيران تطالب بتحقيقها منذ زمن، إلا أن الحرب في سورية قد استبقت بنتائجها كل فكرة تتصل بتدخل خارجي، لم يستطع التحالف الغربي – العربي من تحقيق ظروفه، لا من خلال تقديم كل أشكال الدعم العسكري والمالي للمسلحين في سورية أو من خلال إقامة منطقة عازلة تشكل قاعدة لهذا التدخل، في ما لم تتضح لدى ذلك التحالف صورة البديل الآتي عما يصفونه بـ»النظام السوري» ،ما افضى بالأميركيين الى إبلاغ كل من يعنيهم الأمر لاسيما في لبنان بالتعاطي مع فكرة أن الرئيس بشار الأسد باق حتى بعد حرب يمكن أن تطول ما هرب خططاً بأكملها تتصل بالمرحلة المقبلة.
باتت «ايوب» اليوم مفصلا مهماً في إبداء الرأي والتعبير عن الموقف من مجمل الأحداث جنوباً وشرقاً لأن الحرب التي تخوضها المقاومة هي حرب واحدة.. كما في السماء كذلك على الأرض!.