أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الفاخوري فنان لا تعترف به الدولة كحرفي

الثلاثاء 16 تشرين الأول , 2012 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,829 زائر

الفاخوري فنان لا تعترف به الدولة كحرفي

ارتبطت صناعة الفخار قبل آلاف السنين بحياة الإنسان ونمط عيشه، ولا تزال مكتشفات الفخار الأثرية إلى اليوم، سبيلاً وحيداً لدراسة الحضارات والمجتمعات الإنسانية المتعاقبة يوم لم تكن ثمة نصوص أو زخارف منقوشة، فكان الفخار المادة الأهم التي تمكن من خلالها المؤرخون وعلماء الآثار، من التعرف إلى الحضارات القديمة. وفي لبنان ترقى صناعة الفخار إلى الألف الثامن قبل الميلاد بالاستناد إلى المكتشفات الاثرية في وسط بيروت وهي في تعاقبها شهدت تطوّراً من صناعة بدائية متصلة بتطور حاجات الإنسان كأواني الطعام والجرار الكبيرة لتخزين المواد الغذائية والأباريق والأكواب، إلى فن وتحف مزخرفة. ويمكننا أن نميّز بين نوعين من الفخار، الأول يتعلّق بكل المقتنيات المنزلية، فيما يعْنى الثاني بالتحف والأشكال الخزفية الفنية، وإن كان النوعان يسلكان الطريق ذاته من حيث استخدام المواد الأولية. 

مرّت صناعة الفخار في لبنان في سياق تطورها بمراحل عدة، في أكثر من منطقة بحسب توفّر المواد الأولية ولوازمها، حتى وصل الأمر إلى أن بعض القرى والبلدات حملت اسم «الفخار» لاشتهارها بصناعته، ومنها راشيا في البقاع الغربي، ومن المناطق اللبنانية التي ما زالت تشتهر بصناعة الفخار، قرية آصيا - قضاء البترون، وبيت شباب - قضاء المتن، إلا أن ثمة قرى وبلدات ارتبط تاريخها بصناعة الفخار، ولا سيما منها جسر القاضي، ودير كوشة، وبشتْفين الواقعة عند الحد الفاصل بين قضاءي عاليه والشوف. ويصارع بعض أبنائها لمنع اندثارها، حيث شهدت وسط موجات الحداثة تراجعاً وضعها على حافة الاندثار. 

 

«أربع فواخير فقط»

 

كمال دبيسي أحد الخبراء في ذلك المجال، أشار إلى أن «صناعة الفخار في لبنان من أقدم الصناعات وما زالت تحارب من أجل الاستمرار في عالم الحداثة. أما تاريخها في هذه المنطقة فيعود إلى منتصف القرن الثامن عشر للميلاد، حيث نشأ أول مصنع في قرية دير كوشة المجاورة لقرية جسر القاضي، وكان بدائيّاً جداً، وفي مطلع العام 1927، بدأت بالانتشار المحدود في منطقتي الشوف وعاليه». ولفت إلى أنه كان يملك مصنعاً في جسر القاضي، وقال: «نمت الصناعة وتطورت مع زيادة الإقبال على استعمال الفخار في الأربعينيات يوم بلغ عدد المصانع نحو أربعين (فاخورة) وتعدّى تصريف الإنتاج لبنان، ليصل إلى البلدان المجاورة، ولا سيما سوريا والأردن وفلسطين». ومع بداية الخمسينيات بدأت الحرفة بالتراجع إلى أن أصبح عدد المصانع في مطلع الستينيات لا يتجاوز السبعة، وتراجعت أكثر بحيث لا يتعدى عددها اليوم الأربعة أو الخمسة، ورأى الدبيسي أن «العامل الرئيسي لازدهار الحرفة، هو وجود نوعية التربة الصالحة، فمنطقتنا شحّارية فيها (الدلغان) بكثرة، وهو الأساس لـ (عجينة) الفخار التي تستخرج من الأرض». 

وفي عملية إدخال الألوان، توضع المادة الدلغانية في برك خاصة، ويضاف إليها الماء، ويقوم عامل بتحريكها باليد حتى تذوب، ومن ثم توضع في أماكن مخصصة لتجفيفها من خلال حرارة الشمس، وهذه العملية بحسب الدبيسي «تجري في فصل الصيف، ثم توضع في مستودعات خاصة، وترطّب باستمرار من خلال الماء ليحين أوان استعمالها، حيث تُدعك العجينة وتشكّل القطع وتنظّف، بعدها تُترك نحو خمسة عشر يوماً لتجف تماماً، وتصبح قابلة للشيّ في فرن كبير حتّى يميل لونها إلى الأحمر، وتصبح غير قابلة للتفتت وجاهزة للاستعمال». 

 

«الدولة لا تعترف بنا»

 

وأشار خالد ضو إلى أن «قطعة الطين بين يدي هي مثل الريشة بين يدي الرسام، يحركها كما يشاء، ويبتكر منها في كل مرة فكرة جديدة». وأسف لأن «أبناء هذا الجيل لا يعيرون مثل هذه الحرف أدنى اهتمام، وبالتالي فهذه المهنة سائرة إلى الزوال، فقد تناقص عدد مصانع الفخار». وعن تسويق الإنتاج، وما إذا كان المردود المادي كافياً، ويؤمّن العيش لمن تبقّى من حرفيين يكافحون في سبيل إبقاء الحرفة على قائمة الحرف التقليدية، وعما اذا كان ثمة اهتمام رسمي من الدولة، قال ضو: «لا بأس بالمدخول المادي، ما زال يكفي احتياجات العائلة، لكن يصبح المدخول أفضل بكثير لو أن هناك اهتماماً ورعاية، فالدولة لا تعترف بنا كحرفيين، وليس من وزارة مسؤولة عن هذه الحرفة. وقد تقدّمنا بشكاوى عدة إلى وزارات عدة، ولم نلق آذاناً صاغية، فنحن لا نملك رخصة عمل ولا رخصة نقل إنتاج، وغير مشمولين بالضمان الصحي. وعندما نطالب بأي حق من حقوقنا يطالبوننا بمستندات لا نملكها. نحن أبناء حرفة، كالرسّام والنحات والخياط، واستمرارنا مرهون بجهودنا الشخصية وإمكاناتنا المادية». وعن تصريف الإنتاج قال ضو: «بالرغم من تزايد صناعة وإنتاج الفخار من دول أوروبية عدة ومن الصين وغيرها وبتقنية متطوّرة، إلا إنه بقي للفخار المصنوع يدويّاً رونقه الخاص، وميزاته العديدة، فالخطوط التي تبدو على سطح قطع الفخار اليدوية لها قيمتها الفنية العالية». وأشار إلى أن التصريف يتركّز على دول الخليج والإمارات بشكل عام، وأحياناً الكويت والسعودية، إضافة إلى السوق المحلية التي تنشط أكثر في فترة الصيف حيث يكثر السياح والمصطافون». 

إلا أن الدبيسي كان رأيه مختلفاً بالنسبة للمردود المادي فهو «غير كافٍ بالمقارنة مع الجهد المبذول والتكاليف الكثيرة». وطالب «الدولة بخفض ضرائب الجمارك على الدهانات المستوردة وخفض أسعار المازوت أو تأمينه بالحد الأدنى، لأن أفران الفخار تعمل بواسطة المازوت». كما طالب «المعنيّين بفتح أسواق خارجية لتصريف الإنتاج والحد من دخول البضاعة المماثلة من البلدان المجاورة والتي أثّرتْ على سوق الفخار في لبنان في المدة الأخيرة». وأضاف: «نريد التشجيع من الدولة والدعم المادي، حتى لا تنقرض هذه الحرفة، التي تتلاشى شيئاً فشيئاً لعدم تمكّن القلة المتبقية من الاستمرار في مزاولتها لضعف إمكاناتهم المادية».

في العام 2002، توسّم العاملون في مجال الفخار خيراً بمشروع عُرف يومها بـ «المحترف الدائم للخزف» في مدينة الشويفات، وخصص المجلس البلدي وقتذاك الموقع الذي كان يحتله «راديو أوريون»، وهو موقع أولى المحطات الإذاعية في الشرق، ويقع ضمن النطاق العقاري للشويفات، لا سيما أن تاريخ المدينة حافل بتراث ثقافي عريق مع الفخار. 

وبالفعل شهد الموقع بناء وتأمين المرافق والبنى التحتية الأساسية، ما أتاح افتتاح «الملتقى الدولي الأول للخزف» في الشويفات، وكان يهدف إلى تشجيع الخزافين اللبنانيين، وترسيخ العلاقة الفنية والتقنية مع خزافين من مختلف دول العالم، فضلاً عن تأسيس صناعات حرفية فنية متطوّرة تساعد في إيجاد فرص عمل.


Script executed in 0.18319702148438