نائب له رؤيته الأحاديّة في كل شيء. بلا خجل يرى العالم بعيون النظام الحاكم في سوريا. صوره المعلقة بمسامير صلبة داخل منزله تعلن رسوخه في الماضي. الصالون أنيق ولكنه أشبه بمكتب مرتب لحزب البعث. الماضي فيه أكثر من الحاضر بكثير ولا مساحة للثاني كي يساجل الأول أصلاً. لا لأن الكنبات الوثيرة على طراز عربي قديم، ولا لأن صاحب المنزل لم يتغير منذ السبعينيات صورةً ومواقف، إنما لأن جدران المكان نفسها، إن نطقت لقالت شعارات البعث الأولى وأهله المستمرين. في منزل الوزير السابق، عاصم قانصوه، يشعر الجالس أنه في حضرة البعث. ولكنه بعث خفيف يتكل على التاريخ ويقيم في طابق مرتفع من الذاكرة. لا يشبه أبداً الصورة «النمطيّة» عن مكاتب البعثيين وبيوتهم. في آخر «الصالون البعثي» هذا، صورتان من الحجم الكبير، واحدة للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، دسّ عليها قانصوه شارةً سوداء بمقاس رمزي، ولا يحار الناظر لحظة واحدة في أن قانصوه قام بفعلته هذه عفويّاً. فإذا جال بين الكنبة والصورة رفع رأسه نحو الرئيس؛ بدت عليه علامات التأثر كأن الأسد مات قبل أسبوع.
وإلى جانبها صورة على النسق نفسه، لـ«الفريق الركن بشار الأسد». كان شاباً أكثر مما هو عليه الآن. بهتت ألوان الصورة ولم يستبدلها قانصوه بعد. يحبّ أن يرى الأسد الابن بهذا الشكل، فريقاً ركناً. والأهم من هذا كله، الصورة التي على حائط الدعم الذي يجمع غرف الصالون. صورة ليست قديمة تماماً. فيها ثلاثة أشخاص متساوين في الحضور داخل الإطار. الأول الرئيس السابق إميل لحود. والثاني قانصوه نفسه. والثالث، «صديق» قانصوه، الراحل رفيق الحريري. يصرّ: «صديقي». والصورة داخل مجلس الوزراء تشهد. الثلاثة يضحكون وكأن فرحهم آنذاك كان مجانيّاً. ثم يستفيض قانصوه، ويقول بلهجةٍ يبدو فيها واثقاً: «أنا أول من رشّحه لرئاسة الوزراء». أما الجهة التي صوّب إليها قانصوه رغبته في 1987، فكانت «عبد الحليم خدام». ويومذاك، قال له خدام: «سيأتي، ولكن ليس الآن».
يتبع قانصوه صوتاً خفيّاً في داخله يقوده إلى الحقبات الفائتة دائماً. الرئيسان ميشال سليمان ونجيب ميقاتي ليسا وسطيين برأيه. إنهما ضدّه. لا يثق كثيراً بالنائب ميشال عون، مثلاً، ولا يصدق نوابه الذين «يسبّوننا في الليل ويذهبون يحجّون في براد في النهار». ما زالت صورة 22 طفلاً «قتلهم عون في الأونسكو» أمامه، ويعتبر أن نواباً من «طينة» العونيين، ما زالوا يحتفظون بعقليّة «الإلغاء» وما «إصرارهم على قانون اللقاء الأورثوذكسي السخيف إلا دليلاً على ذلك». التفاهم بين حزب الله والتيار يعنيه. يهمّه أن يبقى هذا التفاهم قائماً. ولا يعنيه أن يكون جزءاً منه. 8 آذار حالة «ملتبسة». يطلب تعريفاً لهذه الحالة. يطلب تنسيقاً حقيقيّاً، لا مجموعة مواقف تتلاقى وتتباعد بلا ضابط إيقاع. حلّ «أبو جاسم» سهل. يقترح انشاء شيء مثل «الأمانة العامة لقوى 8 آذار» على غرار مثيلتها عند 14 آذار. ولا يمانع أن يكون هو أميناً عاماً لها، لكن طبعاً «ليس على غرار فارس سعيّد»، يضحك هنا. ضحكة طويلة. ينتقد «الزملاء في الحزب والحركة» على أدائهم وعندما تسأله عن أدائه يستعيد شغفه الأول: العلوم النفطيّة، والسدود. طالب بسدّ العاصي منذ كان الرئيس نبيه بري وزيراً للموارد المائيّة في 1987، ويومها، «منح الرئيس حافظ الأسد لبنان 36% من مياه العاصي رغم أن لبنان لا يحقّ له أكثر من 21%». أجريت الدراسة وجاء البلغاريّون ولا جديد. يقول إن نواب الحزب والحركة وقفوا مع وزير الريّ السوري في 2004، الذي جاء ليعرقل المشروع، بينما أصرّ على موقفه، مستنداً «إلى دراسة علميّة تؤكد أن السد لا يؤثر على حمص». و«فركش» المدير العام لمصلحة المياه والكهرباء، فادي قمير، مشروعه آنذاك «علماً أنه كان محسوباً على الرئيس لحود». والآن، استبدلوا ذلك السدّ الذي كان سيجمع 108 ملايين متر مربع من المياه، بواحد صغير، يوفر 35 مليون متر مكعب. والأمر نفسه حدث في الزراريّة وميفدون وسد الخردلي. يتحدث عن مشاريع كثيرة قام بدراستها بنفسه، واقترحها، وأهملها «الحلفاء» من دون «أن أفهم السبب». سبب الاهمال. وفي وزارته، العمل، يعتبر إنشاء مركز لوزارة العمل في بعلبك انجازاً. ومنزل قانصوه، ليس «مفتوحاً» على الطريقة اللبنانيّة، كما يفعل النواب الشعبيون، لأنه يعتبر نفسه «عقائديّاً»، ويمثل حزب البعث. ورغم أنه يمثل البعث، يقول إن «النفط اللبناني نظيف بينما السوري وسخ»، وهو أول من قال ذلك، وقدمه في أطروحته بفرنسا، في ستينيات القرن الماضي. هذا من الناحية العلميّة. اللافت، ان قانصوه يرى أن «إنشاء هيئة النفط» المرتقب هو «أكبر جريمة لسرقة النفط». ويتهم الجميع من دون استثناء، إذ «لا بد من انشاء وزارة تضم المختصين». بالأرقام: يتحدث عن «رفض الحريري لمشروعه حيال النفط، تفادياً للاصطدام مع السوريين»، ويؤكد «البترول على عمق 2577 متراً في البحر، وهرب منه الغاز إلى مساحة 1500 متر». كل شيء، نسمعه في التلفزيون، على ذمة قانصوه، «تفنيص بتفنيص». والجميع ينتظر حصته.
الرجل ليس عدائياً كما هو شائع عنه. على العكس تماماً. يدّعي الانفتاح على الجميع غير أن آراءه معروفة ولا يدخل في الزواريب، زواريب السياسة والمهادنات، كي لا يضطر أن يحني رأسه. ولاؤه للرئيس السوري بشار الأسد ثابت ولا جدال فيه. غير أن اللافت يبقى أن نقطة ضعفه هي الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله. بين الرجلين علاقة «أبويّة» لا يصفها قانصوه كذلك، غير أنها فعلاً كذلك. ولولا أن نصرالله في سنّ ابنه لظنّ المستمع إلى «أبو جاسم» أن نصرالله هو الأب وقانصوه هو الابن. لقد زاره السيد نصرالله في 2005، وطلب منه ألا يترشح للانتخابات «لأن الوضع حساس ولا يسمح». لم يتردد «البعثي الأول» في لبنان بقبول طلب نصرالله، والآن «مستعد لفعل الأمر نفسه». لا ينسى «بادرة» نصرالله، الذي جاء إلى بعلبك «ووقف على خاطره». يعني هذا أن ترشحه للانتخابات المقبلة، وكل شيء آخر، متوقف على نصرالله. أما في سوريا، «فلا شيء يدعو للقلق»!