تخبر أختها جوزيان (17 عاما) أن جنيفير كانت عائدة من المدرسة، وللمرة الأولى، بواسطة «الأوتوكار». تبدّل جنيفير ملابسها لتناول الغداء وتسأل عن وجبة الطعام. في تلك اللحظة، حصل الانفجار، تهاوى زجاج «الفيترين» وتساقطت حجارة على الأرض. هرعت جوزيان لإنقاذ أختها وابن خالها جوزيف الموجود معهم في المنزل. حاولت جوزيان إزالة الأغراض الثقيلة عن جسد أختها التي تطلب النجدة: «خلصيني، خلصيني». تنجح جوزيان في إخراج جنيفير وجوزيف إلى خارج البيت. يدوّي الانفجار الثاني، يتعثر الأب عن الدرج، هو الذي كان يشتري الخبز والبندورة للأولاد. يحمل الأب وجوزيان جنيفير على الأكتاف، ثم يساعدهم إبن الجيران. يتذكر الأب كلمات ابنته: «بابا خلّصني». ينقل «الصليب الأحمر اللبناني» الأب وجنيفير إلى «المستشفى اللبناني الكندي» بينما يتم نقل جوزيان إلى «مستشفى أوتيل ديو».
وصلت جنيفير إلى المستشفى، وفق المسؤول عن وحدة العناية الفائقة في «اللبناني الكندي» الدكتور اياد مغبغب، في حالة من الغيبوبة وتعاني ضيقاً في التنفس وكسراً في الرأس وفي كوع اليد اليمنى وجروحاً في مختلف أنحاء الجسم. أجرى الأطباء الإسعافات الأولية، وصورة ماسح ضوئي (scanner) للرأس. وخضعت جنيفير لعملية جراحية في الرأس استغرقت سبع ساعات. نامت الفتاة ثماني وأربعين ساعة بعدها لتستيقظ نهار الأحد في كامل وعيها، قادرة على تحريك جميع أطرافها، ذاكرتها سليمة، وتسأل عما جرى.
ظنّت جنيفير أن ما حصل ناجم عن خلل في التيار الكهربائي، وفق الممرضة المسؤولة في وحدة العناية الفائقة ريتا أبو سابا، غير أن أهلها شرحوا لها أن انفجاراً وقع في شارع البيت. تسأل جنيفير عن منزلها، وتشكر العذراء مريم التي حمتها. «جنيفير بنت ذكية جداً، تطرح تساؤلات مدهشة وتثير أحاديث لذيذة»، تضيف أبو سابا.
ينتظر أهل جنيفير خارج وحدة العناية الفائقة. لا تصدّق الأم نسرين شديد أن ابنتها نجت ومازالت على قيد الحياة. «ما كانت بتقعد يا زلمي»، تلفت الأم إلى أحد الزائرين المطمئنين إلى صحة ابنتها، و«أحلى شي عندها بالدني الرسم والتلوين».
تهوى جنيفير، وفق والدها ريشار، التصوير الفوتوغرافي. تلتقط الصور بواسطة كاميرا الهاتف. تحبّ المواد الدراسية كلها وهي اليوم في الصف الخامس الابتدائي في مدرسة «saint Vincent de Paul»، ولا تتابع برامج الرسوم المتحرّكة، فهي أكبر سناً من أن تشاهد برامج الأطفال. لا تتحدث جنيفير كثيراً عن طموحاتها في المستقبل، غير أنها ذكرت مرة أنها ستصبح طبيبة لتداوي والدها.
تصل المسؤولة في «رعية مار يوحنا المعمدان» ليدا بوشروش إلى قاعة الانتظار في المستشفى. تسأل بلهفة ملحوظة عن صحة جنيفير «الفتاة اللطيفة، والملتزمة، والخدومة». تشارك جنيفير، وفق بوشروش، في نشاطات الرعية وخدمة القداس نهار الأحد، ولديها أصدقاء كثر في «أخوية فرسان العذراء» الذين يصلون لها يومياً ويدعون لها بالشفاء.
يلاحظ خال جنيفير انطوان نعيمي تحسناً كبيراً في صحتها، خصوصاً بعد تجاوز مرحلة الخطر. جال نعيمي كثيراً بين مستشفيات المنطقة يبحث عن ابنه جوزيف وعن جنيفير وجوزيان. لم يتوقع نعيمي أن الأولاد نجوا، وأن الحياة مازالت تزهر في عيونهم، هم الذين لا ذنب لهم في ما يجري من سجالات سياسية وخطط دولية واستراتيجيات محلية وعالمية. «لم يسأل أحد عن الأولاد»، يقول نعيمي، زارهم أمس النائب نديم الجميل وممثل عن النائب ميشال فرعون فقط.
«موجوعة من شي»، تسأل الممرضة الفتاة الجريحة. تجيب جنيفير بأن رجلها تؤلمها، وترغب في الغطاء غير أنها لا تريد وسادة تحت الرأس. لا تريد جنيفير الوسادة، تريد سلاماً وأقلام تلوين ترسم بها وطناً آمناً لا يسقط الأبرياء فيه قتلى وجرحى وهم في انتظار مائدة الغداء.