والأبرز في لجوء قوى الأمن إلى عنف غير مسبوق أدى إلى جرح أكثر من 100 متظاهر بالاضافة الى اصابة 11 من عناصر الشرطة. قدّر كثيرون العدد بـ 100ألف، ومنهم من وصل بالتقدير إلى 200 ألف، وفي الحالتين كانت التظاهرة التي شارك فيها سياسيون معارضون وناشطون، أكبر ما شهدته الكويت في تاريخها من تظاهرات.
أسئلة كثيرة أثارتها المشاهد الآتية عن رجال تدافعوا هرباً من قنابل مسيّلة للدموع ألقيت بكثافة، وعن نواب معارضين اعتُقلوا، عن آخرين أضربوا عن الطعام، في مقابل قرارات اتخذتها السلطة بمنع التظاهر ورفع سقف التضييق على المعارضين. وهكذا، كانت ساحة الكويت أمس الأول تشبه ساحات دول أخرى زارها «الربيع العربي»، ما جعل كثيرين يتساءلون «هل بدأ الربيع حقاً في تلك الدولة التي تعوم على عُشر الاحتياطي النفطي العالمي؟». لتتبعها أسئلة أخرى عن سبب وصول الأمور إلى هذا المستوى، وعن جوهر المشكلة العالقة، وتداعيات اللجوء إلى عنف مماثل من قبل السلطة؟
«تعديل القانون...
انقلاب دستوري»
في عودة سريعة إلى ما حصل أثناء التظاهرات وما تبعه بالأمس من تداعيات، يشرح الكاتب والمحلّل السياسي الكويتي داهم القحطاني لـ«السفير» ما حصل. القحطاني كان مشاركاً في التظاهرات بصفته مدوناً ناشطاً على الساحة الكويتية، وهو يؤكد أن الأرقام تصل إلى 200 ألف من المشاركين. المشاركون في البداية كانوا سلميين، لكن القوات الخاصة صعّدت على الفور ورمتهم بالقنابل البرتقالية، كما حاصرت الرجال والنساء عند منطقة الأبراج. أكثر من ذلك، قامت باعتقال النائب الإسلامي وليد الطبطبائي وكذلك الناطق باسم «الجبهة الوطنية لحماية الدستور» خالد الفضالة، وأحالتهما على النيابة العامة وليس القضاء.
في الواقع لم تكن تلك التظاهرة الأولى للمعارضة. فقد سبقتها ثلاثة تجمعات حاشدة في ساحة الإرادة، وبينما لا يحتل تغيير نظام الحكم مكاناً على أجندة المعارضة، يبقى السعي لإصلاحات جذرية على رأس أولوياتها.
وتأتي المشكلة الحالية في سياق أزمة سياسية بدأت في العام 2011 عندما تمّ حلّ البرلمان الذي انتخب في العام 2009 وانتخاب آخر ليتم لاحقاً حلّ الجديد وإعادة برلمان 2009 ثم حلّه مرة أخرى. لكن الجديد على الساحة الكويتية اليوم بدأ مع إعلان أمير الكويت صباح الاحمد الجابر الصباح الجمعة الماضي إصدار «مرسوم ضرورة» يقضي بتغيير قانون الانتخابات الحالي، وذلك في ظلّ عدم وجود برلمان. والقانون الحالي يقسّم البلاد إلى خمس دوائر، يحق فيها لكل كويتي بأربعة أصوات، بينما تسعى الحكومة إلى إقرار قانون الصوت الواحد مع الحفاظ على مبدأ الدوائر الخمس.
ما سبق تسوقه الحكومة ضمن مبدأ الحفاظ على «الوحدة الوطنية»، بينما يعتبره المعارضون «انقلاباً دستورياً»، وهذا ما رشح عن اجتماعهم في ديوان رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون، وهو أحد أقطاب المعارضة، قبيل التحضير لتظاهرة أمس الأول.
يعزو المعارضون موقفهم ذاك إلى أن الحكومة تريد أن تتجنب تكرار تجربة انتخابات شباط الماضي التي أسفرت عن فوز غالبية معارضة في البرلمان قبل أن تقضي المحكمة الدستورية بحله وإعادة برلمان 2009 الموالي للحكومة لأسباب إجرائية. كما ترى المعارضة أن هذه الخطوة تهدف إلى التلاعب بنتائج الانتخابات وإيصال برلمان «مطيع».
وفي السياق، تؤكد المعارضة عدم التراجع حتى سحب المرسوم (الأمير لم يصادق نهائياً عليه وهذا ما يشكل نقطة عودة)، وتعد بالتحضير لتظاهرة حاشدة، من هنا يتوقع الشارع الكويتي معركة كسر عظم مقبلة بين الحكومة والمعارضة.
يبدي القحطاني تفاؤله، إذ ما حصل أمس الأول قلّص من أدوات السلطة وأحرق أوراق الحكومة الأخيرة. لقد اكتشفت السلطة أن القمع لن يفيدها وهذا ما رشح عن اجتماع طارئ لأفراد من الأسرة الحاكمة جرى فيه، بحسب مصدر أمني، حديث صريح اعترف بسوء الأوضاع وضرورة العودة إلى التهدئة. أما المؤشرعلى تغيّر المعادلة فهو أن «المرسوم النهائي كان يفترض صدوره اليوم (أمس)، لكن ذلك لم يحصل».
«لا.. ليس انقلاباً»!
في المقابل، تبدو وجهة النظر الرسمية مغايرة تماماً. يعكسها الوزير السابق سامي النصف لـ«السفير» قائلاً إن «ما حصل أمس الأول خاطئ بالطبع، لكن التظاهرة غير مبرّرة». كيف؟ يشير النصف الى أن «من حق الأمير إصدار مرسوم الضرورة في غياب البرلمان. وهو كان فعل ذلك حوالي 1054 مرة، كان منها تعديل الدوائر الانتخابية. وقد شارك الإخوان المسلمون مثلاً، الذين يعدون من أبرز المعارضين اليوم، في السابق في انتخابات نتجت عن تعديل مماثل. فما الذي تغيّر اليوم؟ لا بدّ من ان القوى المعارضة كانت تستفيد من تحالفات وائتلافات في ظلّ القانون الحالي، وهي تخاف على مصالحها من أي تغيير يهددها، علما بأن قانون الصوت الواحد يسمح بتمثيل الفئات المهمشة ويراعي الديموقراطية أكثر من ذاك المعتمد حالياً.
كلام النصف يؤكده بدوره أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في شؤون مجلس الأمة (البرلمان) حسين عبد الرحمن لـ«السفير»، وإن كان أكثر «تفهماً» لمبادرة المعارضين. يشدّد عبد الرحمن على حق المعارضين بالتظاهر ومقاطعة الانتخابات، لكنه لا يرى في المرسوم «انقلابا على الدستور». كل ديموقراطيات العالم تعتمد الصوت الواحد، و«تجاربنا مع القانون الحالي أثبتت أن القبائل الكبرى والجماعات ذات النفوذ تراعي مصالحها وتستحوذ على المزايا مع تهميش للفئات الأخرى وهذا عيب القانون الحالي». يستطرد عبد الرحمن قائلاً «لو لعبت الحكومة بالدوائر الانتخابية لاعتبرنا ذلك تحايلاً، لكن الأمر يقتصر على الأصوات».
يصرّ عبد الرحمن على أن لا خط عودة أمام الأمير، سيمضي قدماً في المرسوم إلى أن يحين موعد انتخابات البرلمان مطلع كانون الأول حيث يتم النظر في المرسوم إقراراً أو رفضاً.
ولحينها تقف الكويت أمام مفترق طرق، إما اكتفاء المعارضة بالمقاطعة السلبية للانتخابات وإما أن يضطر النظام للانحناء في وجه عاصفة الجماهير المصرة على المضي قدماً ويتراجع عن التعديل القانوني.. وفي الحالتين، الطريقان قد يحددان مستقبل النظام نفسه.