قرر النائب وليد جنبلاط ان يملأ وقته في المختارة بمبادرة لمعاودة الحوار المقطوع بين الأطراف الداخلية. تبدو المبادرة حتى الآن وجدانية الطابع، من دون ان تكون مستندة بشكل واضح او ظاهر الى عروض سياسية محددة تحاكي التفاصيل، لا سيما تلك المتصلة بالصراع على مستقبل الحكومة. وأغلب الظن، ان جنبلاط اراد ان يتضامن مع الرئيس ميشال سليمان على طريقته وان «يؤانسه» في الطريق الموحشة التي يسلكها للتبشير بالحوار.
ويقول جنبلاط إن المبادرة التي أطلقها هي محاولة مكمّلة لجهود سليمان من أجل إعادة وصل ما انقطع بين اللبنانيين، وبالتالي إحياء الحوار الوطني، تحت شعار: «لا للفتنة والتشنج»، منبها الى انه من دون العودة الى الحوار، فإن الواقع على الارض سيتجه نحو المزيد من الاحتقان والتعقيد، وما حصل في الشارع بعد اغتيال اللواء وسام الحسن وصولا الى أحداث صيدا الأخيرة، رسالة واضحة بان الامور قد تفلت من أيدينا إذا لم نتداركها قبل فوات الأوان.
ويشدد جنبلاط على ان الحوار هو السبيل الوحيد لمعالجة هادئة على المدى الطويل، لافتا الانتباه الى ان العناوين الكبرى المعقدة لا تحل بسحر ساحر، ومن بينها كيفية الاستفادة من سلاح المقاومة للدفاع عن لبنان في مواجهة إسرائيل، متسائلا عما إذا كان هناك من بديل عن الحوار في هذه الظروف الدقيقة.
ويوضح ان فريق عمل «اشتراكيا» سيبدأ مشاورات مع جميع القوى الداخلية بدءا من رئيس الجمهورية، مؤكدا حرصه على التنسيق في كل خطوة مع الرؤساء ميشال سليمان ونبيه بري ونجيب ميقاتي.
ولا يتردد جنبلاط في التأكيد انه يشكل مع سليمان وبري وميقاتي «حلفا رباعيا»، لا سيما ان الكثيرين من اللبنانيين سئموا اصطفافات 8 و14آذار.
وفي ما خص فرص التغيير الحكومي، يشدد جنبلاط على ان تغيير الحكومة لا يأتي بأمر عمليات خارجي او داخلي، ولا يأتي بطلب من سفير او غير سفير، مضيفا: في المبدأ، لا اعتراض على قيام حكومة جديدة، إنما بعد تأمين شرط التوافق الوطني، تجنبا للوقوع في محظور الفراغ. أما من يطالب بالاستقالة المنفردة لوزرائي فأؤكد له ان الامر غير مطروح بتاتا، ولست بوارد ان أتخذ قرارا كهذا، وبالتالي فالاستقالة لا يمكن ان تحصل إلا بالتفاهم مع أطراف الائتلاف الذي يضم سليمان وبري وميقاتي و«جبهة النضال» و«حزب الله» وميشال عون وسليمان فرنجية.
ويتابع: لماذا أستقيل ولأجل من؟ أنا لا أمشي بأمر من أحد. أنا لست منتميا لا الى 8 ولا الى 14 آذار، بل لدي حيثية مستقلة، خاصة بي. ثم إذا استقلت، من دون اتفاق على السيناريو اللاحق، لن يتبدل شيء، لانه عند إجراء الاستشارات لتسمية الرئيس المكلف، سأعاود تسمية ميقاتي، أي اننا سنعود الى المربع الأول.
وينتقد جنبلاط قرار قوى 14 آذار بالمقاطعة الشاملة، مشيرا الى ان هذه القوى تفعل حاليا ما كانت تأخذه على خصومها في السابق، إذ إنها تكرر الخطأ ذاته الذي ارتكبه فريق 8 آذار عندما قاطع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة كونها حكومة منقوصة الشرعية، كما وصفها الرئيس بري آنذاك، وعن حق على الارجح.
ويستغرب في هذا الإطار عدم تجاوب 14 آذار مع فكرة بري عقد جلسة نيابية عامة تضامنا مع قطاع غزة في مواجهة العدوان الاسرائيلي، قائلا: غزة عنوان وطني وعربي وإسلامي عريض، يجب ان يجتمع تحته الجميع، فلماذا عدم المشاركة تحت هذه المظلة؟
وإذا كان البعض بدأ يقلق على مصير الانتخابات النيابية، في ظل الأزمة الداخلية المحتدمة، فان جنبلاط يؤكد ان الانتخابات ستتم في موعدها ولا يوجد مبرر لتأجيلها، معتبرا انها، وحتى هذه اللحظة، ستحصل على اساس قانون الستين، آخذا بالاعتبار ان كلا من فريقي 8 و14 آذار يحاول ان يفصل بدلة قانون الانتخاب على قياسه، «ونحن في الوسط منروح فراطة».
وينفي ان تكون قد جرت معه اتصالات بشأن مشروع الخمسين دائرة الذي يحظى بدعم «القوات اللبنانية» ومسيحيي 14 آذار، غامزا من قناة سمير جعجع بالقول: يصلنا من أعالي التلال انهم يتشاورون معنا، لكن في الحقيقة لم يحصل أي تشاور او تواصل معنا بهذا الصدد.
ويستهجن جنبلاط الانتقادات التي طالته بعد كلامه الأخير لـ«السفير» حول الربط بين مستقبل سلاح المقاومة وولادة طائف جديد، ملاحظا ان البعض قامت قيامته علي برغم انني لم أطالب بتغيير الطائف، وليعلم جهابذة القانون والسياسة ان المعترضين على كلامي هم الذين قبلوا في الدوحة بتعديل من خلال الثلث المعطل، وفي كل الحالات، لا يمكن تنفيذ الطائف إلا بالعودة الى الحوار.
ويتفادى جنبلاط التوسع في تشريح علاقته مع الرئيس سعد الحريري في هذه الايام، مكتفيا بالاشارة الى ان تاريخا من الصداقة الشخصية يجمعني به، إلا ان الخلاف السياسي مستمر.
ويتوقف عند بطولات غزة في مواجهة العدوان الإسرائيلي، لافتا الانتباه الى ان غزة أسقطت مجددا أسطورة التفوق الإسرائيلي، بعدما سقطت مرارا مع المقاومة الفلسطينية وأهل بيروت والمقاومين في الضاحية والاقليم والجبل وصيدا وصولا الى محطتي 2000 و2006.
ويعتبر جنبلاط ان القبة الحديدية الاسرائيلية هي قبة مفلسة، والإسرائيليون ضُربوا في عقر دارهم... وهذا ممتاز، مضيفا: كان نتنياهو يهدد بحرب ضد إيران، أنظروا ماذا جرى في تل ابيب والقدس.
ويشير الى ان إسرائيل كانت تخوض في السابق حروبا مع جيوش نظامية، أما في الوقت الراهن، فالمواجهة أصبحت مع المقاومة التي استطاعت ان تغير المعادلات.
وإذ يعتبر جنبلاط انه توجد في غزة بيئة حاضنة للمقاومة، يلفت الانتباه انه وبعد أحداث 7 أيار وغيرها في لبنان، وُجدت بيئة معادية، ويجب العمل لتحسينها.
وفي ما خص الوضع السوري، لا يخفي جنبلاط مرارته الشديدة حيال ما آلت إليه المواجهة، آخذا على المجتمع الدولي انه يكتفي بالانتقال من مؤتمر الى آخر، من دون ان يبدي جدية في مساعدة الثوار وإعطائهم السلاح النوعي الذي من شأنه التعجيل في إسقاط النظام، ملاحظا ان السلاح الذي يصلهم هو بمقدار يتيح الاستمرار وليس الحسم، وكأن هذا التباطؤ الدولي والتقنين في الدعم يهدفان الى تدمير سوريا الدولة.
وإذ يعرب عن تأييده لائتلاف المعارضة السورية الذي وُلد مؤخرا، يرى ان الإعلان عن إنشاء إمارة إسلامية في حلب هو «خبر عاطل».
ويدعو جنبلاط الى الفصل بين العداء للنظام والموقف من الدولة التي يجب الحفاظ عليها، مستعيدا تضحيات الجيش السوري وبسالته في حرب 1973 ومعارك عين زحلتا والسلطان يعقوب وبيروت عام 1982، لافتا الانتباه الى ان سوريا كانت صمام أمان للبنان، حيث ساهمت في تثبيت الطائف وعروبة البلد واسقاط اتفاق 17 ايار.
ويشدد على ان سياسة النأي بالنفس هي الافضل للبنان، داعيا جميع الأطراف الى التقيد بها، بعدما تبين ان «حزب الله» يشارك في القتال وأفرقاء في 14 آذار يشاركون، ومن لا يصدق ليذهب الى منطقة القاع، حيث ستجد هذه الحقيقة على يمينك وشمالك، مع العلم ان اللعبة في سوريا هي أكبر بكثير من الفريقين، ومن يظن غير ذلك هو واهم.
ويؤكد جنبلاط انه لا يقدم المال ولا السلاح الى المعارضة السورية، بل يكتفي بالتأييد السياسي، مستبعدا ان يقبل أي عاقل في سوريا بتسوية تبقي الرئيس الاسد في السلطة.
وكان جنبلاط قد التقى أمس وفدا من رابطة خريجي كلية الإعلام برئاسة الدكتور عامر مشموشي.