هناك من يثني على الزيارة، فأن تأتي متأخرة خير من ألا تأتي ابدا، وهناك من ينظر اليها بوصفها خطوة جريئة، لا بل تاريخية، وهناك من يتباهى بأن لفريق 14 آذار أسبقية فتح الطريق الى فلسطين فعلا وليس قولا، وأنه على الآخرين الاقتداء بما قام به.
واذ يجد «المستقبل» نفسه في قلب فلسطين، من «موقعه الطبيعي والطليعي»، فإنه يبرر وجود «القوات» حصرا ضمن الوفد على قاعدة أن «الجماعة تابوا وقائدهم أعلن توبته صراحة، وليس هناك ما يمنع أن يكونوا جزءا من الوفد التضامني».
في المقابل، تنظر «قوى 8 آذار» الى الزيارة بوصفها «حركة استعراضية»، مرتبطة بالاشتباك الداخلي في لبنان وتنطوي على انتهازية ومزايدة على قوى المقاومة في لبنان. لا تكتفي «8 آذار» بمحاكمة زيارة «14 آذار» الى غزة من كونها حدثا آنيا، بل تبعا للأداء الذي قدمه هذا الفريق على مدى السنوات السبع الاخيرة، الأمر الذي يضع «14 آذار» في مواجهة الاسئلة الآتية:
- من هو صاحب فكرة زيارة «14 آذار» الى غزة، ومن غطى دخولها الى القطاع؟ وهل دخلت من البوابة القطرية أم من بوابة «الإخوان المسلمين» في مصر أم من بوابة «حماس»؟ وهل تمت تلك الزيارة بمعزل عن الموقف الأميركي وبالتالي السعودي، خاصة أن الملك عبدالله نأى بنفسه عما جرى في غزة مكتفيا بالدعوة الى تحكيم العقل؟ وهل صحيح ما يقال ان الزيارة ما كانت لتحصل لولا انتقال «حماس» من الحضن الايراني ـ السوري الى الحضن القطري ـ التركي ـ المصري؟ ولماذا لم تتضامن «14 آذار» بالطريقة نفـسها مع غزة إبان عدوان 2008؟
في قراءة «8 آذار» أيضا أن «14 آذار» تؤمن بحق الشعوب في تحرير أرضها المحتلة، ولها رأيها في اعتماد «المقاومة الديبلوماسية» سبيلاً لتحرير الارض، «فكيف توفق بين ان تكون مع المقاومة المسلحة في فلسطين، وضد المقاومة المسلحة في لبنان؟ واذا كانت المقاومة الفلسطينية هي المنتصر الاول، فإن ترسانة الصواريخ وخاصة «فجر 5» الايراني و«الكورنيت» الروسي (مصدره سوري) هو المنتصر الثاني، فهل «14 آذار» مع هذا السلاح، واذا كانت معه في غزة، فلماذا هي ضده وتصر على نزعه في لبنان ما دامت الوظيفة واحدة وهي تحرير الارض؟
الأنكى من ذلك، وفق قراءة «8 آذار» كيف تستقيم زيارة التضامن مع غزة، مع تعمد وفدها إطلاق النار، من الارض الفلسطينية على سلاح المقاومة في لبنان؟ الأغرب، كيف تعترف «14 آذار» بانتصار المقاومة الفلسطينية في غزة، بينما هي في حالة إنكار لانتصار المقاومة في لبنان في حرب الـ2006، وكيف تتضامن هناك على هذه الطريقة بينما تتضامن في 2006 على طريقة اجتماع عوكر وحث وزيرة خارجية أميركا كوندليسا رايس على رفض وقف إطلاق النار قبل الحصول على ضمانات بنزع سلاح «حزب الله»، وألم تكن تستحق الضاحية الجنوبية مشقة دقائق حتى يزورها من قرروا زيارة غزة، بدل تلك الجولات التي قاموا بها في طول العالم وعرضة ضد «المغامرين» وسلاحهم «المغامر»؟
ويسأل أحد أقطاب «8 آذار» جمهور «14 آذار»: كيف ينظر الى حماسة قياداته للسلاح الذي انتصر في غزة، بينما برزت في المقابل، حماسة لإطاحة سلاح المقاومة في لبنان، والتي رسم إطارها بيان البريستول الشهير غداة انتصار المقاومة في تموز 2006 حيث صدرت وقتها الدعوة الى سحب سلاح المقاومة فيما كانت العائلات الجنوبية والبقاعية، بمن في ذلك تلك العائدة الى قرية أمين وهبه (سحمر)، تلملم أشلاء ضحاياها من تحت الأنقاض، بينما كان العدو الاسرائيلي يرابط في صف الهوا في مدخل بنت جبيل وتلة العويضي في عديسة وقرب تل نحاس في مرجعيون؟
يضيف القطب نفسه: «كيف كان وقع دخول ممثل «القوات اللبنانية» ومسؤول حاجز البربارة الى قطاع غزة، وماذا كان جوابه عن مسؤوليته المادية والمعنوية عن مصير عشرات لا بل مئات المواطنين الفلسطينيين المفقودين، وهل يعطيه هذا الدخول الساذج الى غزة صك براءة عن مجزرة صبرا وشاتيلا، سواء أكان مرتكبها اسمه ايلي حبيقة أو...؟».