وإذا كانت عمليات السلب المسلّح الأخيرة في بيروت قد استهدفت مواطنين يسيرون ليلاً على الطرق أو يستقلون سيارات أجرة أو حتى خاصة، إلا أنها لم تحمل الضحية إلى قفص الاحتجاز، إذ كانت تنتهي مع سلب حقيبة اليد أو الهاتف أو السيارة.
لكن الخاطفين بلغ بهم الأمر، بعد تنفيذهم عشرات العمليات بقاعاً، إلى تغيير أساليبهم من احتجاز الرجال أو الأطفال، إلى اختطاف نسوة متزوجات، مثلما حدث ليل أمس الأول، عندما اختطف ملثمون مسلحون الدكتورة في جراحة العيون منى كنج (مواليد 1981) من منزلها في المشرف، في أول عملية خطف تطال سيدة، والهدف: الحصول على فدية مالية قيمتها ستمئة ألف دولار.
وكشف مصدر أمني واسع الإطلاع لـ«السفير»، منتصف ليل أمس، عن «تعرّف زوج المخطوفة على أحد الخاطفين الثلاثة، الذي كشف عن لثامه أثناء الخطف، ويُدعى م.ا.ا. (لبناني)، وذلك من خلال عرض القوى الأمنية صورة المشتبه فيه على زوج المخطوفة».
وقال المصدر إن «المعطيات الأولية تشير إلى أن الخاطفين الثلاثة أشقاء، وحتى منتصف الليل، كانت تجري المفاوضات بين حيّ السلّم ومنطقة حورتعلا، وخفّض الخاطفون قيمة الفدية من ستمئة ألف دولار إلى ثلاثمئة ألف دولار، ودخلت جهة حزبية على الخط لحل المسألة سريعاً».
وأشار المصدر إلى أن «التحقيقات الأولية تشير إلى وجود صلة ربط بين الجهة الخاطفة والمسجون في رومية محمد.ف. ا. (ينتمي إلى عائلة الخاطفين الثلاثة)، فيما شكك مصدر آخر في المعلومة، معتبراً أن «هؤلاء تربطهم صلة قربى بمحمد ف. ا.، لكنهم يعملون لحسابهم».
تشير وقائع عملية الخطف، المستقاة من مصادر أمنية، إلى أن زوج كنج، علي محمد شرف الدين (مواليد 1978) الذي يملك شركة تصوير وطباعة قرب «الجامعة الأميركية» في بيروت، وهو رجل ميسور الحال مالياً، كان عائداً من الشركة إلى منزله في المشرف، عندما أوقفه ثلاثة أشخاص ملثمين قبالة منزله.
كان أحدهم يحمل مسدساً حربياً، والملثم الآخر يقتني قنبلة يدوية. ما إن ترجّل شرف الدين من سيارته (من طراز ب.أم X5)، حتى باغته الملثمون وعملوا على تكبيل يديه وقدميه، ثم أخذوا منه مفتاحي المنزل والسيارة.
بعد ذلك، دخل ملثمان المنزل، وبقي ملثم واحد مع شرف الدين. قام الملثمان بتكبيل الدكتورة منى، ثم اقتادوها من المنزل ومرّوا على ناطور المبنى فاقتادوه أيضاً.
وبينما كان شرف الدين مكبلاً في سيارته، وجد زوجته والناطور يستقلان السيارة، ثم سار بهم الخاطفون باتجاه بيروت. فجأة، أنزل الخاطفون الناطور على قارعة الطريق، وحده، واستكملوا السير، حتى أنزلوا الدكتورة منى في مكان يجهله زوجها، وكان برفقتها أحد الخاطفين.
مضت السيارة وفي داخلها شرف الدين واثنان من الخاطفين، ثم وصلت بهم إلى منطقة بشامون، عند طريق فرعي. ترجّل الملثمان من السيارة، وسلبا شرف الدين 3 هواتف خلوية، وقال له أحدهما: «ادفع ستمئة ألف دولار، بلا أي ضجيج أمني أو إعلامي، تعد إليك زوجتك على قيد الحياة. وإن حاولت العبث معنا، تستلمها جثة هامدة».
وفيما يعمل «فرع المعلومات» ومخابرات الجيش على ملاحقة الخاطفين لتوقيفهم، أشار مصدر أمني إلى «وجود شبهات تحوم حول الناطور (سوري الجنسية)، الذي توارى عن الأنظار بعد عملية الخطف».
وأشار المصدر إلى أن «الناطور متزوج من سيدة لبنانية من عائلة ا.، وهي متوارية عن الأنظار أيضاً، التي تربطها أواصر قربى بمحمد ف. ا.، الرجل المسجون في رومية منذ آذار الماضي، بسبب تنفيذه عمليات خطف عدة في البقاع، أبرزها اختطاف رجل الأعمال أحمد زيدان».
وعلى الرغم من أن ا. مسجون في رومية، لكن المصدر لم يستبعد أن يكون «زعيم تجارة الخطف» مستمراً في توجيه مجموعات الخطف التي كان يترأسها قبل دخوله السجن، وذلك من خلال التواصل معهم على الهاتف الخلوي، أو حتى عبر رسائل نصية من الهواتف الذكية.
وعن اتهام الناطور بتزويد الخاطفين بمعلومات لوجستية عن شرف الدين وزوجته، أكد المصدر أنها معلومات تستند إلى تحليلات أمنية، من دون وجود أدلة حسّية تخوّل إدانته حتى ليل أمس، والعمل جار على توقيفه.
وبينما يستمر الخاطفون في التنقل من مكان إلى آخر، ثمة سؤال أساس: هل سيتجلى «الإنجاز الأمني» في إطلاق سراح الدكتورة منى بلا فدية مالية، أم في إطلاق سراحها وتوقيف الجهة الخاطفة؟
