«هنا دمشق» كبيرة بالسن بالمقارنة مع أجيال الـ«فايسبوك» والانترنت. وربما عدد ضئيل منهم سمعها تقال في سنوات طفولته عبر أثير إذاعة دمشق الحكومية، صاحبة الحق الحصري حتى اليومين الماضيين في الإعلان عن نفسها بـ«هنا دمشق»، والتي سحبها منها السوريون في كل مكان، من مناطق البلاد الحزينة إلى عواصم العالم المشعة ومدنه البعيدة.
ووفقاً لصحيفة «الوطن» السورية الخاصة فإن الاحتفاء بهذه الكلمة مرتبط بقصة تعود للعدوان الثلاثي الإسرائيلي - البريطاني - الفرنسي على مصر خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حين قصفت طائرات العدوان هوائيات الإذاعة المصرية، لقطع الطريق أمام صوت الزعيم العربي الأهم حين كان يهم لإلقاء خطابه، فقامت الإذاعة السورية حينها ببثه بادئة بـ«من دمشق.. هنا القاهرة».
وتربط الصحيفة مدلولات القصة، برغم العلاقة المصرية السورية الباردة جداً الآن، بالعقوبات التي فرضت على وسائل الإعلام السورية، من منع البث عبر أقمار اصطناعية عربية وأوربية، وتشويش، ومنع استضافة مواقع إعلامية رسمية ومدنية على مخدمات أجنبية.
وقد حمل كل من الطرفين، معارضة وسلطة، بعضهما البعض مسؤولية قطع الانترنت، والذي ترافق مع انقطاع الخلوي، وصعوبات بالغة في الاتصالات الأرضية بين المحافظات وخارجياً. المعارضة اتهمت السلطة بقطع الاتصالات بـ«بفقسة زر» لشل قدرتها على العمل، خصوصاً أن الاتصالات انقطعت فعلياً في الواحدة ظهراً تقريباً من يوم الخميس الماضي، قبل ساعتين من نهاية العمل الرسمي، وعادت مساء السبت قبل عودة الدوائر والمصارف للعمل. وقد ترافق الانقطاع مع اشتداد في القصف، وحملة أمنية واسعة وعنيفة.
ولم يمر الانقطاع من دون خسائر، لا سيما أن حركة الطيران الدولي تأثرت بشدة الخميس والجمعة الماضيين متزامنة مع تصعيد كبير في الوضع الأمني في المناطق التي تحيط بدمشق، وأبرزها داريا، جوبر، ومنطقة مطار دمشق الدولي. وكان يمكن للخسائر أن تقفز أضعافاً لو استمرت إلى اليوم التالي، خصوصاً مع اعتماد دوائر البلاد الرسمية والمصارف المختلفة ومختلف الأعمال على حيوية الانترنت وبياناتها.
ووفقاً لما قالته مصادر حكومية في دمشق لـ«السفير» فإن موظفين من وزارة الاتصالات السورية أصيبا بالرصاص خلال محاولتهما إصلاح الضرر الذي أصاب منظومة الاتصالات في منطقة الضمير في ريف دمشق.
ولاحقاً أصدرت وزارة الاتصالات اعتذاراً عن انقطاع خدمات الإنترنت لمدة 52 ساعة، موضحة أنه ناجم عن انقطاع حلقات الألياف البصرية الرئيسية الجنوبية في ريف دمشق، وهي الحلقة التي تربط دمشق بباقي أرجاء سوريا. وأوضحت أن «انقطاع حلقات الألياف البصرية سبّب اضطراباً كبيراً في الاتصالات القطرية والدولية والخلوية في دمشق وريفها ولاسيما أن هذه الحلقات تعرضت من قبل لأضرار سابقة صعبت من عملية إصلاحها بالطرق الاعتيادية، وأدت إلى عزل مركز التحكم في البوابة الدولية للإنترنت الكائن في دمشق عن مخارج الكوابل الدولية ما نجم عنه توقف كامل لخدمة الإنترنت بدمشق».
وأشارت الوزارة إلى أن «ورشات الإصلاح المختصة عملت خلال ثلاثة أيام على تنفيذ حل بديل، سمح بعودة جميع خدمات الاتصالات والإنترنت إلى سوريا» في حدود الساعة الخامسة من بعد ظهر السبت.
الانقطاع، في الوقت ذاته، نبّه الناس مجدداً إلى نعمة الاتصالات الأرضية المنسية، فعادت تلك لمجدها، وجلس من ينتظر اتصالاً إلى جانب جهاز الهاتف بعد أن نفض عنه الغبار.
كما اضطر الناس للتحرك، برغم الضغط الأمني، لتسيير بعض أمورهم، خصوصاً وأن جلهم توقف منذ سنوات عن تسجيل أرقام الهواتف الأرضية واكتفى بأرقام الجوالات الشخصية، وذلك حتى مساء أمس الأول، حين عادت «العصي» الخمس للتلفونات الخلوية للاصطفاف، بدلاً عن «لا شبكة»، وبدأت الرسائل النصية المتأخرة أياماً ثلاثة بالوصول لأصحابها. لكن الأفضل كان عودة النت، الذي أعاد الطمأنينة أو بعضها للناس القلقة والمبعثرة بفعل الأزمة في أنحاء البلاد وخارجها، ويفوق عددها المليون، بعد أن انقطعت أخبار الأهل والأقارب والأصدقاء المتفرقين عن بعضهم البعض. وقد اختار هؤلاء بعفوية رومانسية، وبروح جامعة أن يكتبوا جميعاً من ملبورن وواشنطن، لندن وباريس، شانغهاي وموسكو.. وحتى «من جهنم» وفق تعبير إحدى الشابات.. «هنا دمشق».
وأوقفت شركة أميركية أمس الأول استضافة الموقع الالكتروني لوكالة الأنباء السورية (سانا). وقالت مصادر في الوكالة إن القرار «اتخذ بناء على ضغوط دولية»، مشيرة إلى إطلاق «موقع آخر قريباً في بلد صديق».