شرعية الرئيس المصري محمد مرسي تتهاوى بسرعة. هذا ما أظهرته، أمس، المسيرات الحاشدة التي حاصرت القصر الرئاسي في مصر الجديدة، واضطر الرئيس «الإخواني» بسببها إلى مغادرة مقر إقامته الرسمي، بعدما انسحبت قوات الأمن من محيطه، ورفضت قوات الجيش تأمينه.
يوم «الزحف» إلى قصر الاتحادية، الذي أرادته المعارضة الوطنية «إنذاراً أخيراً» لمرسي، ورسالة شديدة اللهجة ضد حكم «الإخوان»، جعل الصراع بين التيار المدني والتيار الإسلامي مفتوحاً على كل الاحتمالات، في ظل إصرار القوى الثورية والمدنية على إسقاط الإعلان الدستوري ومسودة الدستور، مستفيدة من تنامي الغضب الشعبي ضد «حكم المرشد»، في ما يشبه «ثورة ثانية» ضد النظام، وفي ظل إصرار جماعة «الإخوان المسلمين» وحلفائهم السلفيين، في المقابل، على اعتماد سياسة المغالبة لا المشاركة عبر المضي في الاستفتاء على الدستور الجديد في الخامس عشر من كانون الأول الحالي.
وفي خطوة أعادت إلى الأذهان الممارسات التي كان ينتهجها نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك ضد معارضيه، برز يوم أمس تطور خطير تمثل في قيام النائب العام الجديد... بإحالة بلاغ إلى نيابة أمن الدولة يتهم الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى ورئيس «التيار الشعبي» حمدين صباحي، ورئيس «حزب الدستور» محمد البرادعي، ورئيس «حزب الوفد» سيد البدوي، ورئيس «نادي قضاة مصر» المستشار أحمد الزند بتنفيذ مخطط لـ«قلب نظام الحكم» و«التخابر مع جهات خارجية»، فيما أحال النائب العام بلاغاً آخر يتهم رجل الأعمال نجيب ساويرس بـ«تحريض الجيش على تنفيذ انقلاب عسكري».
أما قضاة مصر، فأكدوا يوم أمس مجدداً انحيازهم للمعارضة الوطنية في معركة إسقاط الإعلان الدستوري والدستور الجديد، إذ أعلن «نادي القضاة» أن السواد الأعظم من قضاة مصر يرفضون الإشراف على عملية الاستفتاء على الدستور، نافين بذلك ما سبق أن روّج له عدد من القضاة المحسوبين على «الإخوان» خلال اليومين الماضيين. (تفاصيل ص 12)
ووجهت القوى الوطنية المصرية، أمس، إنذاراً شديد اللهجة إلى مرسي، عندما احتشدت بمئات الآلاف في ميدان التحرير وميادين المحافظات المصرية، وانطلقت في مسيرات حاشدة من مناطق مختلفة في القاهرة باتجاه محيط قصر الاتحادية، في محاولة لإسماع الرئيس صوت المعارضة التي ترفض الإعلان الدستوري الذي يكرّس ديكتاتورية جديدة، وكذلك دعوته للاستفتاء على مشروع الدستور.
وبالرغم من أن قوات الأمن قد كثفت من وجودها في محيط القصر والشوارع المؤدية إليه، حيث أغلقت بعضها بأمتار طويلة من الأسلاك الشائكة ودفعت بعشرات المدرعات والجنود إليها، إلا أن عشرات الآلاف من المتظاهرين نجحوا في اختراق الطوق الأمني بسرعة لافتة، حتى وصلوا إلى الباحة المقابلة للقصر الرئاسي.
وأفاد مراسل «السفير» عمر سعيد من أمام قصر الاتحادية بوقوع مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن التي أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع في محاولة للحد من اقتراب المتظاهرين من المقر الرئاسي.
وقدّر مراسل «السفير» عدد المتظاهرين أمام قصر الاتحادية بنحو 150 ألفاً، مشيراً إلى أن الأعداد تزايدت بحلول المساء، وسط مؤشرات إلى تنفيذ اعتصام أمام القصر تمهيداً لتحرك جديد يوم الجمعة المقبل.
وأضاف أن الجيش المصري أعلن عدم مسؤوليته عن تأمين أي منشآت رئاسية، فيما انسحبت الشرطة إلى داخل القصر، الذي غادره مرسي، متوجهاً إلى منزله في التجمع الخامس، وهو ما أثار فرحة عارمة في أوساط المتظاهرين، الذين حوّلوا التظاهرة إلى ما يشبه الاحتفالية، فيما عمد بعضهم إلى اللعب بالكرة أمام القصر.
وسخر الناشط السياسي ممدوح حمزة من خروج الرئيس من قصر الاتحادية، قائلاً إن «من فتح الجاكيت على منصة ميدان التحرير، هرب من الباب الخلفي لقصر الرئاسة وسط حراسة أمنية مشددة».
واعتبر رئيس «التيار الشعبي» حمدين صباحي أن المشهد في قصر الاتحادية يطعن في شرعية الرئيس وإعلانه الدستوري، مؤكدا أن «الشعب سينتصر في النهاية». وأضاف صباحي، في مداخلة هاتفية عبر قناة «دريم» أن «المشهد يدعو مرسي ليدرك أن الوقت ينفد».
وذكر «التيار الشعبي» عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي « فايسبوك»، أن ضابطاً في الجيش المصري خرج من قصر الاتحادية فوق مدرعة حاملا علم مصر لينضم إلى المتظاهرين، وقال شهود عيان إن ضابطا آخر من قوة تأمين القصر قد صعد أعلى سور القصر، ملوحاً للمتظاهرين بعلم مصر.
وكانت التظاهرات الحاشدة التي انطلقت من أمام المساجد والساحات الكبرى قد شهدت إطلاق هتافات معادية لـ«الإخوان»، واتشحت النسوة فيها بالسواد. كما شهدت استنفاراً شديداً من قبل المتظاهرين الذين آثر عدد كبير منهم التوجه إلى قصر الاتحادية، خصوصاً بعد التدوينة التي كتبها وكيل مؤسسي «حزب الأمة المصرية» محمد عباس على موقع «تويتر»، وهو أحد المقربين من المرشح السلفي الذي استُبعد من انتخابات الرئاسة حازم صلاح أبو إسماعيل، والتي هدد فيها بالاعتداء على المتظاهرين، وإعلان منسق حملة «حازمون» أن أنصار أبو إسماعيل سيتصدون للمتظاهرين أمام القصر الرئاسي.
وإلى جانب المسيرات إلى القصر الرئاسي، كان لافتاً أيضاً تزايد أعداد المعتصمين في ميدان التحرير إلى عشرات الآلاف. وشهد الميدان أجواء احتفالية فور ورود الأنباء عن انسحاب قوات الأمن من محيط قصر الاتحادية وفرار مرسي من الباب الخلفي.
كذلك، تظاهر المئات أمام مقر الإذاعة والتلفزيون (مبنى ماسبيرو) للمطالبة بتطهير الإعلام ومنع «أخونته».
وشهدت العديد من المحافظات المصرية تظاهرات مناهضة لـ«الإخوان» كان أضخمها في الإسكندرية، حيث بلغ عدد المتظاهرين أكثر من مئة ألف، فيما شهدت محافظة المنيا مواجهات بين مؤيدي مرسي ومعارضيه، فيما شهدت محافظة الشرقية، مسقط رأس مرسي، محاولة من قبل المتظاهرين لاقتحام مقر «حزب الحرية والعدالة» وإحراقه.
يذكر أن من ضمن القوى السياسية التي شاركت في فعاليات أمس «التيار الشعبي»، «حزب الدستور»، و«حزب التحالف الشعبي الاشتراكي»، و«الحزب الاشتراكي المصري»، و«حزب الكرامة»، و«الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي»، و«حزب المصريين الأحرار»، و«حزب مصر الحرية»، و«الجبهة الحرة للتغيير السلمي»، و«شباب من أجل العدالة والحرية»، و«الاشتراكيون الثوريون»، و«الجمعية الوطنية للتغيير»، وحركة «كفاية»، و«حركة 6 إبريل - الجبهة الديموقراطية»، و«اتحاد شباب ماسبيرو» و«ائتلاف ثوار مصر» وحركة «شايفينكم».
وعقدت «جبهة الإنقاذ الوطني»، التي تضم كل القوى المدنية، اجتماعاً مساء أمس في منزل نقيب المحامين سامح عاشور، الذي قال بعد الاجتماع إن المشاركين اتفقوا على ثلاثة مطالب رئيسية منحوا مرسي مهلة حتى يوم الجمعة للاستجابة لها.
وقال عاشور إن المطالب هي:
ـ أولاً، إلغاء الإعلان الدستوري الذي أهدر سلطة القضاء.
ـ ثانيا، إلغاء الاستفتاء على مشروع الدستور.
ـ ثالثاً تشكيل لجنة جديدة لصياغة دستور يعبر عن إرادة المصريين.
وأضاف عاشور أن «جبهة الإنقاذ الوطني ستعطي الرئيس مرسي فرصة لكي ينفذ مطالبها ومطالب المصريين»، مهددا بخطوات تصعيد أخرى في حال رفض المطالب.
وقال عضو الأمانة العامة لـحزب «التحالف الشعبي الاشتراكي» خالد السيد لـ«السفير» إن «القوى السياسية تسعى لتوسيع جبهة المقاومة والرفض، سواء للمطالبة بإسقاط الإعلان الدستوري والجمعية التأسيسية أو في حال مضي السلطة قدما في خطتها، للدعوة إلى التصويت بـ(لا) على الدستور». وأضاف ان القوى الثورية ستطالب مرسي بالإعلان عن خريطة طريق واضحة إذا صوّتت غالبية المصريين بـ«لا» على مسودة الدستور الجديد.
بدوره، أشار المتحدث باسم «حزب المصريين الأحرار» أحمد خيري لـ«السفير» إلى أن المعركة تحتاج إلى «نفَس طويل»، مشيراً إلى أنها ربما تكون أطول من معركة إسقاط حسني مبارك ونظامه. وأضاف أن «تظاهرات أمس هي مجرد أداة ضمن أدوات أخرى للضغط، من ضمنها استمرار التظاهر والاعتصام وصولاً للبدء في الإجراءات القانونية لعزل مرسي».
في المقابل، قال مصدر في المكتب الإداري لجماعة «الإخوان المسلمين» لـ«السفير»: «نحن نعلم أن هناك جهات تحرّك المتظاهرين في الشارع من دون وعيهم»، مشيراً إلى أن «الرئيس لن يستمع إلا إلى المطالب المشروعة فقط». وأضاف أن «من سلطة الرئيس إصدار التشريعات في غياب البرلمان»، مؤكداً أن «الاستفتاء على الدستور سينهي الأزمة حول الإعلان الدستوري».