لطالما تندّر أحد اللبنانيين بأنه المواطن العالمي الوحيد الذي ليس بحاجة إلى استصدار جواز سفر. فهو، كلبناني، لا يستطيع السفر إلا إلى بلدين، سوريا وإيران، لكنّ الأولى لا تطلب جواز سفر من اللبناني، بل تكفيه بطاقة هويته. أما الثانية، إيران، فليس لديه أدنى رغبة بزيارتها. هكذا صار بإمكانه أن يعيش سعيداً إلى الأبد، في بلده، من دون أن يرى بلداً آخر أو يحلم به.
المشهد كاريكاتوري ومبالغ به بعض الشيء، لكنه ليس خيالياً تماماً. فوفقاً لتقرير "هنلي أند بارتنرز" عن الصعوبات التي تواجهها رعايا الدول في الحصول على تأشيرات دول أخرى، جاء اللبنانيون من بين أكثر الشعوب المقيّدة حريات تنقلهم. وهذا الخبر غير السعيد يشبه الصاعقة التي تسقط على رأس شعب لطالما تباهى بأنه، من أيام الفينيقيين، يجوب العالم كما الطيور المهاجرة، حاصداً النجاح حيث حل، وفي كافة الميادين. لكن يبدو أن هذه الصورة للبناني عن نفسه، كفرد مرحب به حيث حلّ، ليست نفسها في مجتمع دولي له معاييره الدقيقة والمختلفة تماماً في النظر إلى الدول وسياساتها وقدرتها على ضبط أمن مجتمعاتها، كما قدرتها على منع تصدير فوضاها إلى العالم.
في القائمة، حلّ لبنان في المرتبة الـ98، أي في أسفل ثماني دول على القائمة، سبقته إيران وسوريا وسريلانكا والسودان والكونغو. وتحت لبنان، حلّت دول تشبهه لناحية هيمنة الصراعات أو دول الممانعة عليه، وبينها العراق وأفغانستان والأراضي الفلسطينية وباكستان. وللمقارنة، فإن سويسرا الغرب التي حمل لبنان اسمها في تاريخه الغابر، جاءت في المرتبة السابعة بينما قبع البلد الصغير بين الدول التي لا تعرف إلا قتال طواحين الهواء. وهو مكان لم يكن لبنان مضطراً للمكوث فيه، لولا أن حكامه الفعليين يسوقونه من تخبط إلى تخبط، ويربطونه بمحاور راديكالية متشددة، مثل إيران ونظام البعث السوري، يقتصر سبب وجودها على استعداء الأسرة الدولية واعتبار كل ما يأتي من الغرب شيطاناً ينبغي قتاله. كما ان هؤلاء الحكام يبيحون اللامنطق، ويعممونه بالقوة بصفته منطقاً، من تسلّحهم بقوة صاروخية هائلة، إلى حقهم في إخفاء مطلوبين لمحكمة دولية، لأن هؤلاء "قديسون"، بينما المحكمة صهيو- أميركية.
وأعطت المؤسسة لبنان رقم 35 للإشارة الى عدد الدول التي في إمكان أبنائه السفر اليها من دون مشقّة، في حين حصلت دول أخرى مثل البوسنة والسلفادور أضعاف هذا الرقم، علاوة على دول عربية مثل الإمارات وقطر والسعودية. وحلّت الدنمارك في المرتبة الأولى برقم 169 تلتها السويد وفنلندا وألمانيا (168). كما سجلت الولايات المتحدة صعوداً من المرتبة السابعة العام الماضي الى الرابعة هذا العام (166).
وجاء في بيان للمؤسسة رافق احصاءها، وهو الأكثر اعتماداً عالمياً، أن "متطلبات التأشيرات، أو عدمها يشكلان مؤشراً الى علاقة الدولة بالمجتمع الدولي ككل". وأشار البيان الى أن هذا الترتيب العالمي يعكس "الحرية الدولية للسفر لحاملي جوازات هذه الدول، علاوة على علاقات الدولة بالعالم ومستواها مقارنة ببقية الأمم".
ومن الواضح، بحسب ترتيب لبنان، أن علاقته بالمجتمع الدولي في أسوأ حالاتها، بينما علاقاته بنظامي إيران وسوريا في أحسن الحالات. الأرجح أنه كلما تحسن العلاقات مع الممانعة، ساءت مع المجتمع الدولي. وليس أحسن من تمني السقوط السريع للنظامين في هذين البلدين، وإلا، بات اللبنانيون فخورين بأنهم شعب لا يحمل ابناؤه جوازات سفر لأنهم لا يسافرون، مثلهم مثل ابناء جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية، المعروفة أكثر بإسم كوريا الشمالية. هذه التي لا يدخلها أحد، ولا يخرج منها أحد.