فغالبية البقاعيين يؤمنون حاجتهم من المازوت عبر شراء بضعة ليترات كمؤونة يومية، في حين يعجز بعضهم عن تأمين هذه الموؤنة فيختار الدفء لساعات فحسب، إذ يحمل «طاسة» المازوت إلى اقرب محطة وقود إلى منزله.
تحكي طوابير بعض الشبان أمام محطات الوقود مأساة البقاعيين الذي يجهدون يومياً لتأمين الدفء لعائلاتهم، وقد أنذرتهم الثلوج المتساقطة على رؤوس الجبال حولهم بمزيد من الصقيع.
يروي أصحاب محطات الوقود في البقاع عن اقتصار بيع المازوت على الغالونات التي يأتي حاملوها في ساعات الليل، لكي يتزودوا ببضعة ليترات من دون أن يرى أحد معاناتهم وعجزهم عن تأمين أبسط مقومات الحياة، أي الدفء.
وعلى الرغم من المشهد المأساوي أمام محطات الوقود، فإنّ عشرات العائلات البقاعية تتمنى أن تقف في هذه الطوابير، عوض التدفئة بوسائل مميتة كاستعمال الزيت المحروق أو بعض الجلود، بالرغم من السموم القاتلة التي تعشعش في صدورهم جرّاء ذلك.
استعمال الزيت المحروق والجلود، يزداد يوماً بعد يوم في البقاع، وفق ما يؤكد العديد من البقاعيين، الذين يجاهرون في إبراز، ما يعتبرونه، حسنات الزيت المحروق، إذ يمكنّهم من توفير أكثر من 50 في المئة من الحاجة اليومية إلى المازوت. فللزيت المحروق قوة حريق أقوى من المازوت، إلّا أنّه يستدعي كل يومين تنظيف الصوبيا والقساطل، وفق أحمد صوان، الذي لا يهتم للآثار الصحية المتأتية من استعمال الزيت المحروق، فالأولوية في زمن الصقيع هي للتدفئة بأي وسيلة.
الوسائل كلّها حلال عند البقاعيين المكتوين بنار المحروقات التي تحرق جيبوهم ولا تدفئ أبدانهم الباردة. وتشكّل الجلود وشراء الأحذية المستعملة والمهترئة إحدى وسائل التدفئة «الرخيصة»، وفق تعبير خالد العبد الذي يقوم أسبوعيا بزيارة الأسواق الشعبية و«اقتناص»، وفق توصيفه، ما أمكنه من جلود مهترئة وأحذية لا تصلح إلّا لنار المدافئ، على الرغم من خطورة هذه الوسيلة التي يصفها أحد أطباء الصدر في زحلة «بالمميتة».
حتى الحطب لم يعد متوفراً عند بعض البقاعيين، ولم يعد وسيلة تدفئة للفقراء باستثناء ما يجنيه البعض من مخلفات تشحيل الأشجار، فسعر طن الحطب يتجاوز الـ250 ألف ليرة، وفق أحمد الزما، الذي يتحدث عمّا يسميه حطب للفقراء أي «طبالي سوكلين»، وهي عبارة عن الأخشاب التي تجمع بعد فرز النفايات، ويصار إلى تجميعها وكبسها في طبالي تزن واحدتها نحو الطن وتباع، بنحو 110 آلاف ليرة.
في البقاع كل شيء يمكن أن يكون وقودا للتدفئة الّا المازوت و«أرامي الحطب» التي باتت أغلى من المازوت، وبات استعمالها مقتصراً على الشقق والفيلات الجديدة، في حين أن الرائج في البقاع، والأكثر استعمالاً، هو بقايا المناشير، خشب سوكلين، بقايا التشحيل، الزيت المحروق، النايلون والجلود.