صدق خبراء تل أبيب. فلا خشية من أن يقدم لبنان، كدولة، على ما من شأنه الإضرار بقطاع النفط والغاز الإسرائيلي، إذ يصعب أن يتصور لبنان منافساً جدياً.
عدد من الخبراء الإسرائيليين في الشأن اللبناني ردّوا قبل أكثر من عامين على الوزير «يوسي بيلد» الذي حذر من لبنان ونفطه وغازه، وطالب بضرورة الإسراع في إنجاز كل ما يمكن إنجازه لإنهاء مراحل التنقيب، والوصول سريعاً إلى الأسواق الأوروبية وشرق آسيا، وذلك قبل أن يتحرك لبنان لاستغلال ثرواته التي تقدر، بحسب بيلد، بأنها أكبر بكثير مما لدى إسرائيل.
خبراء الشأن اللبناني من الإسرائيليين كانوا حازمين: الخلافات في لبنان لن توفر قطاع النفط والغاز، وستنسحب هذه الخلافات على هذا القطاع أيضاً، الذي سيتحول إلى مادة خلافية جديدة، ومن شأن ذلك أن يمنع لبنان من استغلال ثرواته، أو في أقل تقدير تأخير هذا الاستغلال إلى آماد غير منظورة، قبل أن يتحول هذا البلد إلى منافس جدّي لإسرائيل.
كان في التقرير الأخير، المنشور في صحيفة «هآرتس» قبل يومين، دليل إضافي على الجدية والنجاعة الإسرائيليتين، في مقاربة ملف النفط والغاز. رغم أن هناك من يرى أنها معالجة اعتيادية، تقوم بها دولة سوية، لكن قياسها بالمعالجة اللبنانية يحولها إلى إنجاز.
فكرة الاقتسام الحبي للمناطق «المتنازع» عليها بين لبنان وإسرائيل لم تلق تعليقاً إسرائيلياً رسمياً، لكنها أشارت إلى أن كل العقبات والمشاكل التي تعترض التنقيب واستخراج النفط قبالة سواحل فلسطين المحتلة، أو قد تعترضها، هي مدار بحث ونقاش جديين، بل تتبلور في أعقابهما أفكار وطروحات تحفظ «الحق الإسرائيلي» وأمنه الذي لم يعد إسرائيلياً بالمطلق، بل يتشارك فيه الأميركيون أيضاً عبر شركاتهم التي تتولى أعمال التنقيب في الساحل الفلسطيني.
جرّت إسرائيل الولايات المتحدة كي تكون في المقدمة، للدفاع عن «الحق الإسرائيلي». ليس لأنها حليفة، أو أنها ذخر استراتيجي أميركي يجب الدفاع عنه أمام الأخطار والتهديدات، بل لأن هذا الحق هو حق أميركي أيضاً، وأي ضرر يلحق بقطاع النفط والغاز الإسرائيلي يلحق أيضاً، وبالتبعية، بشركات النفط الأميركية... ولا يوجد أهم، لدى أي إدارة أميركية، من الدفاع عن شركاتها وحقوقها النفطية، بل يمكنها أن تخوض حروباً في الدفاع عنه.
قطاع النفط والغاز في لبنان لا يعني ذخراً مالياً وحسب. يمتد هذا القطاع، إن جرى التعامل معه بحكمة ودراية، ليكون ذخراً وبطاقة تأمين إزاء معظم المشاكل في لبنان، كعنصر حمائي تجاه أي أخطار وتهديدات، بعيدة كانت أو قريبة.
لنطلق المخيلة قليلاً. ولنفترض أن الدولة اللبنانية تجاوزت الاستحالة وأنهت ما يجب إنهاؤه، وصولاً إلى الحسم، ولزّمت قطاع النفط إلى الشركات الأجنبية. فرض المحال ليس محالاً، وبالتالي يمكن المخيلة أن تصل إلى هذه النقطة.
وعلى فرض أن الحكومة اللبنانية، بحكمة غير معهودة، وزّعت المنطقة الاقتصادية الخاصة بلبنان على شركات تنقيب أجنبية: أميركية وفرنسية وبريطانية وروسية وآسيوية... فما هي النتيجة المتوقعة، العابرة للتنقيب، والتسويق نفسه؟
إحدى أهم النتائج، أن لبنان يسحب هذه الدول كي تتعامل مع مصالحه الخاصة، باعتبارها مصلحة خاصة لهذه الدول. عندها تتحول المشاكل اللبنانية، على كثرتها، إلى مشاكل يجب حلها دولياً، ليس من منطلق منع تأثير هذه المشاكل على المحيط الذي يعني هذه الدول، بل باتجاه منع أي عامل يؤدي، أو من شأنه أن يؤدي، إلى عدم استقرار لبنان.
أقل ما في ذلك أنه يمنع عن هذه الدول التعامل مع الساحة اللبنانية كساحة اختبار وحلبة صراع إقليمية ودولية. مصالح الشركات النفطية هي نفس مصلحة دولها القومية، وعلى ذلك تتأسس أفعالها ومقارباتها. فكل ما يضرّ بلبنان يضر بقطاع نفطه وغازه، وبالتالي يضرّ بشركات هذه الدول واستثماراتها، وهذا ما لا يمكن هذه الدول أن تتجاوزه.
هو أحد أوجه فوائد قطاع النفط والغاز اللبناني، على كثرتها، لكن هل من يحفل بالمصلحة اللبنانية الخالصة؟