أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

ساسة لبنان غزلان بابا نويل

الإثنين 24 كانون الأول , 2012 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 8,726 زائر

ساسة لبنان غزلان بابا نويل

 

سعر الهدية Made in China خمسة دولارات. بألف دولار، يشتري السياسي مئتي هدية. وفي حال أراد أن «تشتّي السما هدايا» على رؤوس الأطفال، يبتاع بعشرة آلاف دولار ألفي هدية. ثمة تجار بات استيراد الألعاب الرخيصة من الصين، اختصاصهم. يزداد عمل هؤلاء وأرباحهم مرة كل أربع سنوات، قبيل الانتخابات النيابية. ولاحقاً بعد شراء الهدايا، يستنفر السياسيّ علاقاته الخاصة ببعض «الخوارنة» أو بأحد الأحزاب، فيجمع له ما توفر من أطفال يحتاجون إلى الهدية، وآباء يلهثون خلف نشاط ترفيهيّ مجانيّ، والخالات والعمات طبعاً. وفي الموعد، تتهافت الكاميرات لتصوير «صاحب القلب الكبير». يا لحظّ الأطفال السيئ: سياسي بشع يقبّلهم، آخر أسنانه صفراء يقرص خدودهم، وثالث ملامحه تخيف الأكبر منهم يغنّجهم.

اليد ممدودة

لا يليق دور بابا نويل بسياسي أكثر من المرشح الدائم عن المقعد الماروني في المتن الشمالي سركيس سركيس. إلا أن «فاعل الخير» الدائم يفضل أن يهدي الكبار حتى الآن، على الصغار. لا يتعب نفسه بتنظيم ريسيتال هنا أو تزيين شجرة عيد هناك، مستصعباً كما يبدو أن يشاركه الأطفال في قالب الحلوى والسكاكر، الأمر الذي يفتح الباب أمام صغار المتموّلين الراغبين في دخول الحياة الانتخابية من «باب سركيس سركيس للخدمات» ليطحشوا. يبرز هنا «رجل معطاء» يأمل الترشح في دائرة المتن الشمالي يدعى جان أبو جودة، سمّى جمعيته باسم «اليد الممدودة» ليذكّر الناخبين كلما استذكروه بغزارة عطاءاته. وقد أمكن اليد الممدودة هذه أن تحشد 1073 طفلاً من خارج التيار الوطني الحر لـ«يغرس صاحبها فرحة العيد في نفوسهم»، إلا أن نجومية النائب نبيل نقولا ـــ زميل أبو جودة في «اليد الممدودة» ـــ وشهرته حالتا كالعادة دون معرفة الناخبين أنه ونقولا والمرشح أكرم الحلبي من يموّلون النشاط وليس نقولا وحده. أما المرشح وليد أبو سليمان فلا يمكنه الغياب، بطبيعة حاله والمرشحين المغمورين الآخرين، عن مناسبة كهذه ليعرّف الناخبين بنفسه. وأبو سليمان أذكى من غيره، فبدل اتفاقه وحزب الكتائب أو الحزب القومي أو غيرهما على رعاية أحد احتفالاتهم الميلادية من جيب أسرته الخاص، طرق باب المدارس لتصل هديته والرسالة الانتخابية المرفقة إلى جميع المنازل دون استثناءات سياسية. وها راهبة تشكره في مدرسة القلبين الأقدسين في بلدة عين الخروبة حيث وزع 500 هدية على «إدخاله الفرحة إلى قلوب الأطفال»، وراهبة أخرى تربّت كتفه بحب وحنان في المدرسة نفسها، فرع الشوير، حيث وزع 300 هدية. وإلى جانب الهدايا، يقول خبر مكتبه الإعلامي إنه قدم «عرضاً مسلياً لألعاب الخفّة». أما المرشح المفترض عن المقعد الأرثوذكسي الياس بوصعب فيضيّع حتى الآن فرصة الظهور الشعبيّ هذه.

 

ما ذنب الأطفال؟

 

الأطفال! ما ذنبهم الأطفال حتى يستمعوا إلى خطبة المرشح المحتمل عن المقعد الكاثوليكي على اللائحة العونية في المتن الشمالي (وهذا كله جزء من لقبه التعريفيّ، لم يبدأ الخطاب بعد) شارل جزرا ليحصلوا على هداياهم؟ دعا جزرا أطفالاً لا يتجاوز عمرهم العشر سنوات إلى «التسلح» بـ«الأمل والرجاء». فهزّ الأطفال رؤوسهم موافقين، مسرورين به يبلغهم أن «العماد عون كان يرغب بالتواجد وسطهم، ليشاركهم فرحة العيد». والاحتفال الذي نشر جزرا خبره واحد من خمسين احتفالاً نظّمتها هيئة التيار الوطني الحر في المتن الشمالي بعيداً عن احتفال يد نبيل نقولا الممدودة. أما في بعبدا، فلولا النائب ناجي غاريوس (صدّقوا) لما شعر أطفال الشياح بالعيد. ما كاد الطبيب البعبداوي يرى الكاميرا هنا حتى التقط أول طفلة قفزت أمامه ورفعها ملوّحاً، قبل أن ينحني فوق طفل آخر مقبّلاً، وبينهما طفل يحاول إنقاذ شقيقته من قبضة سعادته، فيقبّله ويتودّد إليه حتى ينشغل بصورتهما معاً عن أخته لتفلت وتهرب.

 

ابتكار صحناويّ

 

«في صالة سينما أمبير ـــ جزين، يقدم لكم النائب ميشال حلو وبمناسبة الأعياد، الساحر الشهير MISKA». أما عونيّو زحلة فيعلمون أن الهدية لا تشفع للنائب السابق سليم عون عند أهالي المدينة، ويحتاج الزحلاويون، أطفالاً وأهالي، إلى أكثر من هدية لانتخابه، فاستعاضوا عن هدايا عون باحتفال ميلادي لم تشهد المدينة ما يشبهه من قبل. وضمن الابتكارات العونية، لعبة صحناوية في الأشرفية وفق مبدأ «نأخذ منكم لنعطيكم»، تقوم على مجيء الأطفال المحتاجين إلى هدية والأطفال المتخمين بالهدايا إلى القاعة نفسها. مجموعة تأتي بسياراتها الفخمة وثيابها الأنيقة، وأخرى سيراً تحت المطر وثيابها الرثة، فيختار كل طفل ثري طفلاً فقيراً يناوله هديته.

 

مغارة الكتائب: جميّلستان

 

أما الكتائب اللبنانية، فكانت خيارات مكتبها السياسي أو نادي المتقاعدين في الحزب متعددة: أينظمون ريسيتالاً ميلادياً كبيراً في ساحة النور في مدينة طرابلس أو في ملاعب أبو سمرا الرياضية يستتبع بتوزيع هدايا العيد على أطفال المدينة المسيحيين الذين يعيشون بكل سلام واستقرار إلى جانب إخوتهم من أبناء الطوائف الأخرى، برعاية نائب طرابلس الكتائبي سامر سعادة؟ أم يجوبون قرى عاليه المهجرة لتوزيع الهدايا برعاية نائب عاليه الكتائبي على من عادوا إلى قراهم وحصلوا على تعويضاتهم كاملة بفعل التحالف الكتائبي ـــ الجنبلاطي؟ أم ينظّمون احتفال تصالح ومصالحة بين مختلف عائلات مدينة زحلة وفاعلياتها برعاية نائب زحلة الكتائبي إيلي ماروني؟ لكن وبعد طول تفكير، قرروا البقاء حيث هم، في بكفيا، محاولين أن يحذوا حذو المردة في تحويل بكفيا إلى قرية ميلادية كبيرة على غرار بنشعي، وعلى حساب البلدية طبعاً. والمرديون مدرسة على هذا الصعيد، فلولا ليالي الميلاد وليالي إهدن لما وجد الحزب شيئاً كثيراً ينشغل به عن النيابة وغيرها طالما مقاعد زغرتا وغالبية المقاعد الأخرى محجوزة لمن صدف أن كان أجداد أجدادهم نواباً. وبدل استفادة مرديّي المناطق من العيد للاحتكاك بالناخبين أكثر وطرق أبواب جديدة، على غرار مردة بعبدا، يحتشد هؤلاء في كسروان وجبيل في حافلتين تقلانهم إلى بنشعي لمتابعة المسرحيات التثقيفية والفوز ببعض الهدايا التي توزع هناك. وفي مقابل المردة، أنشات حركة الاستقلال، بقيادة ميشال معوّض، قرية ميلادية لنفسها، وزّع فيها القائد الهدايا على الأطفال، تاركاً هدية منها لنفسه.

وشمالاً، يقول خبر النائب هادي حبيش إن «أكثر من مئة طفل تسلّموا هدايا العيد من السيدة سينتيا حبيش التي نقلت تهاني النائب حبيش إلى الجميع». والواضح أن بابا حبيش أتعب نفسه: مئة هدية (= خمسمئة دولار) لمئة طفل في قضاء يتجاوز عديد أطفاله المئة ألف. «بخل» حبيش مبرّر، طالما أن كيس «بابا نويله»، الرئيس سعد الحريري مثقوب هذا العام. ووصول الشيخ سعد على عربة تجرّها الغزلان إلى بيروت من أرض الحجاز، للاحتفال بالميلاد، دونه فتاوى الشيخ صالح اللحيدان، وغيره من رجال الدين السعوديين، التي تحرّم «بدعة» إحياء أعياد النصارى.

أما القوات اللبنانية أخيراً، فلا يمكن قائدها سمير جعجع تفويت فرصة الاحتكاك المباشر بمئات الأطفال ورؤية بهجتهم بالعيد. ولا بدّ بالتالي من تسلمهم الهدية من يد القائد مباشرة، فتزداد قيمتها في نظرهم. ويضاف إلى توزيع الهدايا المركزي، نقاط توزيع أخرى في المناطق، فتدعو القوات الكورانيين الراغبين في الحصول على هدية إلى مهاتفة الأستاذ طوني خطار على أحد الأرقام أو التوجه مباشرة إلى Garderie Stop Nounours ابتداء من الساعة العاشرة صباحاً، أو التوجه إلى أوتيل غرانادا – بلدة روم بالقرب من جزين، أو كنيسة مار الياس في حي المعلقة في زحلة، أو ساحة أنفة في الكورة أيضاً أو كنيسة مار الياس في الكحالة، أو اختصار الطريق وتوفير البنزين و«المنّيّة» وشراء الهدية البلاستيكية من أقرب محل 1$.

 

اكبروا واحرموهم أصواتكم

 

لا يريد بعض السياسيين ترك شيء من شرّهم. سبق النائب ميشال المر أن جعل حضوره الأعراس يتقدم في الأهمية حضور العريس ويسرق الأضواء حتى من العروس، جاعلاً من أدائه دور العراب سمّاً لا بد لوالد الطامح إلى نيل رضاه أن يتجرعه. لا عيدا مار مارون ومار الياس نجوا منهم ولا غيرهما. لم يتركوا شيئاً، حتى وصلوا إلى أن يقتحموا عيد الميلاد. يريدون موطئاً لأقدامهم بين الأهل وأبنائهم. يريدون الأبناء أن يظنوا أنهم هم آباؤهم. تكاد لا تحتمل بشاعة الظاهرة المستفحلة أخيراً: أن يهاتف أحد السياسيين مفتاحاً انتخابياً ليطلب منه «جمع مئتي طفل». أن يهاتف بعدها الصحافي ليسوّق «هذا النشاط الاجتماعي _ الإنساني العظيم». يسعد هؤلاء بالتفاف أطفال يشتهون الهدية حولهم، بتدافع الأطفال لتقبيلهم وشكرهم. ثمة مرض؛ مرض موصوف. يتجاوز بعضهم في مقايضة هداياه الرخيصة وصورته الإنسانية كل الحدود المعقولة، ينفذون من حاجة بعض الأهالي إلى هدية صغيرة لأبنائهم، ليقولوا إنهم هنا. لا يكفيهم أن تعرف يدهم اليسرى بما فعلته الأخرى؛ يريدون أكثر من ذلك بكثير. سياسيون لم يسمع من يسعون خلف هداياهم بأسمائهم من قبل. سياسيون يفترض بذاكرة الأطفال النشيطة أن تحفظ هداياهم الرخيصة التي ضحكوا بها عليهم، فيحرموهم أصواتهم حين يكبرون.


Script executed in 0.20978999137878