وفي الوقت الذي كرّرت فيه دمشق تمسكها «بضرورة وضع حد للعنف والإرهاب والتوصل إلى حل سلمي في إطار الموقف السوري حول بيان جنيف»، سارعت المعارضة السورية الخارجية وباريس إلى رفض أي اتفاق لا ينص على تنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن الحكم، وهو ما جددت روسيا رفضها له.
وفي هذه الاثناء، نقلت الإذاعة الإسرائيلية عن «مصادر رسمية» قولها إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحث مع الملك الأردني عبد الله الثاني في عمان مؤخراً الوضع في سوريا وقضية الأسلحة الكيميائية. وذكرت صحيفة «يديعوت احرونوت» إن «الطرفين التقيا وهما يحملان خرائط (جغرافية)» لمواقع الأسلحة الكيميائية والبيولوجية. وأضافت «ليس واضحاً في هذه المرحلة ما الذي ستضيفه المشاورات الإسرائيلية ــ الأردنية. كل العالم يرغب برحيل الأسد، ولكن إسرائيل والأردن، بالإضافة إلى تركيا ولبنان، هي التي سيكون عليها أن تتعامل مع ما قد يفعله في لحظاته الأخيرة في السلطة». (تفاصيل صفحة 15)
وفي مؤتمر صحافي عقده قبل مغادرته دمشق متوجهاً إلى بيروت، قال الإبراهيمي إن «الوضع في سوريا يشكل خطرا كبيرا، ليس فقط على الشعب السوري وإنما على دول الجوار بل على العالم، والوقت ليس في مصلحة احد».
ودعا، الإبراهيمي في ختام زيارة استغرقت خمسة أيام التقى خلالها بالرئيس بشار الأسد وقيادات في المعارضة الداخلية، إلى تشكيل حكومة «كاملة الصلاحيات»، موضحا أن «كاملة الصلاحية هي عبارة مفهومة تعني أن كل صلاحيات الدولة يجب أن تكون موجودة في هذه الحكومة». وأشار إلى أن هذه «الحكومة يجب أن تتولى السلطة أثناء المرحلة الانتقالية التي يجب أن تنتهي بانتخابات، إما أن تكون رئاسية إن اتفق أن النظام سيبقى رئاسياً كما هو الحال، أو برلمانياً منتخباً إن تم الاتفاق أن النظام في سوريا يتغير إلى نظام برلماني».
ولم يفصح الإبراهيمي عن دور الأسد في المرحلة الانتقالية، وما إذا كان بإمكانه الترشح إلى الرئاسة مجدداً في العام 2014، لكنه أكد «أنه لا يجوز أن تؤدي هذه المرحلة الانتقالية إلى انهيار مؤسسات الدولة، وعلى الجميع أن يتعاون مع السوريين للمحافظة على هذه المؤسسات وإعادة
تقويتها وبنائها». وشدّد على أن «التغيير المطلوب ليس ترميمياً ولا تجميلياً. الشعب السوري يحتاج ويريد ويتطلع إلى تغيير حقيقي، وهذا معناه مفهوم من الجميع».
ونفى الإبراهيمي تقديم مشروع متكامل للحل، محبذاً إرجاء ذلك إلى حين «تكون الأطراف وافقت عليه كي يكون تنفيذه سهلاً». وألمح إلى أن الفشل في الاتفاق قد يدفع نحو «الذهاب إلى مجلس الأمن واستصدار قرار ملزم للجميع».
كما نفى الإبراهيمي وموسكو أن يكون حمل مقترحاً أميركياً ـ روسياً للحل. وأضاف «قال البعض في سوريا وخارج سوريا إنني أتيت لتسويق مشروع أميركي ـ روسي. يا ريت (يا ليت) هناك مشروعاً أميركياً روسياً». واعتبر أن الحل «يتم عن طريق تقارب في وجهات النظر بين السوريين»، وإن كانوا غير قادرين على ذلك بمفردهم فـ«يجب على المجتمع الدولي وعلى جيرانهم مساعدتهم على الخير وليس على الشر».
وذكر بأن مؤتمر جنيف الذي عقد في 30 حزيران الماضي «فيه ما يكفي من الأفكار لحل الأزمة في سوريا خلال الأشهر القليلة المقبلة، وهذه النقاط صالحة لكل زمان ومكان رغم الحاجة إلى إدخال بعض التعديلات عليها، ولكن لا داعي لإضفاء أي نقاط جديدة عليه». ورأى «أنه لا بد للعنف أن يتوقف ومن أجل ذلك يجب أن تكون هناك مراقبة قوية توفرها عملية حفظ سلام»، لافتاً إلى أنه أسيء فهم هذا الاقتراح والبعض ذهب لاقتراح قوات أجنبية في سوريا.
وعن دعم تركيا وقطر والسعودية والولايات المتحدة للمعارضة السورية، قال الإبراهيمي إن «ما تقوم به هذه الدول معروف ومعلن وليس سراً. والأمين العام للأمم المتحدة لا يضيّع فرصة إلا ويدعو فيها إلى وقف تدفق الأسلحة للجميع. وفعلاً وقف دخول الأسلحة جزء من الأشياء التي يجب الاتفاق عليها، وسنعود إلى دمشق كلما دعت الضرورة». وحذر من «شكل لعين» يتخذه النزاع في سوريا «وهو المواجهات الطائفية».
موسكو
وتزامنت مغادرة الإبراهيمي دمشق مع بدء اجتماع نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد مع لافروف في موسكو التي تستقبل المبعوث الدولي السبت. واعتبر الإبراهيمي أن الديبلوماسي السوري «ذهب إلى موسكو، وقيل إنه ذهب ليشرح كلامي. لا، كلامي أنا سأشرحه، هو ذهب ليشرح كلامه».
وحذر لافروف، في حديث لوكالة «انترفاكس» بعد اجتماعه بالمقداد، من أن الفرص تتضاءل أمام إيجاد حل للأزمة السورية يستند إلى «اتفاق جنيف»، لكنه شدد على انه «من الضروري رغم ذلك مواصلة السعي نحو حل سلمي لأن البديل هو فوضى دموية». وأضاف «كلما طال أمد (الصراع) اتسع نطاقه وتفاقم الوضع بالنسبة للجميع».
وتابع لافروف إن «الاتصالات الثلاثية الأخيرة في جنيف التي شاركت فيها روسيا والولايات المتحدة والإبراهيمي أكدت أن إمكانيات إيجاد النقاط المشتركة في ما يخص تنفيذ اتفاق جنيف لا تزال موجودة، شرط ألا نحاول تغيير هذه الاتفاق». وقال «نحن عازمون على المضي في هذا الطريق. إن الكرة الآن في ملعب شركائنا الذين يؤيدون الحل السياسي شفهياً، وفي الواقع يحرّضون على مواصلة الحرب حتى إسقاط بشار الأسد».
وحذر لافروف من أن «اللعبة المزدوجة خطيرة للغاية في الظروف الراهنة في سوريا، ولن تؤدي إلا إلى مواصلة عسكرة هذا النزاع وتصعيده وزيادة التشدد والخطر الإرهابي والعنف الطائفي».
وكان لافروف أكد، خلال لقائه المقداد الذي التقى نظيره الروسي ميخائيل بوغدانوف، أنه «لا يوجد بديل من تسوية الأزمة السورية سلمياً من خلال حوار سوري شامل والعملية السياسية على أساس بيان جنيف».
وذكرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، أن «المباحثات ركزت على ضرورة تحقيق الهدف الأساسي وهو وقف العنف ومعاناة الشعب السوري وإنقاذ الأرواح بشكل عاجل». وأشارت إلى أن «المقداد أطلع الجانب الروسي على تطور الوضع في سوريا والجهود الرامية إلى تسوية الأزمة السورية على خلفية المباحثات الأخيرة مع الإبراهيمي في دمشق».
ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) عن المقداد تشديده على «ضرورة وضع حد للعنف والإرهاب والتوصل إلى حل سلمي في إطار الموقف السوري حول بيان جنيف». وأشار إلى «ضرورة السعي لوقف التدخل الخارجي في الشؤون السورية والامتناع عن دعم المجموعات الإرهابية وإيوائها وتدريبها وتمويلها من قبل بعض دول المنطقة وخارجها، وضرورة أن يكون الحل سورياً وبقيادة سورية».
وكان المتحدث باسم الخارجية الكسندر لوكاشيفيتش اعتبر أن «جعل رحيل رئيس منتخَب حجر أساس لأي حوار هو انتهاك لكل الاتفاقات التي تم التوصل إليها». وقال «زملاؤنا الأميركيون وآخرون تراجعوا عن هذا الموقف 180 درجة من خلال دعم المعارضة ورفض الحوار مع الحكومة ما يضع المعارضة في أجواء إطاحة السلطات لا الحوار معها».
«الائتلاف» وباريس
وقال المتحدث باسم «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» وليد البني، في مؤتمر صحافي في اسطنبول، «لا يمكن للائتلاف أن يقبل أي مبادرة لحل سياسي في سوريا ما لم يكن بندها الأول رحيل النظام بكل رموزه ومرتكزاته». وأضاف «نقبل بأي حل سياسي لا يشمل عائلة الأسد والذين سببوا ألماً للشعب السوري. وخارج هذا الإطار كل الخيارات مطروحة على الطاولة».
وكررت باريس أن الأسد «الذي يتحمل مسؤولية سقوط 45 ألف ضحية في هذا النزاع لا يمكن أن يكون جزءاً من الانتقال السياسي». وأعرب مساعد المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية فنسان فلورياني عن «دعم فرنسا وشركائها الدوليين لحلّ سياسي للأزمة في سوريا».
(«السفير»، «سانا»، ا ف ب، ا ب، رويترز)