أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

سابقة جنبلاطيّة جديدة .. قَتْل الميت

الجمعة 28 كانون الأول , 2012 04:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,376 زائر

سابقة جنبلاطيّة جديدة .. قَتْل الميت

«لن نذرف دمعة واحدة عليه»... هكذا، بتبلّدٍ شديد، لم يحترم النائب وليد جنبلاط مشاعر 650 ألف من الموحّدين الدروز في السويداء وريف دمشق والقنيطرة وحلب وإدلب، وكأن من سيحاسب شيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز في سوريا الراحل حسين جربوع، يتأثّر برأي جنبلاط، أو يبني قراراته على شهادته. الأرجح أن جنبلاط لم يقرأ ما قاله السيد عبدالله التنوخي في وداع ولده «يطوي العمرُ الجدَيدَين ولا فَوْتَ من الموت»، وإذا قرأ لا بدّ أنه لا يريد أن يذكر.

 

لم يحترم وريث الإقطاع الدرزي مشاعر عائلة جربوع، تلك التي لا يعنيها إن كان حسين جربوع عضواً في ما يسمّى «الائتلاف الوطني السوري» أو جندياً في الجيش السوري، أو حتى «شبيحاً» كما يقول جنبلاط عن رجلٍ توفّي عن عمرٍ يناهز ثمانين عاماً.

 

أن يقول البيك ما قاله بحقّ جربوع قبل أيام، لهو «سابقة خطيرة لم تحصل في الطائفة قبلاً» على حدّ قول أحد مشايخ جرد عاليه. هذا الرأي، يشاركه فيه عددٌ كبيرٌ من المشايخ في حاصبيا والمتن والشوف وعاليه، فضلاً عن السويداء طبعاً. وعلى ما يقوله هؤلاء، فإن الخلاف السياسي حول الوضع السوري شيء، وضرب العادات والتقاليد باحترام الموت شيء آخر، «لا يمكن وليد جنبلاط أن يدّعي تمثيله الطائفة صباحاً، ويهينها في المساء. ما قاله عن الشيخ ليس موقفاً سياسياً. هو إهانة للدروز».

 

كلام جنبلاط أثار استياءً شديداً في السويداء. حتى أولئك الذين لم يكونوا راضين تماماً عن مواقف الشيخ جربوع، أصابهم الذهول «من موقفٍ حادّ إلى هذه الدرجة. نحن الدروز نحفظ كرامة أمواتنا». والغضب لا يقف عند حدود تصريح جنبلاط، إذ إن موقف منتهى الأطرش، ابنة سلطان باشا الأطرش، من أن «كلام جنبلاط دقيق وواضح لأن جربوع كان يعمل مع النظام ولم يكن نزيهاً» أثار حفيظة أبناء جبل حوران، فـ«الرجل لم ينزل تحت التراب بعد وتتجرّأ على قول تصريح كهذا».

 

يردّ أحد المشايخ موقفي جنبلاط والأطرش إلى عجزهما عن التأثير في قرار السويداء، إذ حاول جنبلاط دفع أبناء جبل حوران للوقوف في وجه الدولة السورية، وعبّر عن رغبته هذه في أكثر من موقف علني وعنيف. وطوال سنتين، «لم يقتنع جنبلاط بأن السويداء ليست بتاتر أو بعقلين، أو حتى بشامون، ولم يسمع كلامه جندي واحد من أبناء السويداء في الجيش السوري بالانشقاق عن الجيش». ويضيف المصدر: «ما تشكّله المعارضة لم يزل حتى اللحظة قلّة لا يطاردها الأمن السوري، حتى الأطرش تشتم النظام وتحرّض على الالتحاق بالمعارضة، وتأتي وتروح في السويداء وكأنها لم تقل شيئاً».

 

ويؤكّد عارفون أن العلاقة بين البيك والشيخ جربوع كانت طوال الحرب الأهلية اللبنانية علاقة تعاون. وحتى في سنوات ما بعد الطائف، بقيت العلاقة في إطار التواصل الدائم، «إلى أن حلّت الأزمة السورية». وتصف إحدى مرجعيات السويداء كلام حنبلاط عن جربوع بعد موته، وجسده لم يبرد بعد، بأنه «خيانة، لأن ما قدّمه جربوع لجنبلاط خلال الحرب الأهلية اللبنانية لم يقدّمه أحد. لقد غدر جنبلاط بالشيخ». ويشير الرجل إلى أن خلافاً كان يستعر بين الشيخ وجنبلاط بين حين وآخر على خلفيّة دعوة دروز فلسطين إلى عدم الالتحاق بالجيش الاسرائيلي، إذ «كان الشيخ يدعو الدروز دائماً إلى التمرّد على الجيش الاسرائيلي، بينما يبتزّ جنبلاط القيادة السورية بهذا الموقف، فيدعو الدروز إلى التمرّد على إسرائيل أو يصمت، بحسب العلاقة مع القيادة السورية».

 

ولا يمكن القول إن موقف المشايخ في لبنان هو ذاته من تصريحات جنبلاط، فالانقسام السياسي الحاصل بين دروز لبنان لا يقف عند حدود «مشيَخَتَي عقل»، حتى في الطقوس الدينيّة يختلف فريقا المشايخ اليزبكي والجنبلاطي. فمن يختلف على عدد الرحمات التي تطلق على الميت، كيف لا يمكن أن يملك وجهتي نظر من أزمة كالأزمة السورية، أو موت جربوع، إذ يقوم المشايخ اليزبكيّون بعد الصلاة على الجثمان بإطلاق ثلاث رحماتٍ على الميت، بينما يقوم الجنبلاطيون بإطلاق رحمةٍ واحدة!

لم ينعَ شيخ عقل الطائفة المنتخب في لبنان نعيم حسن الشيخ جربوع. كيف ينعاه وجنبلاط قال ما قاله في حقّه؟ على عكس ما فعل شيخ العقل «المعيّن» ناصر الدين الغريب الذي نعى الشيخ الراحل في اجتماعه التشاوري الدوري مع المشايخ، و«لو كان الوضع الأمني جيّداً، لكنا ذهبنا إلى العزاء في السويداء لأن هذا واجبنا».

 

ولعلّ الأغرب في بعض المشايخ الجنبلاطيين أنهم لا يسلّمون أمر السياسة إلى جنبلاط وحسب، بل حتى أمور الدين، فيوافقه بعضهم الرأي في ما قاله عن جربوع، بخلاف وزرائه الذين استغربوا موقف البيك في دوائرهم الصغيرة على الأقل.

وحده الشيخ فندي شجاع في حاصبيا من بين المشايخ الجنبلاطيين كتب بيان نعي للشيخ جربوع. وحين يسأل شجاع عن السبب، يقول إنه متعاطفٌ مع موقف جنبلاط «قائد الطائفة وزعيمها»، لكنه يردّ الجميل للشيخ جربوع الذي أقام موقفاً للعزاء بوالده الشيخ الراحل جمال الدين شجاع قبل عقدين من الزمن في مقام عين الزمان في السويداء.

 

إذا كان موقف جنبلاط بهذا المستوى من التطرّف، فهذا لا يعفي من يقف على الضفة الثانية، أي النائب طلال أرسلان، من إقامة «موقف عزاء» على نيّة الراحل، مع أن أرسلان عزّى بجربوع، وردّ على تصريحات جنبلاط، معتبراً أن «موقف الدروز في سوريا واضح وانتماءهم القومي ليس بحاجة إلى براءة ذمة من أحد»، إذ استغرب بعض المشايخ عدم دعوة أرسلان وغريب إلى موقف عزاء على غرار ما حدث عندما توفي الشيخ أحمد الهجري قبل أشهر، علماً بأن جنبلاط هو من دعا إلى «موقف» للهجري في عبيه للقول إن النظام السوري هو من قتله وأن حادث السير مدبّر. وتقول مصادر في الحزب الديموقراطي اللبناني إن السبب في عدم إقامة موقف عزاء هو «العاصفة التي ضربت لبنان الأسبوع الماضي، وتعذر إقامة حشد كبير يليق بقامة الراحل»!

 

لا ينتظر الأموات من يذرف دمعاً على غيابهم أو يتكرّم عليهم برحمةٍ من هنا أو تعزية من هناك. التعزية في الموت تلملم بعضاً من حزن الأحياء، لأن «الحي أبقى من الميت». ومن يرحل عن «دور الدنيا»، ينتقل إلى «دور الحق» في ثقافة الموحّدين الدروز، تلك التي لا يعيرها جنبلاط اهتماماً. ومع ذلك، يتصرّف البيك على قاعدة أنه الممثّل الشرعي والوحيد لمصالح الطائفة، يتكلّم باسمها، ويحتكر تمثيلها النيابي وامتيازاتها وحصصها في الدولة اللبنانية.


Script executed in 0.20276403427124