تتنفس الصعداء متفقدة جسدها لتتأكد من عدم إصابتها بكسور أو جروح، يطمئنها الجميع بأن كل ما تعرضت له مجرد خدوش طفيفة في وجهها. يوجّه لها شرطيّ السير، الذي وصل إلى المكان، سؤالاً بديهياً مستوضحاً عن أسباب حصول الحادث، فأتى الجواب: «الواتس أب».
ليست هي الحادثة الوحيدة التي يرويها لـ«الأخبار»، أحد رجال الأمن في البقاع. فالتقارير الأمنية سجلت حوادث مماثلة تبيّن أن أسبابها استخدام معظم السائقين للهواتف النقالة، وتحديداً الأجهزة المزودة ببرامج متطوّرة والتي أصبحت في متناول الجميع. والشباب هم الأكثر تأثراً بهذه الحوادث، إذ يجعلون من هواتفهم وسيلة للتسلية وتقطيع الوقت في أمور جانبيّة يمكن متابعتها في أي مكان، سوى خلف مقود السيارة!
إلى ذلك، لم تحدّ آلاف محاضر الضبط التي حررها رجال السير بحق سائقين، من هذه الظاهرة، يقول أحد المسؤولين الأمنيين في البقاع. ويشرح كيف أن معظم المواطنين يمعنون في مخالفة قوانين السير و«على عينك يا تاجر». ولا يخفي المسؤول أننا «نعجز عن معاقبة من يستخدمون الهواتف الخلويّة في أثناء القيادة، واتخاذ الإجراءات اللازمة بحق سائقيها، فالبعض يجاهر باستعمال هذه الأجهزة وهو يلقي التحيّة على عناصرنا المكلفين بالقيام بهذه المهمة». ويقول المسؤول إنّ الأمر وصل بالبعض إلى حد متابعة محادثاتهم الهاتفيّة في أثناء مرورهم على الحواجز الثابتة والظرفيّة التي تقيمها القوى العسكريّة والأمنيّة على الطرقات الرئيسيّة والفرعيّة. لكن هل من حلول لقمع هذه المخالفات؟ يوضح أن رجل الأمن يقع في حيرة من أمره، إذ ينشغل بقمع العشرات من المخالفات على حساب المهمة الأساسيّة المكلف بها وهي تنظيم المرور في الأماكن التي تشهد ازدحاماً شديداً، أو اللجوء إلى عكس ذلك، لافتاً إلى أنّ الأمر ينسحب على مخالفات عدم التزام معظم السائقين باستخدام حزام الأمان أثناء قيادة سياراتهم. أما المطلوب، بحسب المسؤول، فهو تحسس المواطن بالأخطار المحدقة بحياته وحياة الآخرين، نتيجة التمادي باتباع هذه التصرفات اللامسؤولة.
ويشير رتيب تحقيق بالحوادث المروريّة في إحدى مفارز السير في البقاع، إلى أن بعض الحوادث التي تحصل تعود أسبابها إلى تلهي السائقين باستخدام الهواتف النقّالة في أثناء القيادة، «وما يزيد الطين بلّة» هو اقتناء بعض الأجهزة الخلويّة الحديثة ذات الشاشات المتطوّرة والتي يحتاج تشغيلها إلى استخدام كلتا اليدين للتواصل بين شخصين يتواصلان بواسطة الخدمة نفسها، وعن إمكان اتخاذ الإجراءات القانونيّة بحق المخالفين إذا تأكد ذلك، يجيب الرتيب مبتسماً: « لا نستطيع أن نثبت ذلك بطبيعة الحال، فالسائق غالباً ما ينكر الأسباب، على الرغم من أننا في بعض الأحيان نكون على علم بما حصل معه من الأشخاص الفضوليين الذين يكونون في المكان قبل وصولنا، لكننا لا نقوم بأي إجراء، لأننا نحتاج إلى تدوين أقوال صاحب العلاقة في محضر التحقيق»، داعياً المواطنين إلى الحفاظ على حياتهم بالتقيّد بالقوانين التي وجدت لهذه الغاية، وليس كما يشيع البعض بأن وراء ذلك جمع الغرامات لدعم خزينة الدولة.
التواصل المفقود
يحل «الواتس أب» ضيفاً ثقيلاً على السهرات العائلية والزيارات الاجتماعية. هي عزلة حقيقية يضع فيها مستخدم البرنامج نفسه. فهو قد يعود من عمله ويستسلم لجهازه حتى يخلد إلى النوم. هذا إذا لم يكن يستخدمه خلال ساعات النهار وعلى الطريق من عمله إلى منزله. لا يعيش صاحب البرنامج في المكان الذي هو فيه. فالتواصل يكون مفقوداً حتى بين أفراد الأسرة الواحدة. وإذا أراد أحد أن يطلب من أخيه أو أخته خدمة ما يطلبها عبر البرنامج. إحداهن أرادت أن تشرب القهوة مع شقيقتها فأعربت عن رغبتها بذلك من خلال «الواتس أب». الزوار ليسوا أفضل حالاً، إذ يقصد البعض جيرانهم لمجرد الاستفادة من «الواي فاي» المتوفر لديهم. وقد يحدث أن يلقي أحدهم التحية على الجيران عند المجيء وعند الانصراف من دون أن يتكلم كلمة واحدة أخرى.