أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

مستشفى حمود ينازع

الخميس 25 تموز , 2013 05:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,636 زائر

مستشفى حمود ينازع

وسط ساحة «الست نفيسة» بتربتها الحمراء آنذاك، يقف رجل بثوب الأطباء الأبيض، وهو يشير وسط الجموع للجنود الإسرائيليين إلى ثوبه... للدلالة على كونه طبيبا. إنه العام 1982 إسرائيل في صيدا. جنودها يجمعون الرجال في ساحات المدينة، لنقلهم إلى شاطئ البحر، ومن بعدها إلى المعتقلات، وصيحات «بخر... بخر..» تملأ المكان. لم يقتنع جنود الاحتلال بالعذر الذي يقدمه الرجل الستيني ذو الثوب الأبيض. يميل أحد المخبرين (المقنّعين طبعا) على أحد الضباط ويقول له «هذا غسان حمود... إنه من كبار أطباء صيدا، يملك مستشفى حمود، وهو شخصية معروفة». يأمر الضابط جنوده بأن يتركوه يرحل.  أن تمتلك مستشفى  في مسيرته المهنية الطويلة، تخطى غسان حمود كما مستشفاه، الذي يعد الصرح الطبي الأشهر والأكبر والأهم في الجنوب، الكثير من الأزمات والصعوبات التي عصفت به وبمؤسسته على أكثر من صعيد. عايش الحروب والصراعات المسلحة، مع كل ما يعنيه ذلك من امتلاك مستشفى يقدم الحلول والعلاج للدماء الكثيرة التي سالت. اليوم يبدو المشهد مختلفا إلى حد كبير. الوضع الصحي للطبيب العجوز، ومستشفاه الذي نما وتطور، يمران بظروف صعبة ودقيقة لا يعلم أحد إلى أين ستفضي بهما. في صيدا يكثر الحديث هذه الأيام عن الموضوع، وإن لم يخرج بعد إلى العلن بشكل كبير. يحاول الصيداويون ألا يتكلموا بالأمر علّه يحلّ بطريقة أو بأخرى. لا يريدون لمدينتهم أن تخسر ميزة إضافية من ميزات كثيرة يبدو أنها تخسرها بشكل واضح مؤخرا. لا يريدون لمستشفى حمود أن يقفل أبوابه، أو أن تنتقل ملكيته إلى أطراف من خارج نسيج المدينة. لا يريدون أن تتحول مدينتهم من مستشفى الجنوب وجامعته إلى معبر للحلويات الشرقية فحسب. أسئلة عديدة بدأ يكبر صداها في عاصمة الجنوب اليوم والروايات حول الموضوع تتزايد وإن لم يحمل أي منها الجواب الشافي لما يحصل. ماذا يجري لمستشفى حمود؟ هل فعلا يمر بأزمة مالية، وأن الدكتور غسان يبحث عن شريك يخرج المؤسسة مما تتخبط فيه منذ فترة؟ هل صحيح أن خلافا عائليا بين حمود وابنتيه ساهم في ضبابية الموقف الذي تعيشه المؤسسة المساهمة التي أنشأها الطبيب ووزع أسهماً بينه وبين ابنتيه؟ ما هو مصير أكثر من 1800 شخص يرتبطون بالعمل بشكل مباشر أو غير مباشر مع هذه المؤسسة؟  أزمة مالية ومؤامرة  لا يخفى على الكثيرين أن المستشفى يمر منذ فترة بأزمة مالية، انعكست بشكل واضح عليه كما على العاملين فيه. يتردد بقوة أن هناك نية لدى الدكتور المتعب بسبب تقدم السن وتردي وضعه الصحي ببيع المستشفى لطرف يؤمن استمرارية عمله بالشكل الذي هو عليه اليوم. لكن الأمر لم ينجح حتى الآن على ما يبدو. يقول مصدر مطلع إن هناك مؤامرة تحاك ضد هذا الصرح الصيداوي المميز في المدينة منذ مدة. وقد طبخت على نار هادئة كي تصل الأمور إلى حائط مسدود، يسهل من بعدها الاستحواذ على المستشفى من قبل أطراف معروفة تتربص بها. وهنا تطفو على السطح نظرية وجود «مؤامرة مذهبية» للسيطرة على عاصمة الجنوب، فتسمع كلاما بدأ يكثر بعد أحداث عبرا الأخيرة عن ان أطرافا شيعية عديدة منها حزب الله، أرادت منذ فترة الاستحواذ على المستشفى نظرا لدوره الصحي والخدماتي على صعيد صيدا والجنوب عامة. وهنا يسأل متابعون لماذا تتمنع وزارة الصحة عن سداد المتوجبات عليها تجاه هذا المستشفى؟ لماذا ترك الأمر لتصل المبالغ الواجب على الوزارة دفعها للمستشفى أكثر من 40 مليون دولار أميركي؟ هل يحصل ذلك كي تثقل الديون كاهل المستشفى فيسهل بالتالي هضمه لاحقا؟ على اهمية السؤال الاخير، الا ان معنيين ينبهون الى أن جميع المستشفيات في لبنان تعاني من مشكلة تراكم مستحقاتها لدى وزارة الصحة والمؤسسات الضامنة، والتي وصلت الى 1200 مليار ليرة، بحسب رئيس نقابة اصحاب المستشفيات.  البحث عن حل  في محاولة منه لحل هذه المشكلة المتفاقمة، تقول مصادر مطلعة إن حمود فاتح النائبة بهية الحريري بالموضوع أكثر من مرة طالبا منها المساعدة، لاسيما أن هناك مبالغ مالية كبيرة متراكمة على آل الحريري لصالح المستشفى. وتضيف المصادر أن حمود أبلغ الحريري في الفترة الأخيرة بشكل صريح أنه لا يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه، وطلب منها شراء حصة من أسهم الشركة (المالكة للمستشفى) علّ هذا الأمر يساهم في ضخ سيولة نقدية تؤدي إلى حل الأزمة. ويقال بأن الحريري استمهلت حمود بعض الوقت كي تفاتح سعد الحريري بالأمر، لكن الجواب كان مخيبا إذ أبلغت «الست» الدكتور حمود أنهم غير قادرين على دفع أي مبلغ خاصة في هذا الوقت بالذات. يقول مطلعون إنه رصدت خلال الفترة الأخيرة مؤشرات جدية تعكس نية طرف من خارج المدينة الاستحواذ على المستشفى، وقد تبلغ حمود ذلك عبر صديق مقرب منه ومن الطرف الآخر المعني بعملية الشراء، لكنه (أي حمود) أعلن أمام مقربين منه أنه لا ينوي بيع المستشفى «لهم». أمام تأزم الأمر، تتحدث مصادر متابعة عن وجود طرف عربي (يتردد أنه خليجي) أبدى اهتماما في شراء حصة كبيرة من المستشفى، لكن غياب الاتفاق العائلي (الوالد وابنتيه) على موضوع البيع وشكله والنسب والوصاية، أدى إلى تجميد كل شيء حتى اللحظة. مهما تكن النتيجة التي ستفضي إليها الأمور في المحصلة النهائية، يبدو أن صيدا تنازع للمحافظة على واحدة من ميزاتها الإضافية، باعتبارها مستشفى الجنوب. مئات العائلات الصيداوية ستقف في وجه المجهول بعدما قضى أبناؤها سنين طويلة من حياتهم في خدمة مؤسسة حققت للمدينة ولأهلها الكثير. فهل هي معالم الحقبة الجديدة التي تدخلها صيدا على خطى ما سبقها من المدن؟ الأسئلة كثيرة... في رؤوس الصيداويين التي لا تزال حامية حتى الآن، والذين يبدو أنهم غير راضين عن الحال الذي تؤول إليه مدينتهم تدريجيا، من دون القدرة على إحداث تغيير.  47 عاماً من التطوير... والأزمات   عام 1966 أنشأ طبيب صيداوي شاب اسمه غسان حمود مستشفى صغيرا على أرض وسط بساتين الليمون والحامض في صيدا. لم تتعد طاقته الاستيعابية 20 سريرا، وتخصص بأمور الولادة والأمومة. خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي نما المستشفى وتطور ليضم 100 سرير متعدد، وتوسع ليشمل غرفا للعمليات والأشعة والمختبرات بتخصصات وآلات حديثة. أواخر التسعينيات دخل المستشفى مرحلة التطوير الأشمل والأكبر في مسيرته المهنية. اليوم يضم المستشفى الذي أصبح من أكبر المستشفيات الجامعية في لبنان أكثر من 325 سريرا، ويؤمّه أكثر من 100 الف مريض كزيارات خارجية، ويقدم العلاج لنحو 24 الف مريض سنويا. ويدخل قسم الطوارئ فيه أكثر من 13 الف حالة في العام. ويجرى فيه أكثر من 10 آلاف عملية جراحية بالسنة، ويشهد ولادة أكثر من 2400 طفل سنويا.

Script executed in 0.19051694869995