أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

«عبوة روميه» تقترب من الانفجار .. بالجمهورية كلها!

الثلاثاء 25 شباط , 2014 10:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,374 زائر

«عبوة روميه» تقترب من الانفجار .. بالجمهورية كلها!

السفير 

صار السكوت عما يجري في روميه إهانة لعقول اللبنانيين. ففي هذا السجن، الذي يشهد ظروفا إنسانية لا يقرها قانون أو عرف أو شرعة، تحاك مؤامرات ضد أمن لبنان ودول أخرى. في هذا السجن، يجري تنظيم مجموعات وإعطاء أوامر وتنفيذ جرائم وتهديد قضاة وضباط ووزراء وحكومة لا بل جمهورية بالكامل.

كتب أو قيل الكثير عن سجن روميه، لكن الآتي يستوجب أكثر من سطور وصرخة. نعم، على الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها في مواجهة ظاهرة ندر مثيلها في العالم، حتى في أكثر الجمهوريات بؤسا... وأفقرها.

انها عاشر محاولة معلنة للفرار من السجن، في غضون ثلاث سنوات ونيف، وقد فشل معظمها ونجح بعضها، ولو جزئيا، كحادثة الأمس التي انتهت بتوقيف فارَّين لبنانيَّين هما محمد الجوني (31 عاما) وسعد صبرا (31)، بينما تمكن زميلهما السوري مهند عبد الرحمن (23 عاما) من التواري في الأحراج المحيطة بالسجن، لينضم الى آخرين نجحوا أمثال اللبناني وليد البستاني (أعدمه «الجيش الحر» في الشمال السوري) والكويتي محمد عبدالله ناصر الدوسري الملقب بـ«أبي طلحة» (قتل أيضا في سوريا).

السؤال المطروح: متى تنفجر «امارة سجن روميه» في وجه الدولة كلها؟

منذ أن ولد سجن روميه قبل 45 عاما، كان مقدرا له ألا يستوعب أكثر من ألف سجين، غير أن طاقته الاستيعابية بلغت في السنوات الأخيرة سقف الثلاثة آلاف موقوف (الرقم الرسمي هو حوالي 2600)، يتوزعون على ستة مبان، أبرزها لا بل أخطرها، «المبنى ب«، وتحديدا الطابق الثالث المخصص لحوالي 180 سجينا اسلاميا (معظمهم ينتمون الى تنظيمات «فتح الإسلام» و«القاعدة» و«جند الشام» ومشتقاتها) ممن صدرت بحق بعضهم أحكام قضائية، وبعضهم الآخر لا يزال قيد المحاكمة، وبينهم أكثر من 100 لبناني و55 فلسطينيا وسوريا و 25 من جنسيات عربية وأجنبية.

واذا كان ما يجري في مبان أخرى لا يقل خطرا على الأمن الوطني والمجتمعي، لا سيما لجهة انتشار ظاهرة تجار المخدرات من قلب السجن نفسه، على مساحة الوطن، ومن خلال شبكات يرجح أن تضم متواطئين من أجهزة الدولة الرسمية، فإن الموقوفين الإسلاميين باتوا يشكلون دولة أمر واقع، لها رموزها وأعلامها ونشيدها وقانونها (فتاواها الشرعية اليومية) وهرميتها ومسؤولياتها، ولذلك لم يكن مستغربا إصدار أكثر من حكم إعدام كما حصل مع سجين من آل العرب في تشرين الاول الماضي، وقبله سجين من آل قندفلي في كانون الثاني 2013.

من أبرز رموز «دولة سجن روميه»، وفق تقرير تلقته مرجعية رسمية لبنانية: اليمني سليم علي عبد الكريم صالح الملقب بـ«أبو تراب»، الروسي سيرغيه فلاديمير فيسوشكي الملقب بـ«سيرغيه الروسي»، السوري طه سليمان، الفلسطيني حمزة أمين قاسم، اللبنانيان عثمان محمد ابراهيم وبلال خضر ابراهيم، الأردني عبد الملك يوسف عثمان عبد السلام (قيادي في «جبهة النصرة»)، الفلسطيني كمال محمد سليمان خلف، السعودي خالد سويد (عضو مجلس الشورى في تنظيم «القاعدة» في الشيشان)، السوري محمد صالح زواوي الملقب بـ«ابو سليم طه» (قياديٌّ سابقٌ في «فتح الإسلام» وحاليٌّ في «النصرة») والسعودي فهد المغامس (القيادي في تنظيم «القاعدة»)، فضلا عن «أبوات» آخرين يتولون المهام الأمنية أو اللوجستية أو الفنية (شبكة الانترنت وغيرها).

ووفق التقرير نفسه، فإن معظم السجناء الاسلاميين في رومية باتوا يدينون بالولاء لزعيم «جبهة النصرة في سوريا» أبو محمد الجولاني، وهم يديرون شبكة أمنية ـ تنظيمية، لها امتداداتها في سجون لبنانية أخرى وفي مناطق لبنانية، وتجري عملية التواصل عبر شبكة الانترنت، حيث تم إدخال عشرات الهواتف الخلوية الذكية (من أحدث الأنواع) وبينها ما يوفر التواصل عبر جهاز «سكايب» بالصوت والصورة، سواء لتوفير قاعدة معلومات أم لإعطاء أوامر ومنها تنفيذ عمليات ضد أهداف محددة، ويكفي أن يتم عبر نظام «الوايرلس» الكبس على عناوين محددة، حتى تكتمل عملية التواصل، وصولا الى منتديات في أقاصي الأرض.

ويشير التقرير الى محاولات عدة لقطع الاتصال عن الهواتف الذكية من خلال قطع الاتصال بواسطة عمود الإرسال قرب سجن رومية، لكن سرعان ما تعود الأمور الى طبيعتها، وقبل حوالي الأسبوعين (في مطلع شباط الحالي)، تم تركيب آلة متطورة لقطع الاتصال نهائيا وليس التشويش، لكن لم يتجرأ أحد على تشغيلها حتى الآن، في ظل استمرار واقع التنصل من المسؤوليات بين وزارتي الداخلية والعدل.

ووفق التقرير نفسه، فانه منذ حادثة التمرد الشهيرة التي وقعت في السجن في العام 2011، باتت معظم أبواب السجن الداخلية مخلعة، وبرغم كل المحاولات التي جرت لتلزيمها وتركيبها، وآخرها على يد الهيئة العليا للاغاثة، لم تجر ضربة واحدة، بل حصلت صفقات وسمسرات (ثمة ملاحقات أمام القضاء)، لكن عمليا، يمكن القول إن السجن بلا أبواب ويمكن لمئات السجناء أن يتجمعوا في لحظة واحدة في مكان واحد، ما يعني القدرة على السيطرة على السجن، في ظل واقع معروف لجهة عدم كفاية الجهاز الأمني الذي يتولى مسؤولية أمن السجن من الداخل والخارج، من حيث العدد أو التجهيزات والتقنيات.

حتى أن لا تعداد يوميا أو اسبوعيا يجري في السجن، ومن الممكن أن تحصل عمليات فرار وألا يتم اكتشافها الا بعد وقت طويل... والأخطر من الهواتف التي تدخل، نتيجة تقصير بعض عناصر الأمن أو تواطئها، أن الجميع صار يتعاطى معها كظاهرة طبيعية أو كأمر واقع، فالسجناء كانوا سابقا يخفون الأجهزة في المجاري الصحية والجدران والنوافذ بطريقة يصعب كشفها ميدانياً، أما حاليا، فقد صار الأمر علنيا وعلى مرأى من العناصر الأمنية في السجن، من دون إغفال ما يتراكم من ممنوعات (أدوات بعضها تساعد في تسهيل عمليات الفرار) وأخطرها احتمال وجود أسلحة (مسدسات) ومتفجرات بأيدي بعض الموقوفين الخطرين، وفق التقرير الذي وضعه اللواء الشهيد وسام الحسن قبيل استشهاده بأربعة أشهر.

وعدا مهمات التجنيد لأعمال إرهابية في السجن وخارجه، فإن قيادة «النصرة» أعطت الأولوية لإطلاق سراح الموقوفين الإسلاميين في سجن روميه، وتم في هذا السياق وضع سيناريوهات متعددة، فضلا عن محاولة الاستفادة من مناسبات معينة، كالمقايضة مع لبنانيي أعزاز ومؤخرا مع راهبات معلولا، حيث كان أبو محمد الجولاني، وفق الأوامر التي أعطاها لحمدي بو عزام المسؤول عن ملف الراهبات الموجودات في يبرود، واضحا بوجوب أن تكون أية صفقة للإفراج عنهن، مشروطة بإطلاق سراح الموقوفين الإسلاميين في روميه، وهم أرسلوا لوائح اسمية إلى أجهزة استخباراتية خليجية للضغط على الحكومة اللبنانية في هذا الاتجاه.

واللافت للانتباه أن «النصرة» وأخواتها، تضع على جدول الأعمال التخطيط والتحضير لعملية عسكرية أو أمنية نوعية تكون كفيلة بتأمين الفرار الواسع، سواء بعملية مدبرة ومخططة من داخل السجن (شغب وتمرد يتطور إلى فتح فجوات بعبوات بمادة «الكاربير» وغيرها) أو من خارج السجن عبر احتمالات عدة، بينها ارتداء منفذي الهجوم ثيابا عسكرية تابعة لقوى الأمن الداخلي أو القيام بهجوم انتحاري في أكثر من نقطة، بما يؤدي الى حالة فوضى ثم عملية فرار واسعة، من دون استبعاد احتمال توجيه ضربات استباقية أو متزامنة لسجون أخرى، خاصة في زحلة أو في سجن جزين الذي بات يؤوي معظم الموقوفين التابعين للشيخ أحمد الأسير ولا يتوفر فيه العدد الكافي للحراسة والحماية.

ووفق التقرير نفسه، فإن الموقوفين الاسلاميين ينظمون حملة تواصل يومية مع المنتديات الاسلامية، خاصة «القاعدية» في أفغانستان والعراق وباكستان وسوريا والشيشان ودول الخليج وغيرها، لإطلاق حملات تضامن معهم، وهم طالبوا أبو محمد الجولاني وأمير «داعش» أبو بكر البغدادي بالعمل على إطلاق سراحهم بالقوة، وباتوا على صلة يومية منظمة بشخصيات اسلامية لبنانية ومنابر اعلامية، وكل ذلك على مرأى من السلطات اللبنانية التي تقف موقف المتفرج.

يقول وزير الداخلية الجديد نهاد المشنوق إن أسهل الأمور الشكوى الأمنية من أمور تقع خارج قدرة الدولة اللبنانية على التحكم بها. ويدعو القوى السياسية المعنية الى تحمل المسؤولية في ما يخص موضوع ممرات السيارات المسروقة، فهل تنطبق مقولته على سجن روميه الذي لا يصح فيه القول إلا أنه مسؤولية الدولة وحدها... ولا شريك لها فيه، من هذا اللون أو ذاك، في الداخل والخارج، إلا إذا كان مطلوبا لسجن روميه طاولة حوار تنتج اعلانا... ومن بعده ننتظر انفجارا سيبدد كل أمل بقيامة الدولة... ولو بحدها الأدنى.

روميه: إنه عنوان الانفجار المحتمل في أية لحظة.


Script executed in 0.18927097320557