أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

إلى نساء "كفى": إسألن سيلان عن رصاصة اخترقت رأسها

الأحد 08 آذار , 2015 11:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 10,702 زائر

إلى نساء "كفى": إسألن سيلان عن رصاصة اخترقت رأسها

لنسمها حلا أو سما. لنسمها وفا... هي في الأصل سيلان أوزالب، مقاتلة كردية أطلقت النار على نفسها بآخر رصاصة امتلكتها بعدما حوصرت خلال المعارك في كوباني.

لم تكن سيلان أوزالب سوى امرأة جميلة، قبل أن تقرر المشاركة في حماية شعبها وأرضها ومجتمعها من جحافل الظلام. قاتلت، ولم يستطع أولئك الرجال قتلها. يُقال أنها قتلت عدداً منهم، إلى أن شاءت المعركة أن تبقى وحيدة. حوصرت سيلان، ونفذت ذخيرتها، فقررت الانتصار برصاصة في الرأس. في تلك اللحظة، أيقنت أن رصاصتها ستنصر قضيتها، لكنها في الواقع نصرت النساء في شرقنا.

ذَخرت سيلان مسدسها برصاصة كانت تخبئها، وابتسمت. تذكرت، ربما، حبيباً إلتقته في إحدى المعارك، وحلِمت بمراقصته. قد تكون حَمَلت مرآتها الصغيرة ونظرت فيها لتعاين جمالها، كي يكون موتها يليق بأنوثتنا.

حوّت سيلان أوزالب يوم المرأة العالمي هذا العام إلى يوم ذي معنى. حققت للنساء ما لم يحققه أحد. سيلان لم تَنُح، لم تطلب حماية ولا مساواة. لم يكن في وعيها أصلاً أنها وغيرها من النساء مختلفات عن الرجل. قاتلت وحَمَت، وانتصرت، ورسخت في عقولنا أن النساء لسن مختلفات. واجهت سيلان أوزالب ورفيقاتها عاصفة ثقافية، تَلفُ المرأة بغطاءٍ أسود، وتحصر جهادها بالنكاح. 

علمتنا سيلان الكثير. علمتنا أن المرأة مقرّرة. تحمي لا تُحمى. يُساوى بها، ولا تُساوى بأحد. قوتها لا تُحصر بجمال شفاهها ومؤخرتها. علمتنا سيلان الكثير، ففي الوقت التي كانت فيه تحارب وتنتصر، كان هناك في المقلب الآخر من يطالب بقانون لحماية المرأة من صفعة في منزل. علمتنا سيلان أن الجمعيات النسوية لزوم ما لا يلزم.

تعلمنا أن غياب النسويات، (مؤسسة "كفى" مثلاً) في لبنان عن لعب أي دور توعوي حول ما يحصل في المنطقة من سبي ورجم وحرق، خوفاً من إبداء رأي سياسي أو رأي يقترب من السياسة، واقتصار دورها على المبالغة بالصراخ من أجل عاملة في منزل عنفت، حصر نضالها بالقشور.

إن ثورة النسويات على رجال الدين من أجل قانون حماية المرأة من العنف الأسري أمرٌ جيّد، لكن تناسي ما يفوق برجعيته، رجعية الأديان في التعاطي مع المرأة يطرح الكثير من الأسئلة. 

يعني، إن كانت ثقافة تعنيف المرأة تحارب عبر تحصيل حقوق بعض النسوة في المجتمع، واخضاع رجال الدين، فثقافة السبي والرجم تحارب عبر إبداء موقف واضح، والبدء بحملات إعلامية وإعلانية وميدانية، وليس عبر الخجل من انتقاد ممارسات تقترب بسرعة من مجتمعنا خوفاً من صبغة أو لون يحرمها من تمويل أممي. 

إن فصل النسويات لقضايا المرأة عن باقي قضايا المجتمع يسخّف القضية. مثلاً، التعاطي اللا انساني مع عاملة منزل يرتبط حصراً بحقوق الإنسان وليس بحقوق المرأة. لكن "كفى" مثلاً، تصرّ على جعلها قضية نسوية.

يجب أن تخفف "كفى" (وغيرها من النسويات) ورشات العمل التي تقيمها للنساء، يوماً تحت عنوان تمكين المرأة، ويوماً لتشريع قانون يحميها، ويوماً من أجل مساعدتها لتأمين عيشها. على "كفى" وغيرها من النسويات، أن تتعلّم الكثير قبل أن تعلّم. تتعلم أن المرأة تُمَكِّن ولا تُمَكَّن، تُعلِّم ولا تُعلَّم. إن ما تقوم به "كفى" وغيرها، يساهم عن قصد، أو عن غير قصد في تكريس ثقافة المرأة الضعيفة التي تناضل من أجل ارتقائها.

الأولويات اليوم في مكان آخر. إسالوا سيلان أوزالب.

علي منتش | ليبانون ديبايت 

Script executed in 0.22496700286865